عاد فيروس «كورونا» المستجد لتسلم مقود السيطرة مواصلا تفشيه السريع حول العالم، خاصة أن الظروف المناخية مع دخول فصل الخريف وانخفاض درجات الحرارة تعد ملائمة وتغذي تماما جبروت الفيروس التاجي، وتنذر بموجة ثانية من التفشي ستكون «أخطر» من المتوقع، خاصة مع ارتفاع وتيرة الإصابات، وعجز الخبراء عن توفير اللقاح المناسب، ما دفع بعدد من الحكومات إلى إقرار الإغلاق الشامل أو الجزئي في نسخته الخريفية، وسرع نبضات القلب في المغرب، حيث بدأ شبح الحجر الصحي يطل مجددا. ومنذ إعلان فرنسا، في خطاب لرئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، الأربعاء الماضي، إعادة فرض إغلاق تام بالبلد، الذي تجاوز عدد الوفيات فيه 36 ألفاً، لن يكون مشابهاً للحجر الصارم الذي فرض في الربيع مدة شهرين، خلال الموجة الأولى التي أودت بحياة 30 ألف شخص، تسلل الرعب إلى قلوب المغاربة الذين أحيطت بهم التنبؤات وقراءات في الفناجين المقلوبة للحكومة من كل جانب، مستحضرين في الآن ذاته علاقة الترابط بين قرارات السلطات المغربية ونظيراتها حول العالم، خاصة فرنسا، التي زامن حجرها الأول نظيره في المغرب في شهر مارس الماضي. ويسود اعتقاد راسخ لدى المغاربة بأن السلطات ستلجأ خلال الأيام المقبلة إلى تطبيق حَجر صحي شامل في البلاد، أسوة بفرنسا وألمانيا وباقي الحكومات، في ظل تصاعد أرقام الإصابات والوفيات بفيروس كورونا المستجد بالبلد، وهو ما يزكيه الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، في شهر غشت الماضي، عندما أكد أنه توجد نية للعودة إلى الحجر الصحي، بصيغة يمكن أن تكون أكثر تشددا، في حال استمر الوضع على ما هو عليه، مقرا بأنه إذا دعت الضرورة إلى اتخاذ قرار العودة إلى الحجر الصحي الشامل، الذي وصفه وقتها ب«القرار الصعب»، فإن انعكاساته ستكون قاسية على حياة المواطنين وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بعد تراكمات تجربة الحجر الصحي التي عاشوها طيلة شهرين، وفي ظل انكماش اقتصادي لم يسبق له مثيل منذ تسعينيات القرن الماضي. لا حجر صحي في أفق الحكومة «لا يوجد أي نقاش من هذا النوع على طاولة الحكومة حاليا»، يقول مصدر حكومي حول إمكانية العودة إلى الحجر الصحي لحاقا بركب الدول الأوروبية التي لجأت إليه، في محاولة جديدة لتطويق الفيروس التاجي، وحماية نظامها الصحي من الانهيار استعدادا للموجة الثانية. واعتبر مصدرنا أن كل الأخبار المتواترة بهذا الخصوص على بعض الصفحات والمواقع «زائفة ولا أساس لها من الصحة»، مؤكدا أن اللجنة العلمية المختصة بوباء كوفيد-19 «مستقلة، وتجتمع بصفة شبه يومية لتقييم الوضع، وتقديم توصياتها وفقا لمعايير صحية دقيقة وخاصة بالوضعية الوبائية وسرعة انتشار الجائحة، وبناء على خريطة وبائية محددة، واستنادا إلى هذه التوصيات، تقرر لجنة القيادة الخطوات التالية التي تضمن السلامة العامة للمواطنين بالدرجة الأولى، ثم استمرار حالة تعافي اقتصادنا من تبعات الحجر الصحي السابق». وأكد المتحدث أن الوضعية الوبائية «مقلقة، لكن السلطات الصحية مازالت متحكمة بالمؤشرات الوبائية. وبالرغم من الأعداد المرتفعة في الإصابات، فإن نسبة الإماتة ومؤشر العدوى يظلان منخفضين حتى الآن مقارنة بالدول الأوروبية التي أعادت فرض الحجر الصحي»، مضيفا: «نتمنى طبعا ألا نصل إلى الحجر الصحي بدورنا، لما له من تداعيات على النسيج الاقتصادي وعلى المواطن، وأملنا هو التزام الجميع بالإجراءات الموصى بها». هل يتحمل الاقتصاد المغربي تكلفة إعادة الحجر الصحي الشامل؟ وكان الفيروس التاجي قد كلف المغرب عن كل يوم حجر صحي تبعات اقتصادية مرعبة بلغت ما قيمته مليار درهم طيلة شهرين ممتدين من 20 مارس حتى مطلع يونيو، ما كبد الاقتصاد 6 نقاط من نمو الناتج الداخلي الإجمالي خلال 2020، فضلا عن نقص في مداخيل الخزينة بمعدل 500 مليون درهم في اليوم الواحد خلال فترة الحجر. وتسبب التأثير المزدوج للجفاف والقيود المفروضة للحد من انتشار وباء كوفيد-19، في إطار حالة الطوارئ الصحية، في تسجيل اقتصاد المغرب خلال سنة 2020 أقوى تراجع له منذ 1996، وذلك بنسبة 5,2 في المائة، حسب تقرير صادر عن بنك المغرب وتقارير رسمية أخرى لوزارة الاقتصاد والمالية والمندوبية السامية للتخطيط، والتي حذرت من حالة الانكماش التي طرأت على عدد من القطاعات الحيوية، التي لاتزال حتى شهر نونبر الجاري تحاول التعافي من التبعات السلبية للحجر الصحي، التي أرخت بظلالها أيضا على العاملين في القطاع غير المهيكل، والذين تقدر المندوبية السامية للتخطيط عددهم ب«أكثر من خمسة ملايين أسرة، أي ما يفوق نصف سكان المغرب». وفي هذا الإطار، يعتبر الخبير الاقتصادي بالمعهد المغربي لتحليل السياسات، رشيد أوراز، أن هذه المعطيات الإحصائية والرقمية، التي تفسر التداعيات السلبية ل«كورونا» على الاقتصاد الوطني خلال المرحلة السابقة، تستبعد لجوء حكومة العثماني إلى حجر صحي ثان تكون تبعاته الاقتصادية «كارثية». وردا على سؤال: هل يتحمل الاقتصاد المغربي تكلفة إعادة الحجر الصحي الشامل؟ يقول أوراز إن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الوطني خلال الحجر الصحي الربيعي، بحد ذاتها تعد مبررا «لكي لا نرجع بسرعة إلى الحجر الصحي»، مضيفا: «إن الدولة واعية الآن بأنه وبسبب طول الحجر الصحي الأول، الذي امتد إلى أكثر من شهرين، وجدنا أنفسنا أمام تكلفة اقتصادية كبيرة، في حين أن المؤشرات الاقتصادية الحالية، والتي ستظهر أيضا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، لا تسمح بتاتا بأن يكون هناك حجر صحي». وتابع المتحدث قائلا: «حتى لو تطور الوضع الوبائي من ناحية الوفيات والضغط على المنظومة الصحية، فإن الدولة قد تلجأ إلى فرض حجر صحي جزئي على بعض الجهات أو المدن بالضبط، وليس إلى حجر شامل على كافة جهات وأقاليم المملكة، فمادمنا نرى أن جهة الدارالبيضاء وحدها تسجل 50 في المائة من الحالات، فليس من المنطقي، مثلا، أن يكون هناك حجر صحي في كل المناطق»، مستبعدا حجرا شاملا على كافة ربوع المملكة. مقترحات اقتصادية للتعافي وأضاف أوراز أنه في حال حدث وأقرت الحكومة حجرا صحيا شاملا بصيغته الأولى، «ستكون التكلفة الاقتصادية كارثية جدا، ذلك أنه من الصعب بعد الحجر الربيعي أن يكون هناك ولو أسبوع أو أسبوعان من الحجر بهذه الصيغة، نظرا إلى ما سيلحقه إجراء من هذا النوع من أضرار وخيمة جدا بالاقتصاد المغربي». وعلى غرار ما ورد في خطاب عاهل البلاد بمناسبة عيد العرش الأخير، بخصوص أن الدعم المالي الذي منحته السلطات لنحو 6 ملايين أسرة توقف معيلوها عن العمل خلال أشهر الحجر الصحي الثلاثة، «لا يمكن أن يدوم إلى ما لانهاية، لأن الدولة أعطت أكثر مما لديها من وسائل وإمكانات»، يقول الخبير الاقتصادي إنه في حال تطبيق حجر صحي ثانٍ «فإنه لم تعد لدى الدولة الإمكانيات المادية لتقديم ما قدمته في المرحلة الأولى للأسر والمشتغلين في القطاع غير المهيكل والإجراء عن طريق الضمان الاجتماعي، وبالتالي، فإن صندوق كوفيد19 لن يستطيع تحمل هذه النفقات». واستبعد أوراز أن تسير الحكومة في اتجاه حجر صحي ثانٍ» مهما كانت الوضعية الوبائية، إلا إذا وصلت إلى مستويات كبيرة جدا، مثل ما تعانيه بعض البلدان الأوروبية التي عادت إلى الحجر الصحي، على غرار فرنسا وألمانيا»، مستحضرا في هذا الشق إطلاق الحكومة نقاش مشروع قانون المالية الجديد، الذي «لم يأخذ بعين الاعتبار أن يكون هناك حجر صحي ثانٍ». ولفت أوراز إلى أن مشروع قانون المالية 2021 «استحضر فقط أنه في غضون بضعة أسابيع سيكون هناك لقاح وبداية حملة تلقيح»، مضيفا: «وعلى هذا الأساس، أعتقد أن الأمور تتجه في هذا المنحى، وقد يكون هناك حجر صحي على بعض المدن، خاصة جهة الدارالبيضاء الكبرى، وبعض المدن الأخرى التي تعرف انفجارا وبائيا، لكن المغرب لن يعود إلى حجر صحي شامل يعطل الاقتصاد وحركة المواطنين». وكانت المندوبية السامية للتخطيط، من جانبها، قد اقترحت «تطبيق الحجر الواسع النطاق بصفة متقطعة يوما واحدا في الأسبوع على الصعيد الوطني وفي الجهات ذات التطور المقلق للوباء مقارنة بالتوقعات في حدود 31 دجنبر 2020، مشيرة إلى أن تطبيق الحجر الكامل يوما واحدا خلال 6 أسابيع سيقلل من قابلية الانتقال بنسبة 10 في المائة في نهاية هذه الفترة»، وهو المقترح الذي يراه الخبير الاقتصادي «ممكنا، ولن تكون له تداعيات اقتصادية». وأوضح أوراز أن يوم حجر شامل في الأسبوع، أو يومين، أثبت نجاعته في بعض الدول الأخرى التي اعتمدته مع بداية ظهور الجائحة «شريطة أن يكون في نهاية الأسبوع، حيث تنخفض درجة النشاط الاقتصادي والمؤسسات المالية والشركات والمقاولات لا تشتغل». أما بخصوص استراتيجية «stop and go»، التي بسطها خبراء الصحة خلال إعداد هذا التقرير باعتبارها أحد السيناريوهات الممكنة لتحقيق التوازن بين ما هو اقتصادي وصحي واجتماعي خلال المرحلة المقبلة، فقد اعتبرها أوراز «غير مناسبة»، ذلك أن هذه التقنية تقتضي أن يكون هناك حجر صحي شامل متواصل مدة 15 يوما من أصل 30 يوما، «وهو ما سيعطل عمل أغلبية القطاعات الاقتصادية مدة أسبوعين، ولا يمكن أن تسترجع ما خسرته»، مضيفا: «قد تكون من الناحية الصحية ناجعة، لكنها ليست عملية اقتصاديا، في حين أن فكرة يوم أو يومين ممكنة، وإن كان تطبيقها صعبا، لأن المواطنين لن يمتثلوا لهذه الإجراءات، خاصة مع خروج المواطنين للاحتجاج في فرنسا وأوروبا ضد فرض الحجر، فالمواطنون اليوم لم يعودوا يطيقون الإغلاق نفسيا وماديا أيضا»، يقول أوراز في ختام تصريحه. القرار السياسي يمليه القرار العلمي ويواجه العالم ارتفاعا متزايدا في عدد الإصابات بفيروس كورونا، لتتسع رقعة المناطق التي تصنف باللون «الأحمر» في الكثير من الدول، ما جعل العديد من الحكومات الأوروبية تضع اقتصادها على المحك، وتسارع إلى إعادة فرض إجراءات الحجر الصحي الذي يعد من بين التدابير الوقائية التي دعت منظمة الصحة العالمية إلى احترامها بهدف تقليص انتشار وباء كوفيد-19 وألا يمتد في مناطق أخرى، ومنع انتقال العدوى بين الناس في المناطق التي تعرف انتشارا لهذا الوباء خلال الموجة الثانية من الوباء. ولأن الحجر الصحي الشامل يعد أبغض الحلال في مواجهة الفيروس الفتاك، فإن العديد من المراقبين والمتابعين لتطور الوضع الوبائي في بلدنا يرون أن العودة إلى إقرار الحجر الصحي الشامل من الناحية الصحية، وإن كانت لها أضرار اقتصادية «وخيمة»، تبقى من ضمن الخيارات المثالية لوقف زحف الفيروس، خاصة في ظل استمرار تسجيل أرقام قياسية يومية لحالات الإصابة والوفيات، وغياب أي أمل في إنتاج لقاح قبل دخول المملكة غمار الموجة الثانية من الفيروس، فهل هذا هو الحل الوحيد فعلا من الناحية الطبية؟ وكم يلزم من الوقت لتحقيق الاستقرار الوبائي؟ من جانبه، أكد البروفسور جمال الدين البوزيدي، أخصائي الأمراض التنفسية، ، أن «القرار السياسي يمليه القرار العلمي، الذي تتحكم فيه الحالة الوبائية»، منبها إلى أنه في حال «وصلت الوضعية الوبائية إلى مستوى محدد من التفاقم، يكون الحجر الصحي أنجع خيار للحد من الوباء». وأبرز البوزيدي أنه لكل حالة وبائية طريقة معالجة خاصة بها، مشيرا إلى أن الحجر الصحي الشامل، من الناحية الصحية، «هو الحل الأخير، أي عندما نصل إلى وضعية وبائية مقلقة وأعداد غير متحكم فيها، وعلى هذا الأساس، تعمد السلطات إلى تطبيقه جزئيا أو كليا، وتتحكم في هذا الشق الإمكانيات الطبية والبشرية والمادية. فكما هو معروف، فإنه ضمن حالات الإصابة تكون نسبة 20 في المائة منها شرسة، و6 في المائة منها تستدعي الإنعاش والعناية المركزة، وبالتالي، يجب توفير الأسرَّة الكافية والممرضين والتقنيين». وزاد المتحدث قائلا: «في المغرب نملك 6000 سرير إنعاش، ويجب ألا تتعدى الحالات الشرسة 30 ألفا لكي لا نتجاوز القدرات والطاقة الاستيعابية وألا يتوفى المواطنون في الشارع دون عناية طبية»، وأضاف: «صحيح أن الإمكانيات البشرية اليوم محدودة جدا، سواء في العدد أو الزمان أو المكان، كما أنه لا يمكن إنتاج آخرين، ومن يعملون منذ مارس أصيبوا بالتعب واستنزفوا، لكن الأمور مازالت تحت السيطرة مادمنا لم نتعدَّ النسبة المحددة». ولفت الخبير إلى أن العديد من المدن تجاوزت القدرة الاستيعابية، وهو ما يستدعي اللجوء إلى الحجر الجزئي في بعض جهات المملكة التي تشكل بؤرا وبائية، مشيرا إلى أنه «من طرق معالجة الأوبئة أن تترك المرض يسري، وعندما تتجاوز الإصابة 90 في المائة من الساكنة تتحقق المناعة الجماعية، وهو الإجراء الذي كانت تسير فيه المملكة المتحدة، لكن الإمكانيات اللوجستيكية والبشرية أعاقت الأمر، لأنه وجب توفير أزيد من 30 ألف سرير وجهاز تنفس، وهذا مستحيل، فعادوا إلى الحجر الصحي الكامل». واعتبر البوزيدي مقترح المندوبية السامية للتخطيط بخصوص يوم حجر واحد أسبوعيا «غير مناسب»، مؤكدا أن الحل لوقف زحف الفيروس يكمن أساسا في سلوك المواطن واحترامه التدابير الاحترازية وإجراءات التباعد الاجتماعي»، مستحضرا في هذا الإطار سلوك والتزام المواطنين في الصين وكوريا وامتثالهم للقرارات، ما أخرجهم من نفق الموجة الثانية سالمين. توصيات طبية: الحجر الصحي الموجه هو الحل من جهته، يرى الطيب حمضي، الطبيب الباحث في السياسات والنظم الطبية، أن الدولة يجب أن تسير في منحى «حجر صحي موجه وبشكل سريع ودقيق لتجنب الحجر العام، كما هو الحال في فرنسا التي اعتمدت حجرا عاما لكنه ليس شاملا، بعدما سمحت للمدارس والمعامل بأن تبقى أبوابهم مفتوحة». وقال حمضي، في تصريح : «يجب على الحكومة أن تفرض الحجر الصحي على كل مدينة أو جهة وقع فيها تسارع الوباء، وليس بالضرورة إغلاق كل شيء، بل فقط الأنشطة الاجتماعية، وتوجد دراسة صدرت يوم 22 أكتوبر تقول إنه إذا وقع تسارع وباء في منطقة ما وجب تطبيق عدد من الإجراءات، أولها منع التجمعات، مثلا، حاليا يجب منعها في أسواق ومساجد الدارالبيضاء، ويجب خفض الحركة ومنع تجمع أكثر من 10 أشخاص، وكذلك الزيارات العائلية. يجب تخفيض التحركات على صعيد المدينة». ويستثني الحجر الموجه من إجراءات التشديد من يخرجون لمزاولة أعمالهم، منبها إلى أن أول خطوة وجب أن تقوم بها الدولة في العاصمة الاقتصادية هي «إغلاق المدارس، بالدرجة الأولى الجامعات ثم الثانوي ثم الإعدادي ثم الابتدائي، إذ يجب ألا يعودوا إلى المدرسة يوم الاثنين، فحتى لو كان الأطفال الأقل عرضة للإصابة، فإنهم ينقلون الوباء»، مضيفا: «تسهم التجمعات أمام المدارس في انتقال العدوى، ففي فرنسا أو إنجلترا، مثلا، تجد أنه من أصل 20 أسرة في الحي الواحد 2 فقط يدرسون، نحن تجد 18 طفلا في الابتدائي في الحي الواحد، وهذا يعني أنه إذا منعنا حركة المواطنين في المدينة وتركنا المدارس مفتوحة فلن نحقق أي شيء». وقلل حمضي من شأن مقترح المندوبية السامية للتخطيط، مبرزا أنه من الناحية الطبية لا توجد دراسة أثبتت نجاعة هذا الإجراء». وبخصوص المعطيات الرقمية التي قدمتها المندوبية بهذا الخصوص، والتي تفيد بأن الإجراء المقترح يؤدي إلى تجنب 10 في المائة من الإصابات، اعتبر حمضي أنها مجرد «حسابات رقمية للحاسوب، أما الواقع فشيء آخر، فمن جهة، نحن لا نتوفر على دراسة، ومن جهة ثانية، لم تحدد المندوبية أي يوم في الأسبوع. وقد اعتمدت بعض الدول يومين هما نهاية الأسبوع لتضبط إجراءاتها التدبيرية، والمواطن عموما سيعوض ما كان سيفعله يوم السبت في الأحد، أي في اليوم الموالي، وبالتالي، ستحدث التجمعات». واعتبر المتحدث أن الاستراتيجية الأسلم هي stop and go، والتي «تقتضي أن 15 يوم حجر صحي، التي تزامن ظهور أعراض الوباء، تسمح لك بالتحكم في معدل التكاثر وتفتح 45 يوما أخرى، وهي تتيح ألا يُقتل الاقتصاد بصفة نهائية، لكنها لا تتحكم في الوضعية الوبائية». وتابع المتحدث: «يضبط الاقتصاد أموره وفقا لهذا الإجراء، وهذه استراتيجية ممكنة، أما يوم في الأسبوع فلا نتائج له، وهي من الإجراءات التي تناقش. نحن نتوقع أن تحل المشاكل في مارس، لكن قد تظهر مفاجآت أخرى، وهذا أيضا عامل وجب استحضاره، لأن التحكم في الوباء يستلزم أسبوعين أو 4 أسابيع على الأقل». ولفت الخبير إلى أن المغرب قد «دخل مرحلة أخرى من الجائحة، وهناك حاجة إلى سلوكيات جديدة، بالإضافة إلى ضرورة احترام المواطنين التدابير الاحترازية، والتغيير في استراتيجية المجابهة التي تتبعها المنظومة الصحية لتكييفها مع المعطيات الوبائية والعلمية الجديدة، إذ ستكون التدابير الترابية مطلوبة في المدن والمناطق التي تعرف أو ستعرف نشاطًا فيروسيًا متسارعا»، مضيفا: «يجب أن تكون هذه الإجراءات صارمة وسريعة ومحدودة في الزمن وموجهة جغرافيا، ومكيفة مع المعطيات الاجتماعية والاقتصادية لكل منطقة ولكل الفئات الاجتماعية. وفي حال تدهور الوضع الوبائي على الصعيد الوطني أو في المناطق الرئيسة (الدارالبيضاء وطنجة وتطوان وفاس مكناس ومراكش)، يجب اتخاذ تدابير على الصعيد الوطني، مع استثناءات محلية». العودة إلى الحجر الصحي قنبلة موقوتة ولأن الصحة النفسية للمواطن لا تقل أهمية عن الجانب الاقتصادي والوبائي خلال فترة الحجر الصحي، الذي بات يلوح في الأفق، تواصلنا مع المتخصص في علم النفس الاجتماعي، بنزاكور محسن، لكشف تداعيات العودة إلى حجر خريفي جديد على السلامة النفسية والاجتماعية للمواطن، وذلك على ضوء دراسة حديثة للمعهد المغربي لتحليل السياسات، والتي كشفت أن أكثر من نصف المغاربة غير مستعدين نفسيا ولا ماديا لفترة حجر صحي ثانية، حتى وإن انتشر فيروس كورونا المستجد بشكل أكبر، وقد أكد تقرير رسمي للمندوبية السامية للتخطيط تعرض النساء والرجال للآثار النفسية لكوفيد-19 «بشكل مختلف»، مسجلا أن ربات الأسر هن أكثر تأثرا بالاضطرابات النفسية المرتبطة بتلك الأزمة من نظرائهن الرجال. وأورد التقرير الرسمي في بهذا الخصوص تأثر 26% من النساء باضطراب النوم مقابل 23% من الرجال، وتأثر 51% من النساء بالقلق مقابل 49% من الرجال، بالإضافة إلى تأثر 9% منهن بالاكتئاب مقابل 6% من الرجال، ما يعني أن تداعيات الفيروس زعزعت الاستقرار النفسي والاجتماعي للمواطن، فإلى أي حد هو اليوم مستعد لتكرار التجربة؟ يقول بنزاكور إن احتمال عودة المغرب إلى الحجر الصحي الشامل بدأ يتصاعد تدريجيا، خاصة مع القرارات الجديدة للدول المجاورة، والتي فرضت حجرا صحيا شاملا، لكن ليس في صورته القديمة، مؤكدا أن هناك إشارات وجب التقاطها بهذا الخصوص، تتجلى في الإبقاء على فتح المدارس، وهذا مهم جدا بالنسبة إلى الأطفال في ما يخص سلامتهم واستقرارهم النفسي والذهني، وشعور الاطمئنان لدى الآباء يخفف نوعا ما من الضغط. وأضاف الأخصائي: «تكمن النقطة الثانية في رخصة الذهاب إلى العمل، وإن كان الأغلبية يعتمدون على العمل عن بعد، وهذا يعني أنه ستقل الحركية والمواصلات»، مضيفا: «هذه إجراءات تخفيف، أما إذا كان الحجر الصحي شبيها بالأول، فربما سنشهد وضعية مأساوية، لأنه من مخلفات الحجر الصحي الأول تصاعد العنف في المنزل وداخل الأسرة بين الأزواج والأبناء، وارتفاع نسبة الكآبة، وعدم التلاوم مع الوضعية الراهنة والإعياء النفسي. هذه كلها معطيات تزكي أنه كيفما كان الحال، فإن الرجوع المحتمل للحجر الصحي من جديد يجب ألا يكون شبيها 100 في المائة بالأول، وهذا ما وعته واستوعبته الدول الأخرى». وبخصوص مدى استعداد المغاربة للرجوع إلى الحجر الصحي من جديد، وإمكانية أن تكون هناك مواجهة وتحدٍّ بين المواطن والسلطات، على غرار فترة عيد الأضحى وعاشوراء التي عبر خلالها المغربي عن رفضه الحجر الصحي، يقول الخبير: «يوجد اليوم تضارب بين ما يجب أن يكون وبين الفكر المؤامراتي. أصبحنا نجد أن أخصائيين في المجال الطبي يقولون إنه إذا استطاع الإنسان أن يتعايش مع الوباء، كما سبق أن فعل مع الأوبئة السابقة، فهذا بحد ذاته عين الصواب والوقاية من الوباء بالنسبة للإنسان السليم جسديا... وهذه أطروحات ليس الجميع قادرا على استيعابها علميا». وتابع المتحدث: «أصبح هناك سلوك جديد لدى المواطن، إذ تجده يقول إن الفيروس لا يوجد أو إنه يفتك فقط بأصحاب الأمراض المزمنة، و90 في المائة من المغاربة لا يرتدون الكمامة بشكل صحيح، كما عدنا إلى لقاءات العمل والأسواق والمآتم بشكل عادي دون تباعد، وهذا يبين أن المواطن المغربي فقد نوعا من الثقة في القرارات الرسمية، وأصبح يشك في أمور عديدة جدا من بينها الوباء، وأصبح هناك تكذيب لرجل السياسة، أي فقدان الثقة، ما يفرض طرح أكثر من سؤال كبير لأن الأمور الثلاثة تضافرت، أي فقدان الثقة والإعياء النفسي والحاجة، أي الجانب الاقتصادي، لأن هناك مخاوف من ألا يستطيع المرء ضمان قوت يومه، فما يقارب 8 ملايين أسرة تعيش من الاقتصاد غير المهيكل، ولا تتمتع بتغطية صحية أو ضمان اجتماعي». وأكد الخبير النفسي أن العودة من جديد إلى الحجر الصحي الشامل «ستشكل قنبلة موقوتة، إن لم تؤخذ بعين الاعتبار الأمور التي ذكرناها، وألا يكون الحجر شاملا كسابقه، فالدوافع الموضوعية تجعل المغربي يرفض الامتثال الطوعي، وإذا لم يُفرض الامتثال عن طريق الحواجز والسلطة فلن يكون طوعيا، لأن الغاية ليست إيقاف انتشار الوباء، ولكن حصره، فحتى الأرقام التي تصاعدت فيما بعد ليس سببها الرجوع إلى الحياة العادية، والذي يعد حتميا ولا مناص منه، وإنما الاستهتار والتراخي».