توجه مجموعة من الصحروايين الموجودين بالأقاليم الجنوبية المغربية إلى مدينة بومرداس الجزائرية، وهو تقليد سنوي يمارسه بعض مما يسمى إعلاميا "انفصاليو الداخل"، مستغلين جوازات السفر المغربية والمطارات المغربية ذهابا وإيابا إلى الجارة الجزائرية، بهدف تعزيز العقيدة الانفصالية، والحشد الإيديولوجي، القائم على الحقد ضد المغرب والمغاربة، وأيضا للتدريب والتكوين العسكري، بهدف خلق البلبلة والقلاقل داخل التراب الوطني. الغريب في الأمر أن هؤلاء لا يسافرون خلسة، أو في إطار سري، بل بشكل علني، وأمام أعين ضباط أمن المطار، وينشرون "سيلفيات" لقاءاتهم بقيادة البوليساريو المدنية والعسكرية، وتداريبهم على حمل السلاح، في تحد سافر ل"هيبة الدولة"، وعند عودتهم إلى المغرب، يلتحقون بمقرات عملهم، ومنهم من يسافر بدون طلب رخصة إجازة أو رخص مغادرة التراب الوطني، دون أن تطالهم أي مساءلة أو عقاب. نعلم أن موضوع الصحراء المغربية يوجد في أروقة الأممالمتحدة، ويتم تدبيره وفق الباب السادس من ميثاق الأممالمتحدة، الذي يدفع في اتجاه إيجاد حل سياسي ودائم لهذه المنطقة، ومع ذلك، فليس هناك أي مسوّغ يفرض على الدولة تأجيل حماية أراضيها إلى غاية إيجاد هذا الفردوس المفقود، وهو الحل النهائي للملف، في إطار السيادة الوطنية على كافة التراب المغربي. إن القانون الدولي والممارسات الدولية تسمح لكل كيان دولتي باستعمال كل الوسائل، بما فيها العنف المشروع والقضاء والقانون، من أجل الدفاع عن حدودها وأمنها. ووصل الأمر ببعض الممارسة الدولية من أجل حماية أمنها أن أنتجت قواعد جديدة في القانون الدولي، تسمح بنهج سلوك عسكري خارجي لكل تهديد لأراضيها أو استراتيجيتها، مثل مفهومي "الضربة الاستباقية" و"الحرب الوقائية"، وإن كان هذان المفهومان ارتبطا بالرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في حربه على أفغانستان إبان تهديدات تنظيم القاعدة، فإن لهما جذورا في تاريخ العلاقات الدولية، فهجوم اليابان على ميناء "بريل هاربر" الأمريكي عام 1941 يدخل في إطار حماية الدولة اليابانية لاقتصادها في هذا الميناء الحيوي، والعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، هي حرب استباقية ووقائية لحماية مصالح فرنسا وبريطانيا في قناة السويس. إن هذه الأمثلة ليست دعوة إلى الحرب أو مواجهة عسكرية مع أي طرف كان، بل مجرد أمثلة لتأكيد أن القانون الدولي يمنح للدول كل الإمكانات القانونية والدعم المعنوي لحماية أراضيها ومصالحها، وإن اقتضى الأمر اللجوء إلى "العدوان" الخارجي. أما في ما يخص التجارب الدولية، فالجارة الشمالية ليست بعيدة عنا لا جغرافيا ولا تاريخيا، فالدولة الإسبانية نهجت مقاربة صارمة تجاه استفتاء كاتالونيا، رغم أن هذه الدولة عرفت انتقالا ديمقراطيا سلسا ومتطورا في منتصف السبعينيات، سمح لها بأن تدرج ضمن خانة الدول المتقدمة والراعية للحريات وللحقوق وللديمقراطية وحرية التعبير وحق تقرير المصير، ويعطى بها المثال في الدراسات الدستورية المقارنة، وتحتل المرتبة الأولى في برديغمات علم الانتقال الديمقراطي، وخصص لها صامويل هانتغتون في كتابه "الموجة الثالثة للديمقراطية" حيزا كبيرا من الدراسة والتحليل، ورغم كل ذلك، فإنها لم تتساهل، لا من حيث المقاربة الأمنية ولا من حيث المتابعة القضائية، مع كل من تجرأ على المس بأراضيها الكتلانية، بل اتبعت تدابير سياسية عدة، كادت تعصف بأزيد من 40 سنة من الانتقال الديمقراطي والحرية والكرامة. وهذا النموذج الثاني هو الأقرب للمغرب من حيث الوقائع والتجربة، لكنه يبتعد عن الحالة المغربية في بعض العناصر، فإسبانيا قطعت أشواطا في الممارسة الديمقراطية وتقوية "هيبة الدولة"، من خلال قوة المؤسسات وسيادة القانون، ما جعلها محقنة بمضادات حيوية، تحميها من أي انزلاقات أو انحرافات. أما في الحالة المغربية، التي أضحى فيها الانتقال الديمقراطي حلما، والعدالة الانتقالية والمصالحة مع الماضي مهددة، فقط لأن أبناء الريف يوجدون في زنازين وسجون المملكة لمجرد تلقيهم تحويلات مالية بسيطة من عائلاتهم وأصدقائهم بالخارج، وأن منهم فقط من وضع J'aime على تدوينة شخص مجهول، وصحافي يتابع لأن مجهولا أخبره أنه سيدخل "دبابة" عبر معبر سبتة للمغرب… فإن الوضع في البلد يكون التعامل فيه بكثير من الحذر مع دعاة الانفصال الحقيقيين، الذين يصرحون بها علانية عبر رفع أعلام جمهورية الوهم الصحراوية في شواطئ طانطان، البعيدة عن منطقة النزاع، ولا يخشون أخذ صور لهم وهم في معسكرات التدريب العسكري في بومرداسهذا الحذر يقتضي حماية القليل من "الماء بين اليد" من المكتسبات الحقوقية، التي راكمتها الحركية السياسية والحقوقية والمدنية في المغرب، وفي الوقت نفسه، حماية أراضينا وحدودنا الترابية، وهما خطان متوازيان.