تمهيد: يعد حميد لحمداني من أهم النقاد الرواد في مجال القصة القصيرة جدا بالمغرب إلى جانب كل من: جميل حمداوي، ومحمد رمصيص، وسعاد مسكين، وسلمى براهمة، وحسن المودن، وميمون مسلك، وحميد ركاطة، وعبد العاطي الزياني، ومحمد يوب، ونورالدين الفيلالي1… ومن ثم، فقد أعلن حميد لحمداني مشروعه التنظيري منذ 2005م،عبر مجموعة من الورشات التكوينية والدراسية والمحاضرات الأكاديمية في مجموعة من الملتقيات والندوات الثقافية التي تتعلق بالقصة القصيرة جدا. بل يرتبط مشروع حميد لحمداني بالنظرية المنفتحة للقصة القصيرة جدا، وقد تأثر في ذلك بالقاص محمد اشويكة الذي طرح هذه النظرية في كتابه:” المفارقة القصصية”2. وفي هذا الصدد، يقول حميد لحمداني:” قدم محمد اشويكة في كتابه ( المفارقة القصصية) تصورا منفتحا لنقد القصة من منظار تجديد أدوات التحليل ومواكبة تطور الأدب ، على الرغم من حكم التعميم، وفصل تطور النقد المغربي عن جهود النقد العالمي”3. ومن ثم، فكتاب حميد لحمداني عبارة عن تدشين إبستمولوجي جديد في مجال القصة القصيرة جدا، يستعرض فيه الكاتب تصوره الفكري الذي سماه بالنظرية المنفتحة ، وما التطبيقات النصية الأخرى إلا تلوين من تلوينات هذه النظرية:” تهدف هذه الدراسة إلى محاولة رصد وتشييد معالم نظرية منفتحة خاصة بفن الق الق جدا، هذا الفن المعاصر بامتياز ، والذي استطاع في ظرف وجيز أن يفرض نفسه في عالم السرد، ويتجاوز فن القصة القصيرة على الخصوص، ويضاهيها أحيانا ويتميز عنها. ولاتروم الدراسة فصل الق الق جدا عن حضنها الجيني السردي الممتدة جذوره في الرواية والقصة ثم القصة القصيرة، والأقصوصة، ولكنها تركز على الخصوصيات التي استطاع هذا الفن المعاصر أن يفرضها في سياق نشأته الحديثة ، وارتباطه بالتراث، وبلورته لتقنيات متميزة ووظائف جديدة ملائمة لشروط العصر الحاضر.”4 إذاً، ماهي القضايا التي يطرحها كتاب حميد لحمداني؟ وماهي معالم نظريته الجديدة؟ وإلى أي حد يمكن الاستعانة بهذه النظرية في مقاربة النصوص القصيرة جدا بنية ودلالة ومقصدية؟ هذا ماسوف نعرفه في النقط التالية: D مقومات القصة القصيرة جدا والتنظيرات المختلفة: يرتكز كتاب حميد لحمداني حول مجموعة من المحاور الرئيسة التي تتعلق بالقصة القصيرة جدا، إن نظرية وإن تطبيقا. ومن ثم، فقد بدأ الباحث باستعراض مجموعة من الكتب والدراسات والأبحاث والمقالات التي خاضت في هذا الجنس الأدبي الجديد بالبحث والدراسة والتوثيق، فقام حميد لحمداني باستكشافها واستقرائها ونقدها وغربلتها وتقويمها في ضوء نظريته الجديدة، مثل نقد أعمال كل من: أحمد جاسم الحسين، ويوسف الحطيني،وأحمد عمران، وإلياس خلف جاسم، وعبد الدائم السلامي، وسلمى براهمة،ومحمد تنفو، ومحمد اشويكة، وجميل حمداوي، وسعاد مسكين، ومحمد يوب، ومحمد مساعدي، وعبد الرحمن تمارة، وعبد العاطي الزياني، ونورالدين الفيلالي… وبعد ذلك، يقدم حميد لحمداني تعريفات القصة القصيرة جدا، مع رصد مختلف مصطلحاتها المختلفة، والتأشير على رمزها المختصر الذي حصره في كلمة (الق الق جدا)، دون أن ينسى ذكر جذورها في تراثنا السردي العربي القديم، وتبيان مدى تأثر القصة العربية القصيرة جدا بنظيرتها الغربية في الثقافة الأنكلوسكسونية ، أو في الثقافة الفرنكفونية ، أو في الثقافة الإيبرية ، أو في ثقافة أمريكا اللاتينية … هذا، ويستعرض حميد لحمداني مجموعة من العوامل التي أفرزت القصة القصيرة جدا، مثل: التطور الرقمي، وانبثاق النص الشبكي، وسرعة العصر، وتزايد الأزمات العالمية المتعددة ، وتفاقم معاناة الإنسان المعاصر،وميل الإنسان الفرد إلى تجريب كتابة متمردة تتلاءم مع تحولات العولمة بكل تناقضاتها الجدلية. كما اقترنت القصة القصيرة جدا بالنص الترابطي الرقمي، وبفضاءاته الشبكية المتنوعة التي ساهمت في تداول هذا الجنس الأدبي بسهولة ويسر، وعرفت القراء التفاعليين بهذا الفن المعاصر؛ كأن هذا الجنس الأدبي هو نتاج الإنترنت أو الويب أو الشبكة العنقودية. وبعد ذلك، يتتبع الدارس القصة القصيرة جدا في امتداداتها الإبداعية والنظرية والنقدية والتطبيقية، فقد أشار الدارس إلى أن عبد الرحيم مودن في كتابه: (معجم مصطلحات القصة المغربية) 5 قد أورد نصوصا من القصة القصيرة جدا لعبد الكريم التمسماني سماها صاحبها(قصصا قصيرة جدا)، وتعتمد هذه النصوص على التكثيف والاختزال واللغة التلغرافية…وقد نشرت هذه القصص سنة 1974م. كما نشر محمد جبران قصتين قصيرتين جدا سنة 1989م6. هذا، وقد أثبت عبد الرحيم مودن مجموعة من المصطلحات التجنيسية القريبة من القصة القصيرة جدا، مثل: قصة صغيرة، وأقصوصة صغيرة، وأقصوصة في دقيقة، ولوحة قصصية، وخاطرة… ومن جهة أخرى، فقد نشر محمد علي الرباوي قصة قصيرة جدا تحت يافطة الخاطرة، وعنوانها (الإبريق)، ولكنها بالفعل قصة قصيرة جدا، فقد نشرت بجريدة العلم سنة 1973م، وهاهو نصها:” الليلُ يتسكَّع في الطرقات . ظلالُ الجِنِّ تَراها عيون الأطفال في زوايا الأزقة الضيقة . كانت الأمطارُ خَيْطاً بلا ذيل . أغلقنا الأبواب . جلسنا نتحدث . الإبريق ينظر بكبرياء إلى الكؤوس . الحديث في مد وجزر . الأب يقول : “تَكَسَّرَ زجاجُ الشمس في هذه الأيام . ذرّاتُها بعثرتها الريح ” . الإبن يقول : ” عيونُك سوداء ” . الحديث في مد وجزر . يُضيف الأبُ حفنةً من السُّكَّر إلى إبريق الشاي . يعود الحديث إلى مد وجزر . الأب يقول : ” كيف يُمكن نَتف الطواويسِ الجاثمة فوق صدور الطوال الأقدام ؟ “. فَرْدٌ من الأسرة يقول : ” اسقنا الشاي ” . الحديث في مد وجزر . يُضيف الأبُ حَفِنةً من السكر إلى الإبريق . الراديو يزرع الصمت في البيت . تمثيلية هزلية تلتصق كالأقراط … يُضيف الأبُ حفنة من السكر . ويظل المطرُ يُثرثر في الأحياء . تتراكم الأوحال عند عتبة الدار . تتأنث أحاديثنا . اِنتشر العطرُ في البيت . موعد سهرة الأسبوع حان . أفرغ الأبُ الإبريق … اِنفتحت الأفواه . اِستدارت العيون . كانت الكؤوس ملأى بالدم”. وعلاوة على ذلك، فقد قدم حميد لحمداني خلاصة الصياغة النظرية والتعريفية والاصطلاحية المنفتحة للقصة القصيرة جدا، فأشار إلى هيمنة مصطلح القصة القصيرة جدا بالمقارنة مع مصطلحات أخرى، مثل: القصة الومضة، والشذرة، والقصة الصغيرة، والقصة البرقية، وأقصوصة في دقيقة، وأقصوصة صغيرة، وخاطرة قصصية، ولوحة قصصية، ولقطة قصصية، وكبسولة، وقصة، وقصة صغيرة جدا، وقصة خاطفة، وقصة مفاجئة…وقد بين الدارس بأن هذا الفن الجديد ينتمي إلى عائلة فن السرد بصفة عامة، وفن القصصية بصفة خاصة. أما أصولها فقد حصرها في مصادر عربية أساسا كالخبر، والحكاية، والنادرة…، ومصادر منحدرة مباشرة من القصة القصيرة والأقصوصة، وما له علاقة مع بعض التأثيرات القصصية الغربية. أما فيما يخص الخصائص الشكلية والفنية، فيمكن الحديث عن: القصصية، والقصر الشديد، والتكثيف، والحذف، والتثغير، والمفارقة، والإيجاز، وتقليص الزمن، وتقليص المكان، واختزال الوصف، واقتصاد اللغة، والتذويت، والتشكيل، والشعرية، والانزياح، والسينمائية، والمشهدية، والترميز، والارتباط(الحبكة)، وتحجيم الحدث، وتوتير الحدث، والتهجين، وحذف الروابط، والفراغ(البياض)، والميتاسرد، والتجريب، والرؤية المجهرية، والصنعة البنائية، ووحدة الموضوع، والحكائية (التأثر بالحكاية)، والتشظي(الشذرية)، والخبرية… أما فيما يتعلق بالدلالة، فهناك السخرية، والطرافة، والإضحاك، والتنكيت، وعمق الأثر، والإدهاش، والخصوبة الدلالية، ونزعة التقويض(الهدم)، والتلغيز، وتوظيف الحلم، والاستبطان النفسي، والمأساوية، والنغمة الهامشية، والنزعة القيمية، والأسطرة ، والاستشراف (التطلع نحو الممكن)، والشفافية، ووحدة الانطباع ، والبعد الفلسفي، والنقد اللاذع، والتجاسر( عدم اللياقة)، ومركزة الفكرة، والنزعة الإنسانية، والانتقال من الخاص إلى العام. ومن ناحية أخرى، فللقصة القصيرة جدا علاقة وثيقة مع الأنواع والفنون الأدبية الأخرى، مثل: القصة القصيرة، والحكاية، والمثل، والخاطرة، والنادرة، والحكمة، والشعر، والنكتة، وقصيدة النثر، والخبر، واللقطة السينمائية والمسرحية، واللوحة التشكيلية، ولها علاقة وثيقة أيضا مع الحديث والكذب واللغز والأحجية… وينضاف إلى ذلك، أن حميد لحمداني لم يكتف بالتنظير العربي فقط، بل انفتح على التنظيرات الغربية، فاستعرض ما كتبه أنخيل مالدونادو أسيبيدو(Angel Maldonado Acevedo)، وما جمعه كينت تومبسون (Kent Thompson) في كتابه : (النوافذ المفتوحة: القصة الكندية القصيرة جدا) (Open Windows :Canadian short short stories)7. ويتميز هذا الكتاب بكونه يجمع نصوصا قصصية قصيرة جدا لخمسة وعشرين كاتبا باللغة الإنجليزية منذ سنة 1972م، وتتسم هذه النصوص بالقصر الشديد، حيث لاتتعدى نصف صفحة، مع تمثل الصورة الومضة، واستيحاء شعرية القصيدة النثرية، وتشغيل الفلاش باك والصور الأدبية، والارتكان إلى الحوادث المفاجئة، وتخييب أفق انتظار المتلقي، وتشجيع القارىء على ملء التفصيلات، واختيار المنظور السردي المركز… ومن أهم كتاب هذه النصوص نذكر: كينت تومبسون، وجانيت هووارث(Janet Howarth)، وسارة ماكدونالد(Sara McDonald)، وويليامز كليبيك(William J. Klebeck) ، ودوكلاس كلوفر (Douglas Glover.)… وبعد ذلك، ينتقل حميد لحمداني إلى القسم التطبيقي، لتجريب مشرح النقد والتحليل والتأويل، من خلال استحضار مجموعة من النصوص القصصية القصيرة جدا لكتاب مختلفين من العالم العربي. ومن ثم، فقد كان ينتقل الكاتب في هذا القسم من منهج نقدي إلى آخر، متأرجحا بين المنهج الفني، وشعرية السرد، وأسلوبية السرد، والمقاربة الميتاسردية حين استكشاف مقومات الميتاحكي في القصة القصيرة جدا.وبالتالي، فقد رصد الدارس مجموعة من الملامح التي تميز مجموعة من النصوص القصصية القصيرة جدا ، سواء أكانت مغربية أم عربية، مثل: ارتباط القصة القصيرة جدا باليوميات والخبر والطرفة والنكتة والمراسلات القصيرة، وتوظيف الكائنات الحية، واستيحاء الشعر، وتوظيف الرمز والحلم والإيحاء، وتشغيل القصة داخل القصة، أو ما يسمى بالميتاحكي. D مقومات النظرية المنفتحة: يتمثل حميد لحمداني النظرية المنفتحة في كتابه الذي خصصه للقصة القصيرة جدا. وفي هذا السياق، يقول الدارس:”النظرية التي تشغلنا الآن في هذا الكتاب ستحاول رصد التحولات التي طرأت في القصة القصيرة ، فجعلتها تنسخ ذاتها في فن جديد هو الق الق جدا، كل ما سيقال في إطار هذه النظرية سيجعل المهتمين بالسرد يعيدون النظر في نوعية السرد المألوف ليجعلهم يقفون على خصائص فريدة تعلن ميلاد قص جديد. وحيث إن النظرية هي دائما راصدة لكل ماهو غير مألوف، فعليها ألا توقف في ذاتها مسار الإنتاجية، بمعنى أن عليها أن تكون دائمة الانفتاح على ما يأتي به المبدعون من إمكانيات فنية ودلالية مبتكرة لكي تعزل ما أصبح مكرورا، وترمم تصورها على الفور بالعناصر المستجدة. إن محاولة حصر الأركان الأساسية لجنس الق الق جدا، ورصد مميزاتها مثلا انطلاقا من القصر الشديد، والمفارقة ، والإدهاش، وهيمنة الرؤية الذاتية، وتشغيل الميتناص، وغيرها من الخصائص التي سيتحدث عنها النقاد والمنظرون، كل هذا يرسم معالم نظرية الق الق جدا باعتبارها فنا يحاول أن يتجاوز جذعه الأساسي وهو القصة القصيرة أو على الأقل يرسم معالم تميزه عنه.هذا بالتحديد مادعت إليه بعض بيانات القصاصين التجريبيين في المغرب على سبيل المثال أمام تعاظم ما سمي لديهم بالحذلقة القصصية عند بعض القصاصين الكبار.”8 ومن هنا، فنظرية حميد لحمداني هي ضد النظريات المعيارية التي سيجت القصة القصيرة بصفة عامة، والقصة القصيرة جدا بصفة خاصة، بمجموعة من القواعد المقننة التي تشكلت في صيغ جاهزة، ووصفات تقنية صارمة.ومن ثم، يدعو الدارس إلى نظرية نسبية وقابلة للتجديد والتطوير والتحول . وبالتالي، فهي أقرب إلى نظرية التكنوقاص عند محمد اشويكة. لذا، يشدد الدارس على :” ضرورة أن تكون نظرية الق الق جدا دائمة الانفتاح بضمانة أساسية، وهي استحالة توقيف التطور الذاتي للإبداع نفسه. قدر هذه النظرية -إذاً- سيكون دائما هو تعديل معطياتها في ضوء المستجدات الإبداعية التي عملت النظرية نفسها على المساهمة في تحريكها ضد أنماط سردية تقليدية استنفدت طاقتها التأثيرية على القراء.”9 هذا، وقد بين حميد لحمداني بأن مختلف النظريات العربية حول القصة القصيرة جدا عبارة عن اجتهادات فردية مشكورة لم تستلهم مباشرة من الغرب.لذا، تبقى نظريات شخصية نسبية مفتوحة:” نلاحظ أن النقاد والمنظرين والمبدعين العرب قد ساهموا جميعا في صياغة أول نظرية خاصة بجنس أدبي، اعتمادا على جهد معرفي ذاتي في المقام الأول، دون الحاجة الكبيرة لنظرية غربية.وهذا مؤشر جيد على بداية نضج الابتكار في النظرية الأدبية العربية المعاصرة، مع ملاحظة أنه ليس لهذه النظرية سند فلسفي أو إيديولوجي محددين يرسمان مدلولاتها وغاياتها مسبقا، فوراءها جهد معرفي وخبرة وممارسة، صحيح إن مصطلحاتها في حاجة إلى مزيد من الاشتغال والممارسة لكي تصبح أكثر دلالة على الظواهر التي تشير إليها، غير أن وراء هذا الجهد النظري يكمن وعي المعاناة أكثر من وعي الاتجاه أو المذهب. نرى أيضا أن غاليية النقاد ركزوا في جهدهم التنظيري على ملاحظة طبيعة تكوين النصوص نفسها، وعلى المعالم النظرية المنفتحة للق الق جدا المستخلصة من خصائصها وتقنياتها وأشكالها التعبيرية والدلالية وظروف نشأتها.وليس من الضروري أن تكون الخصائص الشكلية والدلالية المشار إليها مجتمعة، ماثلة بكاملها في جميع نماذج الق الق جدا، فكل ق ق جدا توظف منها مابدا مناسبا لبلورة تجربة المبدع الخاصة. وبالنظر إلى أن الق الق جدا لم ولن تتوقف عن التطور، فإن التنظير المواكب لحركتها لايمكن إغلاقه.ولذا، نعني بالنظرية المنفتحة كل محاولة تنظيرية ذات قصد معرفي بعيد عن المعيارية والإغلاق، وبعيد عن التصور الإيديولوجي أو الفهم الإطلاقي أو التلفيقي (التكاملي).وتكمن أهمية النظرية المنفتحة في تمكين القراء والمتخصصين من وعي طبيعة الحالة الإبداعية التدليلية والتداولية لمختلف نماذج الق الق جدا الحالية، وامتلاك القدرة على توقع مسارها مستقبلا، كما تسمح بتقبل الأشكال والدلالات الجديدة المحتملة في حدود ارتباطها بالتطور الطبيعي لهذا الجنس الأدبي، وقدرتها على ابتكار وسائل تعبيرية جديدة ومتميزة. إن وجود النظرية في حد ذاته يمثل حفزا للمبدعين على تغيير أساليب التعبير القائمة، وابتكار الجديد أمام انكشاف أسرار الكتابة وتقنياتها وألاعيبها بفعل مدارستها من قبل النقاد، وحصول استيعابها لدى القراء.وقد لاحظنا أن بعض من ساهموا في التنظير للق الق جدا لم يتبنوا هذا التصور النظري المنفتح، بل كانوا حريصين على وضع تصور ثابت أو توصيف تعريفي قانوني وبلاغة معيارية تزعم إمكانية الاستيعاب النهائي لجميع الخصائص الدالة على هذا الفن الجديد.”10 وهكذا، يتبنى حميد لحمداني نظرية منفتحة قابلة للتجدد والتطور والتحول والتماثل مع تطور جنس القصة القصيرة جدا بنية ودلالة ووظيفة، ومسايرة لانفتاح النظريات النقدية نفسها. ومن هنا، فقد كان الدارس ينطلق في هذا التصور النظري من آراء ميخائيل باختين الذي يقول بانفتاج الجنس الأدبي تهجينا وتنضيدا وتناصا وحوارا وأسلبة وتلاقحا. كما يكون قد تأثر من جهة أخرى بالسيميئيات الديناميكية المنفتحة عند فلاديمير كريزنسكي(.. Krysinski) صاحب كتاب (ملتقى العلامات)11. تركيب: وخلاصة القول، يتبين لنا ، مما سبق ذكره، بأن كتاب (نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا) لحميد لحمداني من أهم الكتب النقدية التي حاولت تقديم تصور نظري جديد حول جنس القصة القصيرة جدا تأريخا وتحقيبا وتوثيقا وإبداعا ونقدا وتنظيرا، وقد تأثر في تصوره النظري بآراء محمد اشويكة كما في كتابه: (المفارقة القصصية). إلا أن هذه النظرية المنفتحة ماتزال في حاجة إلى ضوابط معيارية ضرورية، فلابد من التقنين وتنظيم آليات الاشتغال بغية تطويق القصة القصيرة جدا على مستوى المفاهيم النظرية، والأدوات الإجرائية، واختيار زاوية النقد والمقاربة، وضرورة الإجابة عن السؤال التالي: هل هناك منهج نقدي صالح لدراسة القصة القصيرة جدا أم نقاربها من رؤى مختلفة تبعدنا كل البعد عن خصوصيات القصة القصيرة جدا؟ بمعنى ما الذي يميز هذا الفن الجديد عن بقية الفنون الأخرى؟ وماهي الأركان الثابتة لهذا الجنس المستحدث؟ وماهي شروطه الرئيسة؟ وماهي مصطلحاته وآلياته النظرية والمنهجية؟ هذا ما بلورناه منهجيا بشكل من الأشكال ضمن ما يسمى بالمقاربة المكيروسردية، أو فصلناه واستعرضناه ضمن نظرية الأركان والشروط12. 1 – حميد لحمداني: نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا، مطبعة أنفوبرانت، فاس، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2012م. 2 – محمد اشويكة : المفارقة القصصية، سعد الورزازي للنشر، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م. 3 – حميد لحمداني: نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا، ص:105. 4 – د.حميد لحمداني:نفسه، ص:03. 5 – عبد الرحيم مودن: معجم مصطلحات القصة المغربية، منشورات دراسات سال، الطبعة الأولى سنة 1993م، ص:40. 6 – عبد الرحيم مودن: معجم مصطلحات القصة المغربية،ص:32. 7 -Kent Thompson : Open Windows :Canadian short short stories, Quarry Press,1988,109 pages. 8 – حميد لحمداني: نفسه، ص:15. 9 – حميد لحمداني: نفسه، ص:18. 10 – حميد لحمداني: نفسه، ص:103-104. 11 -Wladimir Krysinski : Carrefours de Signes: Essais Sur Le Roman Moderne,Mouton Publishers, The hague, Netherlands,1981. 12 – انظر: جميل حمداوي: القصة القصيرة جدا: أركانها وشروطها، دار نشر المعرفة، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2013م.