أكد محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، أنه حان الوقت لتقييم مدونة الأسرة بعد مرور 14 سنة على تطبيقها، مشيرا أنها مدة كافية من الناحية العملية للقيام بوقفة تأمل لرصد المكتسبات، والكشف عن مكامن الاختلالات لتحديد مداخل الإصلاح المرتقب. وشدد في ندوة بمراكش حول موضوع "مدونة الأسرة على ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية"، بمناسبة انعقاد المنتدى الثالث للمحامين المغاربة المقيمين بالخارج، يومي 8 و 9 فبراير، على أن تحقيق هذا الرهان لن تكتمل معالمه، إلا إذا تم تبني قراءة تستحضر أبعاد وآثار هذا التطبيق على المغاربة المقيمين بالخارج. وأضاف أن نجاح أي نص، ولاسيما قانون الأسرة، لا يتوقف بالضرورة على استيعابه للإشكالات الداخلية، ولكن بقدرته على الانسجام والصمود أمام أي اختبار لمقتضياته داخل الأنظمة القانونية الأجنبية، في تماه مع التطورات التي تشهدها التشريعات المقارنة في هذا الصدد، سيما وأن المعنيين بأحكامه من المواطنين ينتقلون أو يقيمون بدول أخرى، ويعرضون خلافاتهم الأسرية على محاكمها، مما يقتضي أن يكون هذا القانون منسجما مع المبادئ الكونية لحقوق الإنسان ومراعياً لتطورها. وذكر أن الاعتبارات المتحكمة في إقرار المقتضيات ذات الصلة بالمغاربة المقيمين في الخارج بشأن مدونة الأسرة، والتي كان طابعها الأساسي هو التيسير، ورفع الحرج، وتبسيط الإجراءات، وهو ما يمكن لمسه على سبيل المثال من خلال إمكانية إجراءات إبرام الزواج أمام سلطات بلد الإقامة الواردة في المادتين 14 و15 من المدونة، أو من خلال ما ورد في المادة 128 من نفس المدونة فيما يتعلق بشروط التذييل بالصيغة التنفيذية، والتي اتسمت بنوع من المرونة خروجا عن الأحكام العامة المؤطرة للموضوع. وأوضح أن مقاربة قانون الأسرة المغربي على ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية، بقدر ما تفتح آفاق تطوير هذا النص من خلال استحضار الممارسات التشريعية والقضائية المقارنة، واستلهام المبادئ المرجعية للاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالموضوع، غير أنها تكشف عن العراقيل والصعوبات التي تعترض تطبيق المدونة على الأسر المغربية المقيمة بدول المهجر. وتابع أن مبعث هذا الإشكال يرجع بالأساس إلى ازدواجية المرجعية المتحكمة في ميدان الأسرة واختلافها بين الأنظمة ذات المرجعيات الدينية، والأنظمة العلمانية، بتبني الأولى بالأساس لحلول ذات مرجعية دينية عقائدية في العديد من المواضيع الأسرية، وباختيار الثانية لتوجهات تستبعد أي تمييز أساسه ديانة أو جنس الشخص، وتمنح نوعاً من التقديس المفرط لمفهوم الحرية الشخصية، وتصوراً مثالياً للمساواة بين طرفي العلاقة الأسرية. وأضاف أن هذا جعل الأسر المغربية في دول الاستقبال تعيش تأرجحا بين هاجس الحفاظ على هويتها وثقافتها الوطنية، والتي يعكسها تطبيق القانون الوطني المغربي على أحوالهم الشخصية من جهة، وسياسة الإدماج والاستيعاب التي تمارسها سلطات بلد الإقامة من خلال إحلال قانون الإقامة والموطن محل القانون الوطني كضابط للإسناد في المسائل الأسرية من جهة أخرى، وهو ما ساهم في تضييق مجال تطبيق قانون الأسرة المغربي على المواطنين المغاربة بالدول المعنية. وقد زاد من عمق الإشكال، يردف النباوي، بروز موجة من التوجهات الجديدة للاجتهاد القضائي لدى الكثير من دول الاستقبال، التي عملت على استبعاد بعض الأحكام والعقود الصادرة عن المحاكم المغربية، بمبرر مخالفتها للنظام العام الدولي. وأكد على أن هذا اللقاء يعتبر مناسبة سانحة للتفكير الجماعي بشكل مسؤول في الإشكاليات التي تعترض مغاربة العالم في مجال قضاء الأسرة، حيث سيشكل قوة اقتراحية عالية الجودة في مسار تطوير قانون الأسرة بالمغرب، من خلال النقاشات والأفكار التي سيعبر عنها المشاركون، والتوصيات التي سيتمخض عنها هذا اللقاء، والتي ستستحضر الإشكاليات المتعلقة بآثار الأحكام والعقود الأجنبية، بالشكل الذي يضبط حدود الاعتراف، وحالات إلزامية سلوك مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية، ومجال مراقبة السلامة الدولية للأحكام وتجلياته.