ما أغرب أن يعيش الإنسان وأن يصمد وسط هذا الكم الهائل وهذه الجبال العملاقة من الشرور والصدمات، فكل شخص يحمل بين أكتافه كمية لا بأس بها من مجافيات النوم والطمأنينة، وأنت تتجول بين أروقة المحاكم باحثا عن ضالتك تتراء لك وجوه مسودة ومكفهرة من ثقل ما يرزح على كاهلها من هموم، نساء شبان وشيوخ تتآكلهم الحسرة وعيونهم تحمل في عمقها تساؤلات متعددة، ما الذي أتى بنا إلى هذه الغابة القانونية؟ كيف سنواجهها ونحارب تلك الهموم التي هبطت من السماء دون سابق إنذار؟ كيف لنا أن ننجو ونحن لم تكن لنا يوما علاقة بهذا العالم الغريب الذي لم نعرف عن وجوده إلا نتيجة هذه المصيبة؟ بماذا نحتمي ولمن نلجأ لينتشلنا من هذا المستنقع؟ تأتيه الإستفهامات واحدة تلو الأخرى شاغلة باله وتفكيره، ليتوقف الزمن بالنسبة إليه في تلك اللحظة، وإذا ما جلست إلى جواره يدنو إليك بحسن نية، محاولا التخفيف عن آلامه التي ربما يستحي أن يسردها لأقرب المقربين إليه بل يأبى أن يعترف بها حتى لنفسه، مفضلا إياك كونك أجنبي عنه، قد تتعاطف معه وربما قد تسديه النصح وتشد من أزره الذي لن يجديه نفعا رغم علمه الأكيد بذلك لكنه يحاول الثرثرة لعل ذاك الضغط القاتل الذي يداهمه كأنه وحش مفترس يبغي الفتك به يتراجع قليلا مفسحا له المجال ليسترجع أنفاسه، لتنهمر بعد ذلك دموعه المدرارة التي كان يخزنها دون أن يعلم وجود منبعها لأن لم يسبق له أن ذرف دمعة في أيام شبابه وصباه، ليجد نفسه وقت شيخوخته في سجن ضيق محكم الإغلاق، ليس في وسع أي كان أن يمده بمفتاح النجاة، يخرج آلامه بأنفاس متقطعة وأوصال مرتعدة وحبيبات العرق تجد طريقها عبر جبينه، لتحس بمعاناته تنقبض معدتك من هول ما تسمع وترى، تحاول إيجاد كلمة طيبة حتى وإن كانت لن تسمنه ولن تغنيه من جوع إنما تكون كلمة شفقة وتضامن تتعاطف بها معه، تشعر بأنك تعيش واقع حاله، تعمل جاهدا لعلك تجد مخرجا لحالته إلا أنك تصدم أنت الآخر بواقع الحال لتجد نفسك مجرد مستخدم لدى أحدهم لا تملك من أمرك نفسك شيئا، ولن تغيثه مهما حاولت وجاهدت، لتدعو له بالفرج. تنصرف إلى حال سبيلك وأنت مهموم مصدوم تتساءل أنت الآخر ما بال هذه الأجيال لم تعد تكن الإحترام للأكبر سنا؟ ما خطب شباب اليوم تنكر لمكارم الأخلاق وأصبح يهيم بدون مبادئ؟ لقد كثرت المتاهات وكثر معها الضياع وعدم الأمان، لقد أصبحنا نعيش داخل غابة تحكمها قوانين ما فتئت تخدم القوي بدل الضعيف المتضرر، أصبحت الوجاهة هي العملة السائدة التي تفترش لك الطرق بزرابي الاحترام وتزين جنباتها بالورود، فإلى أين سيتجه الفقير وإلى من سيولي وجهه في ضل قانون أنشئ من أجل حماية مصالحه لكن في العمق يخدم النخبة؟ إلى من يا ترى سيلوذ هذا المسكين الذي أعياه الشقاء والبحث عن لقمة عيش صافية طاهرة يسد بها رمقه ليزيده طغيان النخبة والعاملين لحاسبها وهضمهم لأبسط حقوقه؟من سيسمع أنينه الذي وصل عنان السماء، ومن سيرد له كرامته التي تم تلطيخها بالوحل؟ إستفهامات عديدة وأجوبة ضئيلة فقيرة ليبقى الحال على ما هو عليه، ويبقى الإنسان تائها يبحث عن كيفية الصمود وسط هذه الشرور والصدمات فإلى أين المصير وكيف سنواجهه؟. إستعمل حساب الفايسبوك للتعليق على الموضوع