يروى في الأثر، أن زيفس إله السماء قاتل والده كرون إله الأرض قتالا مريرا حتى انتصر عليه، وصار السيد المطلق للكون، فكلل انتصاره بإقامة أعياد كانت تجري خلالها الألعاب الرياضية التي أطلقت عليها تسمية "الألعاب الأولمبية القديمة". هي واحدة من القصص الخيالية التي رسخت على مر الزمن، إلى جانب أساطير وعوامل واقعية أخرى، منافسة رياضية شريفة، باتت تسمى اليوم "ألعابا أولمبية" تجمع رياضيين من كل أنحاء العالم في امتحان قوة ومرونة وسرعة. كانت ساحة النزال مدينة أولمبيا، إحدى المدن الإغريقية القديمة. وتيمنا بها، كما تقول الرواية، أطلق هيراكليس اسم "أولمبية" على الألعاب، بعد انتصاره على القيصر الظالم والبخيل أفغي، وحافظ على تقاليدها وإقامتها كل خمس سنوات، لأنه وأخوته كان عددهم خمسة. ومن الأساطير الشعبية الشائعة في ذلك العصر، أن الآلهة أبلغت القيصر الأليادي أوتوماوس أنه سيقتل على يد صهره زوج الأميرة هيبوداميا التي تقدم لها خطاب كثيرون لجمالها وفتنتها. لكن القيصر الشجاع اقترح على كل متقدم لخطبة ابنته أن يبارزه في سباق العربات التي تجرها أحصنة أربعة، بشروط قاسية جدا . في حال الفوز، ينال الطالب مراده بالزواج من الأميرة ويتوج قيصرا ، أما في الهزيمة، فيقطع رأسه فورا . وتمكن القيصر أوتوماوس فعلا من تزيين قصر الأمير برؤوس 13 من الخطاب المهزومين. كيف لا وخيوله كانت هدية من إله الحرب، لذا فإن انتصاره مؤكد لا شك فيه. غير أن الخطيب الرابع عشر، الملك بيلوبس، تفوق في المبارزة، وفي نهاية السباق إنقسمت عربة القيصر بخروج إحدى عجلاتها، وكانت على سرعة عالية أودت بحياته وتحققت الأسطورة. واحتفالا بالنصر والزواج، أقيمت المهرجانات وتخللتها المباريات الرياضية، إذ أصبح بيلوبس سيدا على مقاطعة الإلياد بما فيها أولمبيا، وقرر تخليدا للمناسبة إقامة الألعاب مرة كل أربع سنوات، وحدد مكانا لها إلى جوار مدينة أولمبيا في أكبر شبه جزيرة يونانية سميت بلوبونيز، تيمنا باسم القيصر المتوج. تشير روايات أخرى إلى قيام الأعياد الرياضية بتحالف حصل بين إيفينوس ملك إيليس وكليوستينس ملك بيزا وليكورغوس ملك إسبرطة. إذ أن اليونان كانت تعيش نزاعات وصراعات داخلية بين مقاطعاتها، وجاءت "الألعاب المقدسة" لتوقف الحروب طيلة مدة أقامتها. ومن الإثباتات الملموسة وجود نص عن المعاهدة التي حصلت وقتذاك بين القادة المذكورين على صحن من البرونز حفرت عليه بنودها، ومحفوظ حتى تاريخه في متحف أولمبيا. وجاء في أحدها "أولمبيا مكان مقدس، من يتجاسر على دخوله وسلاحه في يده، يكون قد انتهك حرمته". وأقيمت الألعاب القديمة الأولى عام 776 قبل الميلاد، لكن يرجح تنظيم مباريات رياضية محدودة في أولمبيا قبل أن تستقطب متنافسين من المقاطعات اليونانية القديمة. وحددت مدة العيد الأولمبي، كما كان يسمى، بشهر واحد يبدأ مع اكتمال القمر في آخر شهر من فصل الصيف، ويحتفل فيه كل 1416 يوما ، وهو الرقم الذي يؤلف السنة الأولمبية في اليونان القديمة... خلال "الشهر المقدس". تسود قوانين محدودة، فيعلن السلام المقدس وتتوقف الحروب والمنازعات كلها على اختلاف أشكالها. ويلتقي أعداء الأمس في الساحات الرياضية يتصارعون، يتبارزون بروح رياضية، متنافسين على ألقاب الشرف: الأقوى - الأسرع - الأعلى. كان اجتياز امتحان قبول المرشحين للتنافس في الألعاب عملا شاقا ، إذ لا يكفي أن يكون المرشح حرا ، أي مواطنا يونانيا ، لأن المشاركة كانت محظورة للعبيد أو البربر، بل عليه اجتياز مرحلة تحضير لا تقل مدتها عن 10 إلى 12 شهرا يمثل في نهايتها أمام لجنة امتحان من الإلياديين الصارمين. بعدها يخضع الناجحون لتأهيل جديد لمدة شهر. وكانت النزاهة أهم صفات المتبارين، فإذا ضبط أحدهم بجرم الغش يدفع الثمن غاليا . وإذا انتهت الألعاب وأعلنت النتائج ثم تبين الغش يجرد المخالف من اللقب ويعاقب جسديا بقسوة، ويفقد حقوقه المدنية. وتضمن برنامج الألعاب القديمة مباريات المضمار والميدان (ألعاب القوى). فهناك الجري من المرحلة الواحدة وطولها 192.27 مترا حتى سباق ال24 مرحلة (نحو 5 كلم). الوثب الطويل ورمي الرمح ورمي القرص والمصارعة سمي مجموع منافساتها ب"الألعاب الخماسية" (بنتاتلون)... والمميز إن الرياضي في حالة الجري أو الوثب كان عليه إن يحمل في يديه ثقلين من الحديد أو الحجر، لاعتقاده بأنهما يساعدان على زيادة السرعة والوثب الأبعد. ولم يكن للمرأة دور في الألعاب القديمة، حتى أنه حرم عليها مشاهدة المباريات. وكان جزاؤها الموت لو حضرت بشكل كمتفرجة فقط ربما لأن المشاركين كانوا يتبارون عراة. لكن كان للنساء الحق في امتلاك عربات وخيول وإشراكها في الألعاب. ومن النوادر اللافتة بعض العادات التي اتبعت في دورات معينة، مثلا في الدورة ال65 ( 520 ق.م.) فرض على المشاركين في ألعاب القوى أن يكونوا مدججين بأسلحتهم كاملة. تميزت الألعاب ال37 (632 ق.م.) بمشاركة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 عاما ، وسمح لهم في خوض سباقات الجري والمصارعة وبعدها في الألعاب الخماسية. وبعد 12 عاما ، باتوا يشاركون في مصارعة اللكم. وكانت الألعاب مقتصرة على يوم واحد، وامتدت إلى ثلاثة أيام في الدورة ال77 (472 ق.م.)، فضلا عن يومين يحتفل فيهما بتتويج الأبطال. وهكذا أصبحت مدة الألعاب خمسة أيام. وشارك بعض عظماء ذلك العصر ومنهم: المؤرخ هيرودوت والناشر الخطيب ديموستين والفيلسوف سقراط، وعالم الرياضيات فيثاغوروس الذي توج في المصارعة، والكاتب الأديب لوقيان. وكان الأبطال المنتصرون يتوجون أمام معبد زيفس بغصن من الزيتون يقطع بمقص ذهبي من الحديقة الإلهية. وأدخلت لعبة البانكراتيون (المصارعة الحرة واللكم حتى القضاء على الخصم) في الدورة ال23 التي أقيمت سنة 688 ق.م. واعتمدت مباراة الفروسية في الدورة ال25 (680 ق.م.)، لكن الفوز كان للعربة وليس للفارس الذي يقودها. ولم تتوقف الألعاب الأولمبية حتى بعد استيلاء الرومان على الأراضي الإليادية. وفي العام 1168، أقيمت 293 دورة إلى أن حان العام 394 وأمر الإمبراطور تيودوس الأول بوقفها ومنع الاحتفالات الدينية. وهدمت لاحقا الملاعب والأمكنة الرياضية والأبنية والمنشآت وأتت هزتان أرضيتان قويتان عامي 522 و551 على مدينة أولمبيا بأكملها. وفي نهاية القرن التاسع عشر، تمكن علماء الجيولوجيا والآثار من تحديد معالم مدينة أولمبيا القديمة، وعملوا على إحياء بعض الأقسام والأمكنة الرياضية فيها. "