أمنة برواضي في حوار "مع الناقد" مع الناقد الأدبي عبدالرحمان الصوفي السلام عليكم أستاذي الفاضل أولا أرحب بكم وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة عن أسئلتي. ليكن أول سؤال كما جرت العادة من هو عبد الرحمان الصوفي؟ جواب: عبدالرحمان الصوفي : اشتغلت أستاذا لمادة الفلسفة ( السلك الثانوي ) ، وأستاذا لمادة اللغة العربية ( جميع الأسلاك ) . أشتغل حاليا مديرا تربويا ( مؤسسة تعليمية خصوصية / طنجة ) ، ومؤطرا بيداغوجيا لمؤسسات خصوصية أخرى بنفس المدينة. سؤال: 2 – أستاذ الفلسفة عاشق للأدب والنقد، يكرس وقته للنقد الأدبي.. كيف يشرح لنا الناقد هذا التحول في مساره الفكري وإن كانت الفلسفة والأدب في خانة العلوم الإنسانية؟ جواب: الجامعة المغربية خلال أواخر الثمانينات وبداية التسعينات ، لم يكن فيها وضوح بين في الفصل بين مختلف تخصصات العلوم الإنسانية، فطالب الأدب العربي يدرس المواد الأساسية المتعلقة بالتخصص، و يدرس كذلك موادا ثانوية أخرى ، ( يمتحن فيها كذلك ) الفلسفة والتاريخ والجغرافيا والدراسات الإسلامية واللغات، وطالب شعبة الفلسفة يدرس بدوره مواد الأدب العربي وغيرها. وأشير أن الكثير من الطلبة الذين حصلوا على شواهد الإجازة سنة 1993 و 1994 ، وجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام واقع البطالة. وضع فرض عليهم العودة للجامعة، والتسجيل في تخصص آخر، أي من شعبة الأدب العربي، إلى شعبة الفلسفة، أو شعبة القانون أو غيرهما . وعبدالرحمان االصوفي واحد من جيل ( حاملي الشواهد المعطلين بالمغرب ) . – بداية حبي وعشقي للنقد الأدبي تعود لسنة 1987 ، أي خلال السنة الأولى من التعليم الثانوي، والفضل يعود لأستاذ مادة اللغة العربية، التي كان يمدني بكتب علم العروض، وكتب البلاغة والبديع والبيان، ودراسات للعقاد وطه حسين وغيرهما، وكل ما كان يمدني به له علاقة بالمقرر. – توطدت علاقتي بالنقد في فترة دراستي في الجامعة من خلال مادة ( علوم المناهج / والأجناس الأدبية ( التحليل الشعري / التحليل السردي وغيرهما ). كما أن فترة البطالة التي عشتها لأكثر من خمس سنوات، جعلت مني بائعا للكتب القديمة، مهنة مكنتني من الاطلاع على أمهات الكتب في النقد الأدبي وغيره . – أما علاقة الفلسفة بالنقد فهي علاقة وطيدة جدا، فالمنطلق والخلفية الفكرية الفلسفية للنظريات النقدية الأدبية عبر مد العصور الأدبية هي نظريات فلسفية ( المرجع ). وأقدم مثلا : ستيفن أولمان) في كتابه دور الكلمة في اللغة، يرى أن المعنى يمثّل نقطة التقابل في ثلاثة أنواع من علم المعنى: 1- علم المعنى اللغوي/Linguistic Semantics 2- علم المعنى الفلسفي/ Philosophical Semantics 3 – علم المعنى العام / General Semantics ( وللتوسع في معرفة علاقة الفلسفة بالنقد، يمكن الاطلاع على كتاب ( الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني و النقدي / تأليف : عبد الرزاق عوده الغالبي ) . سؤال: 3 – بصفتكم ناقدا ما هو تصوركم للممارسة النقدية؟ وكيف تجدون النقد في المغرب والوطن العربي؟ سؤال: 4 – من موقعكم كناقد كيف ترون مستقبل النقد مع كثرة الإصدارات الأدبية؟ سؤال: 5 – سؤال مرتبط بما سبق، بصفتكم رئيسا لمجموعة من المواقع المهتمة بالنقد كيف يخدم النقد الإبداع؟ وهل تعتقدون لغياب النقد دور في رداءة الإبداع وكثرة الاصدارات؟ سؤال: 6 – كيف ترون مستقبل النقد في المنطقة العربية؟ أجوبة الأسئلة : 3 و4 و 5 و 6 : – الأسئلة التي انطلقنا منها لتأسيس نظرية نقدية عربية ما بعد حداثية، هي النظرية الذرائعية التطبيقية، التي لا علاقة لها بذرائعية " جون ديوي " أوغيره، بل هي نظرية عربية لمنظرها عبد الرزاق عودة الغالبي، وجدت لتطبق على النص العربي ولا تصلح لغيره. ( انظر الموسوعة الذرائعية ) . تصوري للممارسة النقدية ومستقبلها في المغرب والبلدان العربية، هو تصور " حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي التي أترأسها إلى جانب " الدكتور عبدالرزاق عودة الغالي، والدكتورة " عبير يحيي الخالدي " ، وهو كما يلي وكما أصدرته اللجنة الذرائعية للنشر : (…إن الأدب الرصين عرّاب للمجتمع ، وهو رباعي التكوين من سلوك نفسي وتقمّص وجداني وعقل معمّد بإحساس عالٍ، يتناص مع الحياة و تجارب المبدعين في المعمورة، وفن تشكيلي مموسق، أمّا النقد فهو عرّاب الأدب والأديب، وهو أهم علم من علوم الأدب، وتلك بديهية لا تحتاج إلى أو تحقيق، لكن ما أريد قوله – مع أهمية النقد للأدب وللمجتمع – فإني لم أجد سوى كتاب في النقد، ونزر يسير من نقاد متخصصين في هذا العلم، ويقود المتلقي نحو القراءة النقدية الصحيحة والمبسّطة للنصوص بشكل بحتي ، والتي توازي الطوفان المرعب في الكتابة الأدبية العربية ، ومما يحزّ بالنفس أن غياب التحليلات النقدية العلمية ذات النكهة العربية عن الساحة العربية المترعة بالقديم والحديث، ساعد في نشر الجهل الأدبي الأكاديمي بمعارف النص والتنصيص ومفاصل العمل الأدبي، الشعري والنثري، وما ساعد على ذلك، هو التمرد على التجنيس، ذلك المسلك الذي أشاع الفوضى والقبح بشكل النص العربي الجميل… والجدير بالذكر، هو ازدياد الأدباء المطرد ذوي الموهبة الأدبية الراقية في الساحة الأدبية، وبشكل كثيف، ومع ذلك ينقصهم المعرفة الكافية في البناالفني والجمالي للنصوص، ومعرفة التجنيس ومفاصل النص الأكاديمي، وهنا يأتي واجب النقد الغائب عن الساحة الأدبية والنقدية، كعرّاب للأدب والأدباء ، فقلّة النقاد المتخصصين بمناهج علمية وانحسارهم في الساحة العربية النقدية، لا ينسجم مع الكم الهائل من الأدباء والكتّاب الذي يزداد بشكل يومي، وذلك النزر من النقاد لا يشبع ظمأ الساحة العربية الواسعة، مع العلم أن الساحة العربية تمتلك رؤى نقدية محترمة لدى كتابنا النقديين العرب، لكنها قليلة جداً، و لا تخرج من جلباب المعلومات والمؤلفات المكررة، والمأخوذة عن مصادر معروفة ولا تشفي غليل المتتبع العربي والظمأ الأدبي، أو ترضي ذائقة متابع أثر النقدي، فهي عبارة عن كتابات ومؤلفات أخذت عن مؤلفات أخرى، وكرّرت نفسها بنفسها، والساحة العربية بحاجة إلى رؤى نقدية تطبيقية عربية الهوية و موحدة جديدة، كما نجد ذلك بارزًا، في التواصل بين النقاد والتبادل المعرفي في العالم الغربي …. كانت الذرائعية، الحل الأمثل لكونها رؤية نقدية عربية تطبيقية مستندة على أطر ومداخل علمية لكل شيء يذكر من خلالها، ولا تتيح خرمًا للإنشاء الفارغ والكفيف، وغير المستند على قواعد نقدية رصينة، فهي مثقلة بنظريات نفسية وفلسفية تساعد المتلقي والناقد بالدخول إلى أي نص بشكل ذرائعي علمي، و باعتمادية إدراكية واعية بالتحليل العميق لعناصر العمل الأدبي المتقن، بشكل دقيق ومدروس مستل من منهج عربي الأصل أُشير إليه بالتداول، يساعد الناقد على الغوص في مكونات النص باحترام وحرفية عميقة، ولا تقوم الذرائعية بتخريب قشرة العمل الأدبي الخارجية الجمالية، كما تفعل بقية النظريات النقدية الأجنبية، بل تهتم بالشكل والمضمون بشكل متوازٍ و باحترام واتزان نقدي متباين، ولا تعمل كالنظريات النقدية المادية التي لا تنظر إلى أي نص بتكامل، حتى وإن كان في كتاب مقدس ….) انظر المجلد الأول من الموسوعة الذرائعية، ( الذرائعية في التطبيق ) . سؤال: 7 – ما هي رسالتكم للمبدعين خاصة الشباب منهم؟ جواب: رسالتي للمبدعين الشباب خاصة: ( جوابي على هذا السؤال ، لن يخرج عن قناعة وموقف اللجنة الذرائعية للنشر، وموقف وقناعة " حركة التصحيح والتجديد والابتكار ف الأدب العربي " ) . الجواب : (( مادام النقد هو السلطة الحاكمة في الأدب ، فإن انسحابه من الساحة الأدبية يمكّن الإسفاف والتعدّي وعدم الضبط من الانتشار بشكل واسع ، وهذا الحال حتمًا سيضيّع الرصانة ، وينشر الجهل والتخلّف الأدبي… ومن جهة أخرى ، سينتشر الفقر الأدبي بين أصحاب الأقلام ، ويبدأ الانزياح نحو السطحية الأدبية والخروج من العمق والرصانة نحو الانسلاخ من خيمة الأدب العربي المترع بالعمق والإبداع ، والاتجاه نحو تمجيد أجناس أدبية أجنبية بسيطة ، لا تنتمي لمجتمعنا أو ديننا، مثل الهايكو وغيره من الأجناس الغريبة… وهذا حدث فعلًا، ولم نكتفِ بفوضى السريالية وانسلاخها عن الواقع وانغماسها بالغموض حدّ الظلمة، بل رحنا نمجّد حرية النص بكسر الطوق الأخلاقي وتخريب الخلفية الأخلاقية للنصوص الرسالية بذريعة أن الأدب جزء لا يتجزّأ من الفن ، والفن لا حدود أخلاقية فيه ….!؟ ونسي البعض من الأدباء العرب أنفسهم وأخلاقيات أدبهم ومعلّقاتهم ورعيل الشعراء والعلماء والكتاب العرب، وسربلوا نحو إسفاف الرطانة و السريالية الفارغة الغارقة بالغموض والتغريب والتشتيت والفوضى والانفتاح نحو كسر الطوق الأخلاقي في الأدب، وغرقوا مع الغارقين في بركة الحداثة السلبية وما بعد الحداثة، التي أقصت النص العربي من التواجد في الساحة العالمية النقدية ، بحجة أنه ينتمي للغة صعبة وضربوا التجنيس عرض الحائط ، تأثّرًا بموجة رولان بارت ، لا لشيء ، أكثر من كونه أجنبي ، واختلطت الأجناس بالأجناس ، وصار الكلّ يكتب بأجناس لا يعرفون هويّتها … وتلك حالة مقصودة بتعتيم سماء اللغة العربية من قبل الرعيل الغربي لفهمهم العميق بأنها سيدة اللغات، وبأنها تمتلك زمام الأمر التحليلي اللساني في الوضع التداولي الذي ميّز تلك اللغة عن بقية اللغات في العالم ، وتأخّر اكتشافه لديهم حتى نهاية الربع الثالث من القرن العشرين والذي وسموه بالبراغماتية الجديدة على يد الفيلسوف الأمريكي (رورتي) …. علينا أن لا ننسى فضل القسم الكبير من أدبائنا الذين وقفوا أمام هجمة الحداثة السلبية، وصدّوا ريحها الصفراء حين قلبوا جميع الموازين الأدبية، ووجهوا الجديد من أفكارها نحو الأدب العربي للاستفادة منه بدلًا من النفور والخروج عليه، وأدخلوا للأدب العربي الرمزية والبرناسية والقص القصير المعاصر والشعر الحر وقصيدة النثر، حتى صار أديبنا العربي لوحة سرمدية جميلة تعمل بموازاة العربة الأدبية الأجنبية، بل فاقتها كثيرًا في التكنيك النصي والسردي… حان الآن موعد التصحيح والعودة نحو الوطن ، بعد أن ذاق المهاجرون مرارة الهجرة نحو الغرب والذّلّ والمهانة والانكسار الأدبي، ولاحت بالأفق شمس الصباح، وهي نفحة من إخلاص للحرف الأدبي العربي ، استلم مقود تلك المسيرة – الرؤية النقدية الذرائعية – ثلّة من المخلصين للنص العربي ، والتي اجتمعت على شرف الحرف العربي وأقسمت على الانتقام لسفك دمه، وإعادة شرفه وهيبته وهويته العربية، وتثبيت حقيقة قاطعة إن التداول (البرغماتية الجديدة) هو واقع بلاغي عربي الأصل، ظهر في الشعر العربي في أول بيت شعري قيل ، وأن قدرة اللغة العربية الفائقة على استيعاب جميع المنتوجات الأدبية الواردة من كل المشارب بشكل متميّز، وإثبات أنها قد ولدت من منطلق عربي شامل، وأعتقد جازمًا أن العرب واجهوا و سيواجهون رياحًا صفراء و زوابعَ من أصحاب الأقلام المعوجّة ، وأصحاب تأليه وعبادة الصنم الأجنبي من اسم و قول مرطون ، ليس حرصًا على مسيرة الأدب الرصين ، بل هو حرص على مبدأ ( خالف تعرف)….)) انظر المجلد الثاني ( دور الذرائعية في إعادة سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي ) سؤال: 8 – أصدرتم عدة كتب في النقد على سبيل المثال لا الحصر: – مؤلف نقدي حول التجربة الشعرية للشاعرة "مليكة الجباري " – مؤلف نقدي جماعي " تجارب شعرية مغربية في ميزان النظرية الذرائعية" – مؤلف يخص التجربة الأدبية والشعرية والمسرحية " لمجد الدين سعودي". ماهي المواصفات التي يجب توفرها في العمل الإبداعي ليجد صداه عند النقاد ؟ جواب: بالنسبة لتجربتي في مجال النقد الأدبي: أعتبر أن كتابة الدراسات النقدية ليست وحيا يتنزل على الناقد، بل هي بحث يأخذ من الناقد ما هو مادي ( التنقلات والأسفار – شراء المراجع وغيرهما ) ، وما هو معنوي ( الوقت ، إذ يحتاج انجاز دراسة نقدية شهرا من الأيام / لا أتحدث هنا عن ما ينشر في فضاء الفيسبوك ، ويسمونه نقدا / … الحديث في الموضوع ذو شجون … لقد أنجزت الكثير من الدراسات النقدية الذارئعية ( منها دراسات بكامل المداخل الذرائعية ) وأنجزت دراسات ذرائعية مستقطعة ( واحدة المدخل ، أو بمدخلين ذرائعين ) ، كل هذه الدراسات نشرت في مواقع اليكترونية وطنية ودولية . اشتغلت على تجربة الشاعرة المغربية " مليكة الجباري " … وتمكنا الحمد لله من طبع كتاب حول تجربتها الشعربية. قدمت للمؤلف الدكتورة عبير يحيي الخالدي. نقتطف مما جاء في تقديمها : " (( الناقد عبد الرحمن الصوفي هو ذاك الناقد المحترم ، بل والأكثر احترامًا للأديب والمتلقي العادي والمتلقي المتخصص على حد سواء ، بدأ مؤلَّفَه بذكر المنهج النقدي الذي اعتمده وهو المنهج الذرائعي ( النظرية الذرائعية / عبد الرزاق عودة الغالبي ) ، فطبق آلية النظرية الذرائعية على الأعمال الشعرية للشاعرة المغربية " مليكة الجباري" والمنظومة ضمن خمسة دواوين ، يقوم الناقد بكل أمانة بإلقاء الضوء ، وتعريفنا على مجمل القصائد عبر تطبيق الآلية الذرائعية على تلك القصائد ، معتمدًا طريقة ذكية جدًّا ، وهي التعامل مع الدواوين وكأنها ديوان واحد ، والنفاذ إلى أعماقها عبر أقرب المداخل المتاحة، دون أن يشكل ذلك إرباكًا له، ودون أن ينتقص من القيمة الثرائية لأي ديوان أو قصيدة، فوجدنا الناقد عبد الرحمن الصوفي يلج الدواوين عبر مداخل ذرائعية منتقاة بمهارة، ويغوص في دقائقها ببراعة، ويخرج غانمًا بصيده الثمين، ويعرضه علينا عرض الكريم، ليدخل إلى ديوان آخر متبعًا نفس الإستراتيجية وهكذا حتى ينتهي من الدواوين الخمسة، وقد جمع منها الكثير من الدرر … )). من هذا المنبر أوجه ندائي لكل الغيورين في الجمعيات والاتحادات والهيئات المهتمة بالأدب والنقد في المغرب أن يساعدونني على طبع خمس مؤلفات نقدية تطبيقية أخرى لتجارب إبداعية مغربية مختلفة . سؤال: 9 – ما هي الرهانات التي يراهن عليها النقد العربي في ظل الحداثة؟ جواب: جوابي على هذا السؤال، لن يخرج عن قناعة وموقف اللجنة الذرائعية للنشر، وموقف وقناعة " حركة التصحيح والتجديد والابتكار ف الأدب العربي " ) . الجواب : (( على الناقد في العالم العربي أن يراهن ويقتنع أن النقد أصبح علمًا واسعًا ، ومن أهم العلوم البحتية التي تحتضن الأدب ، والعرّاب الحنون للأدب، فلا يظهر اصطلاح أدبي إلّا من رأس قلم نقدي، لذلك يتوجّب اتباع الطرق العلمية في تطبيقه ليصطف مع العلوم البحتية الأخرى كالفيزياء والكيمياء والرياضيات والتي تطبق بطرق علمية عديدة ومختلفة، ومن الواضح أن نزوح نقادنا نحو الإنشاء في كتابة نقودهم مبعثه صعوبة هذا العلم المرتكز على الفلسفة ارتكازًا كليًا، لكون اللغة العربية التي ينشأ منها الأدب العربي لا تحلّل بعمق، إلا عن طريق علم مبني على التجذير الفلسفي من دال ومدلول ومفهوم، وهذا ما زاد النقد صعوبة، وصار عصيًّا على مدركيه ، هو احتياجه من يدرك العلاقة الوثيقة والفرق بين العلم والفلسفة، والمفردة والمصطلح النقدي، والنص والجنس والعمل الأدبي، وذاك ما يحتاج بحثًا وتقصيًّا وقراءة مستفيضة، ثرّة، عن هذا العلم الكبير الواسع لإغناء اللغة الساندة في التحليل….. ساحتنا الأدبية مترعة بالمصادر المترجمة لأيّ كلمة قيلت عن الأدب أو النقد ، لأننا شغوفون وعشاق للمعرفة والبحث عن مصادرها ، و قد قرأت الكثير من كل ما يكتب من نقود ، و تعليقات نقدية وآراء وتقارير و مقالات ودراسات نقدية ، وترجمات شتى، وأدركت من ذلك أن جميع تلك الكتابات النقدية يجب أن ترتكز على منهج نقدي أو نظرية يحتل اسمها العنوان باعتمادية و أعمدة علمية تميّز تلك النظرية بالتحليل أو الدراسة والتقصّي و البحث… كذلك تحتاج الكتابات النقدية إلى إغناء بحثي للأمور التي تتناص مع ما يوازيها من معرفة في بطون النصوص الخاضعة للتحليل، والمتعلّقة بالتوازي والتناص مع نصوص الآخرين، التي كتبت في موضوع البحث أو حوله ، وهذا يحتاج تسميةَ المصادر التي يتناص معها النص، أو أسماء الأشخاص الذين تناصّ معهم الكاتب، وبشكل بحثي علمي، وهذا إغناء للنقد وحق مشروع للأديب على الناقد… )) انظر المجلد الثاني ( دور الذرائعية في إعادة سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي ) . سؤال: 10 – تساهمون في أنشطة ثقافية ولكم اهتمامات بتوقيعات إنتاجات أدبية … كيف تقيمون الحركة الثقافية في البلاد؟ جواب: أجمل الجواب عن هذا السؤال في جملة ( وللقارئ واسع النظر ): الساحة الثقافية والأدبية تعرف الحصار و الإقصاء والتهميش الذي يتعرض له الكثير من المبدعين في مختلف التخصصات في بلادنا . أختم هذا الحوار مع الأخت الفاضلة " أمنة برواضي " ، بما يقوله الرئيس الأول لحركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي وهو كما يلي : (( "… خلال متابعاتي لسنوات خلت ، للمسيرة النقدية في العالم خرجت بفهم يقرّ أهمية النص الأدبي العربي الإنساني للمجتمع ، والأهم من ذلك ، أنه يختلف اختلافًا جوهريًّا عن بقية النصوص في اللغات الأخرى خصوصًا في الشكل، وله خصوصية إسلامية وعربية بالمضمون، و بسبب وسيطه الحتمي ، اللغة العربية التي تختلف شكلًا وتعبيرًا وبنيةً عن جميع لغات العالم الأخرى، وهو شيء غائب عن فكر المتلقي العربي الذي لا يدرك معطيات تلك النظريات ، التي لا توائم الدين الإسلامي، ويعتبر التفكيك أهم النظريات الحديثة التي تحترم النص المبني على اللوغوس، والذي لا ينسجم مع الرؤية العربية الإسلامية ، لكون دريدا صاحب التفكيك، قد قاد تيارًا نقديًّا عرف ( ما بعد البنيوية ) ( ) وهو ضد النظرية البنيوية التي استكانت لافتراض التناسق في بنية النص الأدبي بناءً على ما ينطق، و قوانين لغوية صارمة وحاسمة لا تقبل النقص أو التغيير أو التعديل، ولا تتأثر بشيء خارج نطاقها، لذلك لجأت النظرية التفكيكية إلى التشكيك بالعلاقة اللغوية ذاتها وفي منطق اتساقها وقوانينها، إذ لم يعد النص – في نظرها – يمثل بنية لغوية متسقة منطقيًّا، تخضع لنظم دائمة وتقاليد ثابتة يمكن رصدها، بل يمثّل النص عندها، تركيبة لغوية تنطوي في داخلها على تناقضات وصراعات وكسور وشروخ وفجوات وثغرات عديدة، تجعل النص قابلًا لتفسيرات وتأويلات لا نهاية لها، وليس هنالك من نص يستعصي على التفكيك كي يخرج من باطنه ما يخفيه، لذلك تبدأ النظرية التفكيكية بتكسير السطح اللامع للنص الأدبي لكي تبلغ أعماقه المعتمة، والتي لا يبوح بها… ومن هنا تبدأ الرؤية الذرائعية العربية في تحليل النص الأدبي بشكل مختلف ينحرف باتجاه الخيمة العربية والشكل، فهي تحترم الظاهر والباطن للنص معًا، فعندها بعضهما يكمل البعض، والكثير من النقاد والمتلقين لا يعرفون مضمون تلك النظريات وخطورتها على النص الأدبي العربي بشكل حقيقي، ولا ماهية النص الأدبي العميق، فمعظمهم ينضوي خلف أصبع المقالة الإنشائية المطلقة بشرح تفاصيل النص وإعطاء هذا الإنشاء عنوانًا غريبًا، مع حشر كلمات وأقوال وأسماء أجنبية في هذا الإنشاء ليس لها صلة بشيء ، لإثراء هذا الإنشاء كما يعتقد هو، أقول جازماً أنه يظن هذا هو النقد، مع متعمدية إهمال علمية النقد والنظريات التي تشكل بنيته الأساسية مع العلم انه يدرك تماماً إن النقد علم من علوم الأدب…. )) . تحياتي والود : عبدالرحمان الصوفي / المغرب شكرا لكم أستاذي الفاضل وفقكم الله في مسيرتكم. حاورته الروائية أمنة برواضي.