بقلم/ذ.التجاني بولعوالي باحث مغربي مقيم بهولندا www.tijaniboulaouali.nl أهمية المجتمع المدني ودوره الفعال في التنمية المحلية الورقة الأولى: منطقتنا متأخرة عن ركب التقدم؛ ترى أين هو الخلل؟! في واقع الأمر، إن هذه الأوراق التي أخص بها موضوع المجتمع المدني، ودوره الفعال في تنمية مجتمعنا المحلي وإنعاشه، تمخضت عن النقاش العميق والجدال المتواصل، الذي ترتب عن صدور ذلك القرار الملكي (يناير 2009)، المتعلق باستحداث عمالات جديدة على الصعيد الوطني عامة، واستحداث عمالة إقليم الدريوش على الصعيد المحلي الريفي خاصة، وهو في الحقيقة نقاش أو جدال، اتسم في أغلبه بالانفعال والانحياز والأنانية، وقلما اعتمد الحياد والموضوعية والمصداقية، وقد ارتأيت أن أدلي بدلوي في أتون ذلك الصراع المتولد عن هذا الحدث المستجد، وقصدي الأوحد من وراء ذلك، هو رد بعض الأصوات التي تدعو إلى العصبيات الضيقة الذميمة، والصراعات القبلية المقيتة، ولا أبالي بكل من يسيء إلى شخصي، متهما أو شاتما أو متوعدا! لأنني أؤمن بأولوية الصالح العام، ليس في مديني فحسب، وإنما في المنطقة التي أنحدر منها، وهي الريف بمفهومه الكبير والممتد، وفي الوطن الذي أنتمي إليه، وهو المغرب بمختلف تشكلاته الأمازيغية والعربية، وفي الأمة الإسلامية، التي نجتمع كلنا تحت رايتها الموحدة. إن دور المثقف الحقيقي هو أن يحضر بفكره وقلمه ونصائحه أثناء كل حدث جلل يحل بواقعه، لا ليصف ما جرى، ويذهب إلى حال سبيله، وإنما لينقب عن الحلول الناجعة لما يطرأ على مجتمعه، من معضلات عويصة، وإشكالات مستعصية، وهو إن كان يدرك أن لا ناقة له فيما يحدث ولا جمل! غير أنه يعي أن الغاية المثلى من ذلك، لا تقاس بما هو مادي، ولا توزن بالميزان العادي. من عمق هذه الرؤية، كان ينبثق موقفي مما يحدث في المشهد السياسي والثقافي المحلي بمنطقة الريف، وهو موقف لا يكتفي بالكائن/الواقع، بقدر ما يستشرف الممكن/المستقبل، كما أنه موقف ليس وليد اللحظة، وإنما وليد تراكم مختلف التجارب الذاتية والغيرية، الداخلية والخارجية، المحلية والوطنية، الإقليمية والدولية... لذلك كنت أتساءل منذ صدور قرار استحداث عمالة الدريوش، عما إذا كان واقع تلك المنطقة، بما فيه دائرة الريف ودائرة الدريوش، مؤهلا لأن يصبح قطبا حضريا ذا وزن وتأثير، وهذا ما أغفله أغلب المثقفين والإعلاميين (من كلا الطرفين)، الذين هبوا لتناول ذلك الحدث، فكان همهم الوحيد هو الدفاع عن المنطقة التي ينتمون إليها، وهو دفاع مشروع، غير أنه لم يتحر الموضوعية اللازمة والصدق الكافي والنقد الذاتي البناء. هكذا، نشأ عندي وعي بقيمة الدور الذي ينبغي للمثقف أداؤه لخدمة واقعه وتأهيله، حتى ينتقل من درك العشوائية والانطواء والفوضى، إلى نطاق التنظيم والانفتاح والتشارك، فحاولت عبر مختلف الإسهامات واللقاءات والمحادثات والنقاشات، استيعاب آفة التخلف التي ترين على واقع منطقتي، واستجلاء أهم العوامل التي تقف وراء هذا التهميش، الذي يعشش في كل زاوية منها، فأدركت أن ثمة خللا ما في بنية المجتمع المحلي، الذي أنحدر منه؛ ترى أين يكمن هذا الخلل، وكيف يمكن تقويمه وتخليص الواقع من نتائجه الوخيمة؟ لقد خلصت من تأملي العميق في مختلف حيثيات واقع المنطقة، التاريخية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية، وغيرها، إلى أنه ثمة نوعا من اللا توازن في بنية المجتمع، التي تشهد تقدما قياسيا على الصعيد العمراني والبشري، يقابله تقهقر لافت على الصعيد الإداري والتنظيمي، كما أنها تشهد توسعا ديموغرافيا كثيفا، لا تواكبه حركة اجتماعية وثقافية موازية من لدن المجتمع المدني، مما جعلني أحمل على عاتقي مهمة التنظير العملي للمجتمع المدني، وزرع الوعي بأهميته في التنمية المحلية والوطنية، والدعوة المكثفة إلى تفعيل آلية العمل الجمعوي، اعتبارا بأنها أمثل أنموذج لخدمة المجتمع، وتنظيم مجالاته، وتحفيز طاقاته، وإشراك سائر مكوناته، على أساس من التعاون والتضامن والتعايش. وقد ارتأيت أن أجمّع مختلف الأفكار التي عنّت لي في شكل أوراق متتالية، ينظمها سلك رفيع، وتوفق بينها قضية واحدة، وهي قضية المجتمع المدني وأهميتها في تنمية الواقع المحلي، وقد جاءت هذه الأفكار لتفسر العديد من الاستفهامات والأسئلة، التي تمخضت عن التحول الأخير الذي بدأ يطرأ على منطقتنا، عمرانيا وإداريا وثقافيا وسياسيا، فتم مناقشة بعضها أثناء اللقاء التواصلي، الذي جمعني بمختلف الفعاليات السياسية والثقافية والمدنية، من بن الطيب والدريوش والكبداني، يوم 21 فبراير 2009، بدار الشباب بمدينة الدريوش، والآن أعقد العزم على نشر تلك الأفكار والتساؤلات، عبر أوراق تتيح للجميع المساهمة في نقدها أو دعمها أو تصحيحها. وإليكم الورقة الأولى.