تُتداولمنذ الثمانينات من القرن الماضي في أوساط المجتمع المدني وفي وسائل الإعلام عموما عبارة دولة الحق والقانون كمطلب محور يلمناضلين السياسيين والحقوقيين والمثقفين بصورةعامة. وقد تضخم تداول هذا المبدأ منذ وفاة الملك الحسن الثاني حتى كاد يغطي على دمقرطة النظام السياسي الذي كاندائما أحد المطالب الأساسية للنخب السياسية والمثقفة المغربية منذ فجرالاستقلال.وحتى الدول الغربية التي شهدت ميلاد دولةالقانونعرف فيها هذا المبدأ،خلال العقود الثلاثة الأخيرة، نوعا من الانتعاش الإعلامي،بعد أن بلغت الديمقراطية في صيغتها التقليدية مداها في ظل قوانين العولمة التي أغرقت الشعوب الأوروپية في بحار من الأزمات واليأس والإحباط والتذمر. والحقيقة أن الأفكار المطالبة بتقييد سلطات الحاكمين والمناهضة للتعسف في الحكم كانت دائما حاضرة في أعمال المفكرين والفلاسفة الأوروپيين وموجّهة لسلوك شعوبهم منذ نهاية القرون الوسطى. كما أن تاريخ هذه الشعوب يعد عبارة عن سلسلة من الأحداث التى كانت تجسد الصراعالمستمر ضد الاستبداد والحكم المطلق الذي كان سائدا في أوروپا آنذاك. وما الثورات الإنجليزية والأمريكية والفرنسية إلا محطات بارزة في هذه الصيرورة المتسمة بالصراع ضد التحكم والتعسف والاستبداد. وفي المغرب وبحكم انفتاحناعلى العالم،يتابع المغاربة التطورات الحاصلة في الغربفي مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليس على المستوى الأكاديمي والفقهي فحسب، ولكن أيضا على المستويات السياسية والجمعوية والإعلامية،فأصبحوا يتداولون بشكل مكثف عبارةدولة القانونلكن تحت مسمى دولة الحق والقانون .وبالنظر إلى طبيعة المادة المعالجة تحت هذا المسمى يتأكد أن المقصود منه هودولة القانون بالمعنى المكرس دستوريا والمتعارفعليه فيالفكرالقانونيالغربي عموما،ممايدعوإلى التساؤل حول الأسبابالكامنةوراءاستخدامالمغاربة لهذا الاصطلاح محرفا وغيرسليم علميا.أمن باب الجهل بالمعنىالعلمي الدقيق لمبدأدولة القانون،أم من باب الإصرار والتمسك بالآثارالمترتبة على الأخذ به على مستوى ضمان الحريات والحقوقالديمقراطية؟أم لسبب آخر غير هذين السببين؟ وقبل الخوض في بيان المآخذ وإبداء الملاحظات التي يثيرها استخدام هذه العبارة، ينبغي إعطاء فكرة وجيزة عن مفهوم دولة القانون المتعارف عليه دستوريا وكونيا حتى يكون القارئ على بينة من الموضوع. لا أحد يجادل في أن ألمانيا كانت أول بلاد ظهرت فيها عبارة دولة القانونReghtsstaatفي النصف الثاني منالقرن التاسع عشر الميلادي تحت حكم دولة بروسيا الاستبدادي،وهو مذهب قانوني وفكري يقصد به إخضاع الدولة لقواعد قانونيةمكتوبةتصبح بمقتضاها )الدولة( كيانا محكوما بالقانون،مما يقيد من سلطاتها ويحد من مجال تدخلها، فيتيح ذلك للمواطن قدرا أكبر من الحقوق وحيزا أوسع من الحرية.وكان هدف رجال القانون الألمان كبح جماح النظام السياسي والحد من سلطاته بإخضاعه للقانون،سواء فيتنظيم أجهزته أو في أنشطه،حتى يتمتع المواطنون بحد أدنى من ا لاعتبار فيحرياتهم وحقوقهم الأساسية. هذا في الوقت الذي كانت فرنسا قد عاشت نحوقرن من الزمان في كنفالحرية والمساواة بعد ثورة 1789 ومارافقها من مبادئ أنتجت ما يسمى بمبدإالشرعية Légalitéالقاضي بجعل القانون في قمة القواعد وإخضاع جميع أعمال الدولة وإداراتهالمقتضياته. أما إنجلترا فقد نشأ فيها مبدأ سيادة القانونRule oflawالذي كرسته الصراعات بين القوى الاجتماعية والشعبية من جهة وبين الملكية من جهة أخرى كان من نتائجها الحد من سلطات هذه الأخيرة، حيث اضطر الملك إلى الرضوخ سنة 1215 إلى ميثاق العهد الأعظم Magna carta الذي قيد سلطاته واعترف ببعض الحريات الأساسية لرعاياه. أول تعريف لدولة القانون ظهر في المانيا، مولد النظرية ذاتهامنتصفالقرن التاسع عشر الميلادي، ومؤداه أن دولة القانون منظومة مؤسسية (الدولة والهيئات والمؤسسات العامة) تكون فيها السلطة العامة خاضعة للقانون.وقد عدله الفلسوف القانوني النمساويهانز كيلسنHans Kelsen (1) بنظريته في تدرج (هرمية) القواعد القانونية التي تحد من سلطة الدولة.ومن بين عشرات التعاريف التي وضعت ، قديما وحديثا، سواء في بعدها الشكلي أو المادي، نختار تركيبة تختزلإلى حد ما أهم مقومات دولة القانون في العصر الحاضر. وعلى هذا الأساس تدل دولة القانون على تلك التي تكون فيها السلطة قائمة على القانون ومقيدة أيضا بالقانون من خلال مجموعة من الحقوق الأساسية التي تحضى بالاعتراف الدولي. ومن شروطها : 1 تدرج القواعد القانونية من حيث القوة، فتستمد كل قاعدة شرعيتها من احترامها للقاعدة الأعلى،وتكون القواعد الدستورية في قمة هذه القواعد،ثم تليها المعاهدات الدولية ثم القوانين الوطنية فالمراسيم والقرارتالوزارية..إلخ. 2 مساواة الجميع أمام القانون،أشخاصا ومؤسسات،حكاما ومحكومين دون تمييز من أي نوع. 3 استقلال القضاء بصورة فعلية حتى يطمئن المواطن على حقوقه، في حالة تعرضه للتعسف من أي جهة كانت، بلجوئه إلى القضاء الذي ينصفه طبقا للقانون الذي يجب أن يخضع له الجميع بما في ذلك الدولة بجميع مؤسساتها وإداراتها. 4 فصل السلطالتشريعية والتنفيذية والقضائية عن بعضها حتى لا تجتمع في يد جهة واحدة فتنزع إلى التعسفوالاستبداد. وهومبدأ يقضي باختصاصالبرلمان في سن القوانين والحكومة في تنفيذها ورجال القضاء في الفصل في النزاعات بكل استقلالية وحياد،مما يحول دون الاستبداد بالقرار كما يتيح نوعا من المراقبة المتبادلة. 5 احترام حقوق المواطن الأساسية طبقا لمفهومها المكرس دوليا. ويتعلق الأمر بالحقوق-الحريات من الجيل الأول على الأقل،الملازمة لطبيعة الإنسان مثلالحق في الحياة، والسلامة الجسدية،وحق الملكية ، والحق في إنشاء أسرة ،وحرية الضميروحرية الرأي...إلخ. ولابد من الإشارة هنا إلى أن دولة القانون ليست بالضرورة دولة ديمقراطية ، ولكنها مرحلة أساسية في بناء الدولة الديمقراطية. فهذه الأخيرة اختيار سياسي يقوم على حكم الشعب، بينما دولة القانون منظومة تقنيةترمي إلى إخضاع الدولة نفسها للقانون،حتى لا تتعسف ضد المواطنين أو تعتدي على حقوقهم. وعودة إلى العبارة الشائعة في المغرب،من الملاحظ أندولة الحق والقانون هي الأكثر استخداما في التقارير والدراسات الحقوقية وفي أدبيات السياسيين والمجتمع المدني وفي المقالات والنشرات الإعلامية بصورة عامة، ولا يكاد يستخدم اصطلاح دولة القانون المكرس في فلسفة القانون وفي القانون الدستوري إلا نادرا في أعمال رجال القانون والمختصين. بلتطالعنا الصحافة باستمراربمقالات حول دولة الحق والقانون يتحدث أصحابهاعن الحقوقبأجيالهاالثلاثة،وهمغير منتبهين إلى عدم انسجام كتاباتهممعالمفهوم الصحيح لدولةالقانون. من ظاهر العبارة يتبين أننا أمام موضوعين مختلفين وإن كانا ينتميان إلى مجال علمي واحدهما: دولة الحق ودولة القانون،فالحق ليس هو كلالقانون بل هو جزء مهم ولكنه صغير في بحر المجالات والأغراض التي يشملها القانون ويختص بتنظيمها. وهذهالعبارة تثير في نظرنا عدة ملاحظات ومآخذ : القانون هو الذي ينشئ الحق، ولا حقوق بدون قانون يحدد مضمونها ومداها ويضمن حمايتهاوتطبيقها.وحتىالحقوق الطبيعية(كالحق في الحياةوحق الملكية) السابقة عن القانون الوضعيعند كثيرمنمنظري وفلاسفة القانون أمثال هوبز وروسو ولوك،(Locke,Rousseau, ,Hobbs)،هذه الحقوق لا تكون ناجزة ومكفولةإلابالقانون الذي يضع حدودها ويعينشروط ممارستها.وفي العصر الحاضرنسجل إجماع فقهاء القانون الدستوري والنشطاء الحقوقيين والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان على الطابع الكوني للحقوق والحريات الأساسية الفردية. وحتى تعرف هذه الحقوق طريقها إلى التطبيق لا بد من تضمينها في الدساتيرالوطنية أو في القواننن الأساسية لتكريس سموها. والكثير منها يحتاج تفعيله إلى قوانين تنظيمية أو عادية لتحديد مفاهيمها ومجالاتهاوحدودها. فالقانون يبقى دائما هو السند المادي للحق والضامن الأكيد لتفعيله والتمتع به،حيث يظل وجود الحق رهينا بمدى اعتراف القانون الوطني به حتى ولو أقرته جميع شرائع الدنيا. والعكس صحيح، بمعنى أن حقا من الحقوق المعترف به في مجتمع من المجتمعات قد يعتبر من المحرمات في المجتمعات الأخرى. وهذا ينطبق على التشريعات المتأثرة بالشريعة الإسلامية كالحق في الزواج من أكثر من امرأة واحدة، وحق الذكر في إرث ضعف إلأنثىوحق الزواج بالقاصرات وإنكار الحرية الدينية وتحريم الفائدة... مثل هذه الحقوقوالمحرمات تعتبر طبيعية وعادية في الدول الإسلامية، بينما تستنكرهاالمنظمات الحقوقية ولا تقرها المواثيق الدولية لإخلالبعضها بمبدإ المساواة بين الجنسينوارتباط أخرىبحريةالضميروالمعتقد. إن الحق يقابله الوجب ، فكان أحرى القول دولة الحق والوجب،وهي عبارة يمكن أن تختزل إلى حد ما معنى دولة القانون باعتبارها تكفل،على الأقل من الناحية النظرية، التمتع بالحقوق وأداء الوجبات على وجه التساوى بين جميع المواطنين والمؤسسات والكيانات مهما بلغت من السلطة أو النفوذ. ويرى الفيلسوف القانوني النمساوي هانزكيلسنHans Kelsen أن الإلزام (الواجب) l'obligationهوالمهمة الأساسية للقانون، أما مهمة تخويل الحق فهي تأتي في الدرجة الثانية،والحق عندههو"القدرة القانونية علىإثبات،عن طريقالقضاء،عدمتنفيذواجب قانونى"(2) وبهذا المعنى يكون حق شخص ما هو في نفس الوقت واجب على طرف آخر في المجتمع ذاته. وهذا صحيح في جميعالحقوق،فممارسةالحقوقالسياسيةتفرضعلىالدولةواجبحمايتهاوضمانممارستها(حقالتصويت،حقالترشح) وفي الحقوقالعينية كذلكيتوقف التمتع بها على واجب اعتراف المجتمع بها والإمساكعنالمساس بها)حق الملكية،حق الانتفاع)، والمبدأنفسهينطبقعلى الحقوق الشخصية (الالتزامات) حيث تتقابلالحقوق والواجبات التي يستفيد ويتحمل بها كل طرف في العقد. وفي نظرنا إن عبارةدولة الحق والقانونلا تفيد المنظومة الحقوقية في شيء،وإنما تشوش عليها وتنحرف بدولة القانونعنمفهومهاالصحيح المتمثل فياعتبار القانون أساس قيام الدولة وقوام سيرها،يتعينعلى الجميع احترامه والخضوع لسلطانهحاكمينومحكومينأفرادا ومؤسسات. وتبدو جلية طبيعة القانون المغايرة لطبيعة الحق من حيث أن الأول ينطوي على الإلزام والخضوع، والثاني يتيح التمتع والاستفادة؛ فنقول فلان يحترم القانون وفلان يتمتع بالحق.وهو بالإضافة إلى هذا التشويش ينطوي على نوع من المزايدة التي تتعارض مع منطق القانون المتسم بالهيبة والصرامة والرافض للمساومة والضبابية. ذلك أنربط الحق بالقانون كأنما ينيط بهذا الأخير مهمة حماية الحقوق والحرياتفي مواجهة تحكم السلطات وصرامتها)القانون(،وهذه الفرضية ليست بعيدة عن الفهمالشعبي للقانون والذي يعني الحزموعدم الفوضى،وبعبارة أخرى يصبح القانون هنا مرادفا للمخزن بمعناه التقليدي التحكمي. إن استخدام عبارةدولة الحق والقانون، بهذا المعنى الفضفاض وغير الدقيق، ينطوي على كثير من الغموض والالتباس ويجعل من هذا المبدأ السامي مجرد شعار للترديد في كل المناسبات إلى الحد الذي يضيع معه المدلول الحقيقي لدولة القانون وما يترتب عنه من آثار عظيمة في حماية المواطنين ضد استبداد السلطة وتعسف الحاكمين. وبانحراف المبدأ عن مفهومه الحقيقي وتحوله إلى مجرد شعار للاستهلاك، اختلطت الأوراق والتبست المفاهيم، فأصبحنا نجد الجميع ينادي بدولة الحق والقانون بمن فيهم الأشخاص والجهات التيتتبنى إيديولوجية متعارضة مع شروط ومقومات دولة القانون(القانون الوضعي،حقوق الإنسان).ومن هنا تصبح عبارة دولة الحق والقانون خطيرة على الديمقراطية نفسها باعتبارهاتروج لشعارات صورية جوفاء ،وتحول الأنظارعن قضايا حقوقالإنسان الحقيقية من حرية وعدالة ومساواة. وفي نفس السياقتضاف كلمة الموسسات فأصبحنا نقرأدولة الحقوالقانون والمؤسسات، وهي عبارة لا شك في صدق نية من يستعملونها، وهم يقصدون بناء الدولة على أسس يحكمها القانون، تحصنها وتحميها ضد الحكم الفردي مؤسسات مستقلة ذات مصداقية ، متجردة عن الأطماع الشخصية والمنافع المادية والعلاقات المصلحية المؤدية إلى الشطط والاستبداد. وكثيرة هي الأمثلة عن استخدام هذه العبارة في الخطابات الرسمية وأدبيات الهيئات الحقوقية لا داعي لاستعراضها. ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا الباب هو لماذا هذا الإجماع عندنا في المغرب على استعمال عبارة دولة الحق والقانون بدل الاصطلاح المتعارف عليه عند فقهاء القانون الدستوري والمسطرة في عدد من دساتير وتشريعات الدول الديمقراطية وأدبياتها؟. وقبل محاولة الوقوف على السبب الكامن وراء هذه البدعة،يتعين الإشارة إلى أن إلقاء نظرة سريعة على التقارير والنشرات المتداولة عبر وسائل الإعلام المختلفة في الدول العربية، يكشف لنا جزأ من الجواب على السؤال المطروح. فقد لاحظنا شيوع استخدام عبارةدولة الحق والقانون في المغرب أكثر من الدول العربية الأخرى،وتلينادولتا الجزئر وتونس بدرجة أقل، ولا تستخدم هذه العبارة إلا نادرا في مصر ولبنان وسوريا،ولا نكاد نجد لها أثرا في العراق. والملاحظ أن استخدامها في الدول المغاربيه لا يقتصر فقط على التقارير الإخبارية والبيانات السياسية للأحزاب والمجتمع المدني لكنها واردة حتى في خطابات المسوولين الرسمية. ولا يكاد يستخدمها في مصر إلا بعض الإعلاميين والنشطاء السياسيين، مما يؤكد توظيفهاكشعار مطلبي أكثر منها مبدأ دستوري.والنموذج العراقي وحده يتيح الاستخدام الصحيحلهذه العبارة. ولنا في حزب السيد نوري المالكي رئيس الحكومة العراقيةالسابق،ائتلاف دولة القانون،خيردليلعلى التفرد العراقي فيهذا الباب. ومن خلال هذه الملاحظة ينكشف لنا سر شيوع استعمال عبارةدولة الحق والقانون في الدول المغاربية،والذي قد يفسر بتأثرها بالمدرسة القانونية الفرنسية لأسباب تاريخية واستعمارية معرروفة. في القانون الدستوري الفرنسي يعبر عن دولة القانونبعبارةEtat de droit .وهى تشتمل على كلمتين Etat : وتعني الدولةو droitولهامعنيان في العربية،معنى الحق ومعنى القانون.فنجدها على سبيل المثالفيعبارةdroit de prpriété(حقالملكية) بمعنى الحقوفيdroit de travail(قانونالشغل)بمعنى القانون .ويبدوأن ترجمة الاصطلاح الفرنسي إلى اللغة العربية كانت حريصة على إدماجالمعنيينفيعبارة واحدة تحت مسمىدولة الحق والقانون(3) ، وهو في نظرنا خطأ منهجي وعلمي يترتبعنهإفراغ المبدأ من محتواه القانونيالمتعارف عليه، ويشيبه بالعيوب والمآخذ التي فصلناها آنفا.وجدير بالملاحظة هنا أن الكلمة الفرنسية loi، التي تترجم بقانون، تعني القانون بمعناه الضيق أي النص القانوني أو التشريع الصادر عن البرلمانوالمنظم لقطاع من القطاعاتكقانون الأحزاب أو قانون السيرأو قانون الجنسية.. إن الغاية من هذا الحديث لا تتوخى إعطاء درس لأية جهة ولا توجيه النقد لأي أحد، وإنما القصد الإسهام في فتح نقاش سليم ونزيه حول تصحيح المفاهيم وتوضيح الرؤى في أفق تفعيل الدستور الجديد الذي يزخر بمبادئ تؤسس فعلالبناء دولة القانون في بلادنا. ذلك أن الحديث عن الديمقراطية ليس له معنى دون أن يسبقه إرساء دعائم دولة القانون، وفي هذا يقول الأستاذ ميشيل تروپيرMichel Troper :إذا كانت كل دولة قانون ليست بالضرورة ديمقراطية، فإن كل دولة ديمقراطية يجب أن تكون دولة قانون.(4) __________________________ (1)كتاب "نظريةالقانونالخالصة"،الترجمةالفرنسيةللطبعةالثانية: شارلأيزمان،دالوز،باريس 1962. (2)"يجب الاعتراف بأن الإلزام هي مهمة القانون الأولى أما تخويل الحقوق هي فقط مهمته الثانية" .كتاب"نظرية القانون الخالصة" ،الترجمة الفرنسية للطبعة الثانية : شارل أينزمان(ص.171) دالوز، باريس 1962 (3)نجد نفس الإشكال عند الفقهاء الفرنسيين والألمان في تعاملهم مع الاصطلاح المتداول في الفكر القانوني الإنجليزي الأمريكي.فالألمان مثل الفرنسيين يستعملون كلمة واحدة للدلالة على الحق والقانون وهي reghtبينما يستخدم الإنجليز كلمة right بمعنى الحق وكلمة law بمعنى القانون أو النظام القانوني ordre juridique حسبما يؤكدهفيلسوف القانون النمساوي هانزكيلسن.وقد حاول هذا الأخير رفع اللبس الحاصل في هذا الشأن والتمييز بين حالات استخدام reght بمعني الحق فسماها droit subjectif والحالات التي يقصد فيها القانون فسماها .droit objectif كتاب "نظرية القانون الخالصة" هانزكيلسن ،الترجمة الفرنسيةللطبعة الثانية: شارلأينزمان(ص.181) دالوز،باريس1962 . (4)ميشيلتروپيرM.Troper،حولمفهومدولةالقانونDroits, 1992, n°15, (p. 59)