نيرون أحرق روما لسبب غاية في التفاهة….هتلر أحرق اليهود وهو في أتم وعيه ونشاطه..ومن قبل هذا وذاك، بآلاف السنين أحرقت شعوب، لسبب من الأسباب، وهي تدب على وجهها طلبا للنجدة…هاهم التتار قادمون لا محالة…فاليستعد الجميع للمحرقة…يانار كوني بردا وسلام على البشر، الشجر ، الحيوانات، والحشرات…كوني بردا.. إذا كانت الثورة السورية قد دخلت سنتها الثانية، فإن المجتمع الدولي قد دخل بدوره، وفي سباق مع الزمان، في صمت رهيب وفي سبات عميق؛ هذا إن دل على شيء فإنما يدل على التزام – هذا المجتمع الدولي- الحياد السلبي، ليبقى هذا الموقف المتخاذل والمتواطئ، في نفس الآن، وما يترتب عن هذا كله من مآسي تبقى وصمة منحوتة موشومة على جبين الإنسانية، أيعقل، في ظل معمعان الدمار الشامل، أن يبقى مجلس الأمن، ومعه المنظمات الدولية، تتفرج على بشار الأسد، ومن معه، وهم يسفكون بدم بارد دماء الأبرياء؟ رغم شلالات الدم، فالثوار كلهم عزم وإصرار على هدم جدار الصمت المريب، فكل يوم، وهذا بفضل الله وبعون من شرفاء العالم وأحراره الفضلاء، يقتحمون العقبات، وما أدراك ما العقبات؟ بين مد الجيش الحر وجزر الجيش النظامي المدعوم بعناصر”الشبيحة”…هل، والحالة هذه، بمستطاع مجلس الأمن استصدار قرار، فوري، يجيز، رغم كل المسوغات، تدخلا سريعا لإنقاذ ما تبقى من الإنسان والحيوان والآثار التاريخية العريقة؟ ما موقع الفيتو الروسي والصيني على أرض قد أثخنتها شلالات الدم الرقراق؟ وفي ظل هذه الأودية من الدماء الزكية، والاعتداءات الوحشية، التي تذكرنا بحروب المغول والتتار، على شعب أعزل محاصر من كل الجهات، هل، ولا بد، من أعداد وأرقام محددة من الضحايا والقتلى حتى يُعد بشار الأسد مُجرم حرب؟ وهل من سقف زمني محدد، يُعطى كمهلة يُستباح فيها كل شيء، حتى يُنفذ بشار وزبانيته كل مخططات التصفية، لكي يتحرك مجلس الأمن تحرك القرد الكسلان؟ إنه الصمت الرهيب المريب…ألم يحن الوقت، بعد، لتتحرك القوى العظمى لتضع حدا لعبثية حزب البعث؟ في ظل هذه الأسئلة الحارقة، وغيرها من الاستفسارات التي تتناسل مع واقع يموج بالحراك والعراك… نود التذكير “بشيء” من التاريخ القريب، حتى نكون على بينة مما يجري فوق أرض الشام العزيزة… لما وصل الأسد الأكبر إلى سدة الحكم، تفانى في تثبيت دعائم وأوتاد النظام، رتب، بعدئذ، حافظ الأسد، وعلى هواه، البيت الداخلي وفق أجندة محكمة في التفصيل والتفريع…وعد بالأمن والحرية، أوهم الشعب بالرفاهية والعيش الكريم، أقسم أنه سيثأر ويرد الاعتبار للعرب، استحضر بطولات أجداده…لا شيء مما وعد تتحقق على أرض الواقع…سوى سجون مملوءة عن آخرها بالشرفاء الأحرار، لما كان يُسأل من قبل الجهات المختصة والمهتمة بحقوق الإنسان، عن الوضع المتردي للحقوق الإنسان، كان يرد عليهم بالحجة الدامغة: “إنهم ارهابييون سلفييون يريدون زحزحة النظام، وأنا لهم بالمرصاد”…هكذا كان يصفي خصومه بالكامل، ومن تطاول، بعد ذلك، على فخامته ولم يقم بالمدح اللازم، قام بنفيه خارج الحدود، عبرة لكل من ينوي القدح في السيد المهاب… اقتصاد تحكمت فيه الطغمة الحاكمة بالكامل، وما تبقى من الفُتات لكل الشعب يُقسم بالتساوي…هذا هو العدل، الكل متساو في الفقر…حتى أتى الفقر على الشعب بالكامل باستثناء آل الأسد ومن يدورون في فلك الأسرة الحاكمة و”الشبيحة” المقربة…نعم حصيلة من المنجزات تنضاف إلى السجل الحافل للحاكم العربي الذي رهن مستقبل بلاده للمساومة الأجنبية… أتى خلفه ليرثه في جمهوريته المحروسة ليطبق قانون الطب، طب العيون، فقال، بعد استطراد شمائل أبيه البطل الشهم، أنه يجب على الجميع السمع والطاعة، ومن يزغ منكم عن نهجي- بعد ما تبين له الحق من الباطل- فهو مصاب إما بالعمى أو بالغبش…، حرك الدواليب كلها في خدمة الشعب، هو الشعب، لا شعب بدونه، هو لوحده شعب…وعدهم كما وعد أبوه بالجنة فوق هضبة الجولان لما يستردها من قبضة اليهود..، قام بتلميع صورة سوريا في المحافل الدولية، ذر الرماد في عيون الهيئات الحقوقية وطمس معالم السجون والدهاليز والأقبية المظلمة،.. نفى كل معارض، شرد كل معاند، أبقى إلى جواره كل من يُحسن التطبيل والتزمير والتزوير…، أبقى، كذلك إسرائيل معززة مكرمة تصول وتجول في الجولان..، فحافظ الأسد حافظ على أمن إسرائيل وبشار بشر إسرائيل بالبشرى السارة أنه، كما قيل عنه ذات مساء خريفية: “لن يُطالب إسرائيل بالجولان ما دام أنه على قيد الحياة”…، لنضع جميعا نصب أعيننا هذه الحصيلة الثقيلة من منجزات آل الأسد، حتى لا ننكر نعم هؤلاء الأبطال الأشاوس…، أُنظروا لما استحكموا استبدوا في الحكم..، ما يقع اليوم في سوريا كان نتيجة لتراكمات من السلبيات، لكن لما طفح الكيل، بادر الشعب السوري الحر ليعلن عن ربيعه المزهر بشتى الأزهار والورود، ليشعلها ثورة في سماء دمشق الأبية، وفي ايدلب الحرة لجلجت الشعارات وبحت الأصوات، في معرة النعمان أصيب الأسد بالمعرة والخزي، وفي حلب الشهباء زمجر الثوار في وجه العار،….في كل المدن والقرى النائية هتف الجميع:”ارحل، ارحل يابشار سوريا حرة للأحرار”. نعم سوريا لن تعود بعد الآن، إلى ما كانت عليها قبل سنتين، بعد التحرر من الخوف الذي سكن قلوب وأفئدة آل الشام لعقود من الزمان.. فلا تراجع ولا استسلام، لأن الشعب السوري لا شيء يخسره من الآن فصاعدا. عاد زمن الأحلاف، ومن لا حليف له في هذا الزمان المعولم، طفا على السطح كالخشبة فوق الماء، هكذا دبرت الأقطاب المحسوبة على محور الممانعة أمرها بالكامل، أعدت العدة، رتبت أوراقها المبعثرة، وزعت الأدوار بما فيه الكفاية: “حزب الله” يستنفر ويتوعد، يتسلل كلما سنحت الفرصة إلى سوريا لذبح وقتل كل من شم فيهم رائحة “السنة”. إيران تتاجر عبر العالم في ملفها النووي، تناور وتفاوض لكسب المزيد من الضمانات وتحصين المكتسبات، تُدعم بسخاء بما عندها من الأسلحة، سخرت “سوخوي”، الطائرة الشبح، وغيرها من الأسلحة الفتاكة لصالح بشار ليبشر شعبه بالفتك والدمار الشامل، إنه حق الجوار، هكذا فهم الايرانييون قواعد الحرب، وهم يحنون إلى بطولات أجدادهم الفرس وإمبراطورياتهم التي كانت لا تغيب عنها الشمس، لذا جعلوا من سوريا حلبة للصراع، حق لهم ذلك، لأن حُدودهم آمنة، أن يفعلوا ما شاءوا، حتى ولو مُسحت سوريا من خارطة العالم، يمدون – حكام إيران-أنابيب البترول عبر الأراضي السورية، يعتبرون سوريا محمية لهم لتصريف الثورة الإيرانية وزرع الشيعة”الشجرة الخبيثة” عبر العالم، مكاسب بالجملة، هل وعاها الأسد وفهم قواعد اللعبة قبل فوات الأوان؟ روسيا تريد سوريا حليفا استراتيجيا لها إلى الأبد لتبقى ارض الشام قلعة خلفية لدببة روسيا القيصرية…هذا هو منطق التقاطبات والتحالفات…شد الحبل، مد الحبل، قطع الحبل…فلا حيلة إذن لثوار سوريا سوى شد الأحزمة والتوكل على الله لصد التكالب والنسف بالأحزمة الناسفة للوجه البشع المزدوج: الشيعي- البعثي، ولا بد من أطر خبيرة في علوم الحرب، لأنه كما يقال الحرب خدعة، لن ينخدع الشعب السوري بكل ما قدم له من وعود، فهو الآن يريد أن يرد الصاع صاعين…هلا يستفيق الوعي العالمي جراء دوي مسلسل الانفجارات؟ أولى يصحو الضمير الإنساني من سباته ليرى البشاعة بأم عينيه بشاعة، هي، بدورها تشتكي من بشاعة المنظر: القتل، الدمار، الفتك، القتل، التهجير، التشريد،….