بقدر ما تعرف دول شرق أوروبا، خاصة منها العضو في الاتحاد الأوروبي، نموا ديموقراطيا مثيرا للاهتمام ونموا اقتصاديا ملحوظا، بقدر ما تتنامى فيها بشكل واضح للعيان تيارات متطرفة، منها ما هو مغلف في إطارات سياسية معترف بها تخفي الكثير مما تؤمن به من إيديولوجيات يمينية إقصائية خاصة تجاه المهاجرين والمسلمين، ومنها ما هو ممنوع من الممارسة السياسية المقننة، إلا أنها تلقى قبولا وتجاوبا من قبل فئات من المجتمع، خاصة منهم الشباب ومن يكن، لخلفيات ما، كرها وبغضا للآخر بذرائع مختلفة غير مبنية على منطق. وعلى الرغم من اختلاف مسميات التنظيمات المتطرفة وفضاء أنشطتها المشبوهة المتعصبة، التي غالبا ما تجعل من الإسلام والهجرة محور انشغالها السلبي، فإنها تلتقي في بغضها للمهاجرين وللإسلام، وتركيز أدبياتها على شعارات قومية شوفينية، وتعليق فشل البلاد في حل المشاكل على الأجنبي، والتجاوب مع التطلعات الاجتماعية على تنامي الهجرة، وهو أمر ليس بالصحيح لأن غالبا ما تعاني البلدان المعنية من مشاكل ديمغرافية، وتراجع عدد السكان وحاجتها الماسة إلى اليد العاملة. والسمة الغالبة في كثير من دول شرق أوروبا هو تولي أحزاب يمينية تدبير الحكومات، والتي سطع نجمها خلال النصف الثاني من العقد الماضي، مروجة لشعارات متطرفة كاذبة تدغدغ عواطف الفئات ذات تكوين أو تعليم محدود، وذات اطلاع سطحي على الأمور السياسية، وطبيعة العلاقات الدولية، ودور الاتحاد الأوروبي في خروج هذه الدول من نفق الأزمات الاقتصادية ومن نفق التبعية لإيديولوجيات شيوعية سابقة. ولعل اختيار بعض النماذج من شرق أوروبا، مثل بولونياوهنغارياوالتشيكوأوكرانياوهنغاريا واليونان، نابع من كون هذه الدول يجمعها طغيان الخطاب السياسي المتطرف الموجه ضد المهاجرين واللاجئين وتحكم أحزاب اليمين في التدبير الحكومي مع تفاوتات بسيطة تعود إلى المستوى المعيشي للسكان، وعلاقات الدول المعنية بمؤسسات الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن الكثير من الدول المعنية نفسها اكتوت من نار النازية في أربعينيات القرن الماضي أو من تحكم دولة الاتحاد السوفياتي إلى غاية بداية تسعينيات القرن الماضي. والغريب في الأمر هو أن حكومات معينة من دول شرق أوروبا تغض الطرف عن نشاط تيارات متطرفة يمينية، منها ما يرفع شعارات نازية معادية للمسلمين والسامية، وتعمل بشكل مكشوف ودون حرج ما بل وبتزكية من بعض الحكومات ذات التوجه المتطرف البادي للعيان، وكانت نظرتها المتطرفة سبب نزاعات متتالية مع المنتظم الأوروبي، خاصة بولونيا والمجر والتشيك، التي سبق وأن سنت تشريعات "متشددة" ضد الهجرة والمهاجرين وأصحاب الملل الأخرى، بل وأكثر من ذلك رفضت حتى السياسات الأوروبية ذات الصلة بالهجرة وإعادة توطين المهاجرين واللاجئين، دون الحديث عن ممارسات متطرفة "فردية " وأحيانا "جماعية". الشباب البولوني بخصوص بولونيا، يوجه اللوم لحكومة حزب "القانون والعدالة" اليميني المحافظ وحلفائه بصمته على التطرف ورفض استقبال مهاجرين بعينهم لخلفيات دينية مع التأكيد علانية على أنها تحبذ المهاجرين القادمين من أوكرانيا لأسباب دينية وعرقية، فيما تعرف البلاد تناميا معتبرا للاتجاهات اليمينية المتطرفة، تلك الجماعات اليمينية المتطرفة التي تستخدم وسائل عديدة علانية، لتحقيق مآربها. ومن بين تلك الوسائل، استخدام الخطاب الديني، وهو العامل الذي ساعد كثيرا الأحزاب اليمينية للحصول على نفوذ سياسي بدأ يفتر تأثيره نسبيا بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في غشت الماضي في عز الأزمة الوبائية. ووثق الكثير من الباحثين في الشأن السياسي المحلي وجود روابط وثيقة بين الكنيسة الكاثوليكية وجماعات مثل الحركة الوطنية القومية أو الاتجاه الوطني الراديكالي و حركة الشباب البولوني، وهي اتجاهات سياسية شوفينية معروفة بتطلعاتها القومية في بولونيا، وهي التي كانت إبان الحكم الشيوعي "رمزا للحرية الفكرية" وعملت ك"قوة مقاومة ضد النظام القمعي". وتستخدم خطابات الديانة الكاثوليكية، وفق المحللين السياسيين الليبراليين، لاستغلالها في تشجيع "الميول القومي" و"دغدغة المشاعر القومية و إثبات الهوية الوطنية الخالصة "، على الرغم من أن العديد من أتباع الجماعات اليمينية المتطرفة ليسوا حقا ممن يعتنقون الدين المسيحي، إلا أنهم يشعرون بروح التمكين التي تقدمها لهم الكنيسة بشكل عام. وفي عام 2015، تول ى حزب القانون والعدالة المحافظ السلطة في بولونيا، مدفوع ا جزئي ا بسياساته المناهضة للهجرة والمهاجرين، وهو الأمر الذي ساعد الأحزاب السياسية اليمينية الأخرى في جميع أنحاء أوروبا في الوصول إلى السلطة. ومنذ ذلك الحين ومسيرات 11 نوفمبر، التي تخلد ذكرى تحرر بولونيا من الحكم الإمبراطوري في عام 1918، أضحت "رمزا من رموز الدفاع وإبراز الهوية القومية "، والتي غالبا ما ترفع فيها شعارات عنصرية، مثل "أوروبا البيضاء" و"الدم النقي". حلم "محرقة للمسلمين" في القرن الحادي والعشرين، بدأت مجموعة أطلقت على نفسها "الشباب البولوني"، وهو الاسم الذي يرجع لمجموعة متطرفة معادية للسامية نشأت في ثلاثينات القرن الماضي، وبدأت هذه المجموعة كتنظيم صغير ضم بضع مئات من الناس، ولكن سرعان ما تطور من حيث العدد لينخرط فيه الآلاف، خاصة من غرب البلاد. وعلى الرغم من أن بولونيا لم تشهد أعمال ا إرهابية على غرار عدد من الدول الأوروبية، ولا يمثل المسلمون بها أعداد ا ت ذكر، كما لا يوجد بها أماكن تجمعات للمسلمين كثيرة أو ظهور واضح لدور العبادة الخاصة بهم؛ فإن اليمين الديني المتطرف في بولونيا يصر على العداء للمسلمين والدعوة الصريحة والتحريض العلني لممارسة العنف ضدهم، بل والدعوة إلى عمل محرقة للمسلمين على غرار محرقة اليهود، وهو ما يقدم دليل ا دامغ ا على أن عداء اليمين الديني المتطرف في الغرب تجاه المسلمين هو عداء بلا مبرر عقلي ولا يرتبط بوجود تهديد من بعض المسلمين ولا ممارسات عدد من التنظيمات الإرهابية، وإنما هو عداء ناتج بشكل كبير عن خطاب عنصري يدعي نقاء المواطن الأبيض وتمييزه عن غيره من الأجناس. وفي هذا السياق، أكد مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء المصرية أن دعوات اليمين الديني المتطرف في الغرب تمثل أحد أهم روافد تجنيد الإرهابيين في أوروبا وخارجها، ويجب أن تعي الدول الأوروبية أن ترك المجال أمام اليمين الديني للتحريض بشكل علني ضد المسلمين حتى وصل الأمر إلى الدعوة إلى إقامة محرقة لهم، هو أمر غير مقبول وينذر بعواقب وخيمة لا يوجد مستفيد منها غير التنظيمات الإرهابية ومثيلتها اليمينية المتطرفة في أوروبا. "المجر الكبرى" في معاداة السامية وما يقال عن بولونيا يقال أيضا عن هنغاريا، والدليل أن الكثير من التنظيمات المدنية حذرت من تساهل مؤسسات الاتحاد الأوروبي مع جنوح العديد من التيارات القومية نحو التطرف وصعود اليمين المتطرف في المشهد السياسي والاجتماعي، وترس خ سيطرته على الحكم في كثير من دول شرق أوروبا، وهو ما دفع التنظيمات المدنية بالمطالبة بوضع استراتيجية لاحتواء هذا الصعود ومنعه من التقد م نحو المزيد من مراكز القرار في مراكز الحكم ومؤسسات الدول المعنية. وتدعو الأوساط التقدمية في هنغاريا، السياسية والاجتماعية والمهنية، اعتماد المفوضية الأوروبية بخصوص الأحزاب اليمينية الحاكمة في المجر إجراءات صارمة ضد الحد من استقلالية النظام القضائي ورفض البلد تبني الركائز الأساسية لسياسة الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي. ويشير المحلل السياسي المجري تادوش بوشكا إلى تزايد القلق لدى القوى السياسية والاجتماعية التي تنشط في هنغاريا، وفي بلدان أخرى من الاتحاد الأوروبي، من أجل الحفاظ على نظام يقوم على سيادة القانون واستقلالية القضاء وحرية الصحافة، مضيفا"لكن الفوز الساحق، والمتكر ر، الذي حققته القوى اليمينية المتطرفة في الانتخابات التي شهدتها المجر مؤخرا ، يزيد الأمور تعقيدا بالنسبة لاحتمالات تدخ ل المفوضية الأوروبية". ويجدر التذكير هنا بأن وصول فون دير لاين إلى رئاسة المفوضية الأوروبية جاء بفضل الاعتراض الشديد، من المجر وبولونيا، على ترشيح الهولندي فرانز تيمرمانز الذي كان من أشد المتحمسين لتفعيل المادة السابعة من معاهدة الاتحاد الأوروبي، التي تنص على معاقبة الدول الأعضاء التي تنتهك القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي وتشجع على التطرف ولا تعمل بمبدأ سيادة القانون. ويبقى مضمون الخطاب الرسمي للأحزاب الحاكمة في هنغاريا وراء صعود اليمين المتطرف الذي يرفع شعار " المجر الكبرى، وتوحيد الأمة، والعداء ضد الأقلية الغجرية، ومعاداة السامية، وعدم الثقة في الغرب". وبرز اليمين المجري المتطرف في دائرة الضوء، مجدد ا، في أعقاب قيام جماعة "فيلق المجر" القومية المتطرفة، بتخريب مركز للجالية اليهودية في بودابست، وذلك في نهاية شهر أكتوبر من سنة 2019، خلال مسيرة للقوميين في مركز العاصمة لإحياء الانتفاضة المجرية لعام 1956 ضد الاحتلال السوفيتي. ورغم أن الهجوم لم يسفر عن وقوع إصابات ، فإن النازيين الجدد وضعوا ملصقات على المبنى، وحرقوا علم ا مرسوم ا عليه قوس قزح في المدخل. ولم يكن هذا الهجوم الأو ل من نوعه لليمين المتطرف في هنغاريا، ومنظمة "فيلق المجر" ليست المنظمة اليمينية المتطرفة الوحيدة، كما أن الهجمات لا تستهدف اليهود فقط بل تستهدف المهاجرين وذوي الأفكار الليبرالية والأقليات الغجرية. ويمكن تصنيف اليمين المتطرف في هنغاريا على أنه معاد لليبرالية، وللغرب، وللعولمة، وللسامية، وكاره للأجانب بشكل عام. وهذه ليست ظاهرة جديدة، فمنذ فترة التسعينيات، يمثل اليمين المتطرف نسبة تتراوح ما بين 10 في المائة إلى 15 في المائة من الناخبين. وتجدر الإشارة إلى أن حزب "العدالة والحياة" المجري، وهو حركة قومية معاصرة بدأت في عام 1993، يدعم فكرة المجر الكبرى، بما في ذلك المناطق التي يعيش فيها المجريون في سلوفاكيا ورومانيا وأوكرانيا وصربيا وكرواتيا، وتعود هذه المظلمة إلى معاهدة تريانون في عام 1920 التي قل صت الأراضي المجرية بنسبة الثلثين، تاركة ربع السكان المجريين خارج حدود وطنهم. ومن هنا يأتي دعم المجموعات اليمينية المتطرفة للأقليات المجرية التي تعيش في دول أخرى،بالرغم من أن هذا ليس مبررا لتبني خطاب الكراهية ضد غير المجريين أو الأقليات العرقية. أما أكبر حزب يميني متطرف في المجر فهو " يوبيك"، الذي ي عارض بشدة الهجرة الجماعية لكنه لا يعادي المسلمين بالضرورة، بخلاف العديد من الجماعات اليمينية المتطرفة الأخرى في أوروبا. واللافت للاهتمام أن جابور فونا، الزعيم السابق ل "يوبيك"، يعتبر الإسلام آخر حائط صد ضد العولمة والليبرالية، حتى أنه دعا إلى تجديد الصداقة التركية- المجرية من أجل بناء بديل قوي ضد الغرب. ورغم أن الحزب قد تأسس في عام 2003، فإنه انخرط في السياسة بشكل أوسع في عام 2006، حيث دعا إلى احتجاجات قوية ضد القادة "الفاسدين" في حقبة ما بعد الشيوعية. ويدعو أنصاره لمقاومة الشيوعية والأقلية الغجرية. "الحرس المجري" في هنغاريا، حرب ضد الغجر وسعى رئيس الوزراء الهنغاري وزعيم حزب "فيدس" اليميني فيكتور أوربان، على الأقل علانية، لدمج الغجر، الذين كانوا المستفيدين الرئيسيين من سياسة الحكومة تجاه الأقليات. ونتيجة لذلك، أدانت الحكومة العنف ضد الغجر وجرى تكثيف تواجد قوات الشرطة في المناطق التي كانت تشهد أعمال شغب مناهضة لهم. ورد ا على ذلك، شك ل حزب "يوبيك" مجموعة شبه عسكرية أطلق عليها اسم " الحرس المجري"، التي نف ذ ت هجمات ضد الغجر، وانضم آلاف الأشخاص إلى هذه المجموعة. ومع ذلك، فقد ح ل ت الجماعة بقرار من القضاء في عام 2008. بعد ذلك بفترة قصيرة، تم تشكيل مجموعة تسمى "الحرس الجديد" وفي عام 2010، شوهد جابور فونا، الذي أصبح عضو ا في الحكومة، وهو يرتدي لباس "الحرس" في حفل تنصيب برلماني. واستمر هذا الوضع حتى عام 2011 عندما تم حظر جميع دوريات الحراسة المدنية النظامية، وأصبحت إثارة المشاعر العامة من خلال الترويج للخوف جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة تصل إلى عامين. ومع ذلك، لم يكن هذا كافي ا للتخلص تمام ا من الدوريات. "النازيون الجدد" في جمهورية التشيك وبخصوص التطرف القومي في جمهورية التشيك، فالأمر بدأ من الانتفاضة "الألمانية السوديتية" عام 1938، والاحتلال النازي اللاحق للبلاد، واستيلاء الشيوعيين على الحكم بعد الحرب، وموجة العنف التي قام بها متطرفون يمينيون عام 1990 وراح ضحيتها العشرات. و لا تزال الحكومة التشيكية تواجه الكثير من التحديات الهامة في مجال التطرف ومكافحته، فمع التراجع الذي طرأ على الأشكال التقليدية للتطرف اليميني واليساري في السنوات الأخيرة، برزت أشكال أخرى للتطرف تعادي المسلمين بالخصوص الذين يتنامى عددهم من سنة لأخرى. من المؤكد أن التطرف اليميني قد أدى إلى وقوع أكبر معدلات عنف في التشيك في فترة ما بعد الشيوعية، إلا أن مستوى العنف البدني المباشر قد انخفض بشكل كبير في العقد الثاني من الألفية الجديدة، مقارنة مع التسعينيات والعقد الأول من الألفية. وخلال هذين العقدين، هاجمت عصابات من حليقي الرأس العنصريين سياسيين ومجموعة أخرى من أعدائهم العنصريين، وقتلوا نحو 30 شخص ا معظمهم من الغجر والمهاجرين. ونظم النازيون الجدد في الجمهورية التشيكية بين عامي 2009 و2013، حسب تقارير إعلامية تناولت قضايا التطرف في البلاد، موجة من أعمال الشغب المناهضة للغجر، لتقوم الشرطة بحماية مستوطنات الغجر ضد الحشود العنيفة التي شارك فيها الكثير من المواطنين المحليين، إذ وقع عدد من الهجمات المتعمدة ضد منازل الغجر في تلك الفترة. وأدت هذه الواقعة إلى حدوث ردة فعل قوية من السلطات، فعملت على هدم أسس النازيين الجدد، بما فيها جماعة "بلود أند هونور كومبا 18"، التي هاجمت الغجر عام 2011. ومع بدء أزمة الهجرة في عام 2015، ظهرت إلى العلن مجموعة جديدة من مجموعات التطرف اليميني، لكن بشكل محدود نسبي ا. مع ذلك، أثار النمو الهائل في خطاب الكراهية والتهديدات الموجهة للمعارضين السياسيين على شبكات الإنترنت القلق من وجهة نظر ديمقراطية، فسادت المظاهر المعادية للإسلام، على الرغم من أن جمهورية التشيك هي موطن لأكثر من 20 ألف مسلم. وموازاة مع ذلك، عملت تنظيمات يمينية مختلفة على محاولة استقطاب أفراد من المجتمع ضد الاتحاد الأوروبي - غالبيتها بسبب سياسة الهجرة الأوروبية، والخلافات حول العلاقات مع روسيا والصين-، وحصلت حوادث عنف متفرقة. في السياق ذاته، يمكن ربط حالات العنف الفردية في البلاد، بالتطرف اليساري أو البيئي أو القومي، كما أن النزاع الكردي التركي العنيف لا يستبعد تأثيره في الأراضي التشيكية. قد يكون الوضع العام للجمهورية التشيكية "هادئ" بالمقارنة مع مستويات العنف المرتفعة في بعض مناطق شرق ووسط أوروبا، إلا أن التوترات ما بين أفراد المجتمع، وظهور الجماعات المتطرفة اليمينية، يمكن أن تؤدي إلى وقوع أحداث عنيفة وخطيرة في المستقبل، وهذا ما دفع الجمهورية لتطوير قدراتها في وجه التطرف. "القطاع الأيمن"في أوكرانيا، البلطجة المنظمة وفي أوكرانيا، البلد المتطلع الى الانضمام الى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والمتخبط في الأزمات الاقتصادية والهجرة المكثفة لمواطنيه، ظهرت الكثير من التنظيمات اليمينية الخطيرة، منها على الخصوص ما يعرف بتنظيم "القطاع الأيمن" القومي المتطرف، الذي سبق وأن طالب زعيمه دميتري ياروش بإزاحة الرئيس وحل البرلمان والحكومة لعدم قدرتهما على "بناء أوكرانيا القومية". واعتبر دميتري ياروش، الذي أصبح "نموذجا قوميا" لدى يمينيين متطرفين، أن المطلوب في البلاد هو وضع مؤسسات و بناء نظام جديد ونوعي للدولة حتى تصون قوميتها. وفي مطلع النصف الثاني من العقد الماضي شاركت عناصر "القطاع الأيمن" الأوكراني المتطرف، الذي يعتبر فصيلا من تنظيمات تمثل الجناح المتطرف لحركة القوميين الأوكرانيين، في اشتباكات مع الشرطة والاستيلاء على مبان حكومية في كييف وغيرها من المدن الأوكرانية، و شاركت في قمع الاحتجاجات في شرق البلاد ضد السكان الذين رفضوا الانقلاب سنة 2014، وفي يناير 2015 أدرجت بعض الدول الأوروبية "القطاع الأيمن" في قائمة المنظمات المتطرفة المحظورة على أراضيها. ورأى الكثير من المحللين الأوكرانيين أن الأنشطة السياسية المتطرفة في أوكرانيا تحولت إلى شكل من أشكال "البلطجة المنظمة" بقوة السلاح الذي تحمله هذه العناصر، ووصف أنشطتها القضاء بالعمل الإرهابي. "الفجر الذهبي"، باكورة اليمين المتطرف في اليونان بخصوص اليونان، هناك من اعتبر تنامي التنظيمات المتطرفة المعادية للمهاجرين وغيرهم، بأن التاريخ يعيد نفس ه، وتساءل المتتبعون للشأن الداخلي إن كان صعود حركة "الفجر الذهبي"، شبه الفاشية، في اليونان، بمنزلة الصاعقة، أم كان شيئ ا عادي ا موجود ا، وكل ما هنالك أنه طف ا على السطح؟ وتعود قصة اليمين المتطرف اليوناني إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما بدأت المنظمات الفاشية الأولى في الظهور بأشكال مختلفة، ونشطت في الغالب على المستوى المحلي فقط، دون أن تتمكن من تحقيق اختراق على المستوى الوطني. وفي عام 1936، فرض ايوانيس ميتاكساس نظام ا ديكتاتوري ا، فمارس الرقابة والقمع والاعتقالات، ومن ثم ح ظر العديد من هذه المنظمات. وخلال احتلال دول المحور لليونان خلال الحرب العالمية الثانية، ظهر ما يعرف باسم "مبادرة الكتائب الأمنية"، التي أس ستها حكومة الاحتلال في عام 1943، وتعاونت تلك الكتائب مع جيش الاحتلال ضد المقاومة. في أعقاب الحرب، ظهرت بعض المجموعات الجديدة في فترة الستينيات، مثل "المنظمة الاجتماعية للطلاب الوطنيين" أو " الرابطة المقدسة للضباط اليونانيين"، ما مه د الطريق لفرض الديكتاتورية العسكرية للجنرال جورجيوس بابادوبولوس في عام 1967. و استمر نظام الجنرالات سبع سنوات، وانتهى بعد الغزو التركي المضاد لقبرص في صيف 1974، الذي لم يترك مجال ا كبير ا لمنظمات اليمين المتطرف للتحرك. وتشير الأبحاث السياسية الأكاديمية اليونانية الى أنه ورغم أن انتهاء الديكتاتورية ترك بعض الشعور بالحنين إلى المجلس العسكري، فإنها لم تحصل، لسنوات عديدة، على دعم كبير. وأوضح الباحثون أن أمارات صعود اليمين المتطرف، بدأت تبرز على مدى العقد الماضي، مع تنامي قوة حزب "التجمع الأرثوذكسي الشعبي " بزعامة جورج كاراتزافريس، ومشاركته في حكومة باباديموس في أواخر عام 2011. واستغل الحزب حقيقة أن بعض الأحزاب الديمقراطية لم تعزله في الوقت المناسب، بل قررت التعاون معه سعي ا لتحقيق مصالحها. وكان حزب التجمع الأرثوذكسي أو ل هذه الحركات التي نجحت في ترسيخ نفسها في المؤسسة السياسية، ولكن قرار كاراتزافريس تأييد حكومة باباديموس أثبت أنه له عواقب وخيمة على مستقبل الحزب، فهذا التأييد أدى إلى سحب الدعم منه، وانتقاله إلى حزب "الفجر الذهبي". التطرف العنصري..الخطر المحدق بأوروبا ظهرت حركة "الفجر الذهبي" لأول مرة في فترة الثمانينيات، وارتبط اسمها بممارسة العنف ضد الأقليات العرقية واضطهادها، وفي الوقت ذاته كانت تبدي إعجابها الصريح بالأنظمة الاستبدادية في الماضي القريب لليونان. ومع وصول حزب "الفجر الذهبي" إلى البرلمان اليوناني، بدأ يسري شعور بالخطر بشأن نوعية الديمقراطية في اليونان، وانعكاساته ليس فقط على النظام السياسي الراسخ، ولكن أيض ا على الإطار الديموقراطي الأساسي للدولة. وتؤكد مختلف التحاليل السياسية في اليونان على أن "الفجر الذهبي" ليس ظاهرة مفاجئة أو جديدة، بل جزء من سلسلة تاريخية من تجليات اليمين المتطرف في اليونان، كما أن صعود الحركة مرتبط بالسياق الاجتماعي والاقتصادي، والتقلبات والتغييرات التي خلقت نافذة للحزب، وهي الأزمة الاقتصادية، والأزمة السياسية، وتنامي المبادرات الإيديولوجية، وأزمة اللاجئين. وتمكنت حركة " الفجر الذهبي"، حسب المصدر، من استخدام مشاعر الإحباط لدى المواطنين ضد الحكام المستقرين في المؤسسة السياسية، واحتج على تدابير التقشف التي فرضتها مجموعة الترويكا الأوروبية، فضلا عن استغلال مشاعر الخوف والغضب المتنامية حول الفوضى التي لحقت باليونان، بسبب موجات اللاجئين. وحتى الآن، وفي حين أن الحزب /الحركة نفسه فق د الدعم الذي يحظى به لأسباب مختلفة، فلا تزال الظروف الأساسية التي غذ ت المشهد اليميني المتطرف في البلاد قائمة. ورأى المحللون اليونانيون أن الدرس المستفاد من الحالة اليونانية هو أنه على الرغم من كون التنظيم المتطرف أضحى "منبوذ ا"، فقد حافظ اليمين المتطرف على قو ت ه بما يكفي لدخول البرلمان، ولا يبدي أي مؤشرات على ترك الساحة. وأمام هذه النماذج التي تعكس واقع التطرف اليميني العنصري في دول كثيرة من شرق أوروبا، يمكن الجزم بأن السعي المستمر لرص أسس البنيات الديموقراطية لا يمكن أن يضع القطيعة مع الخطابات المتطرفة، ولربما سيكون من الأجدر المراهنة على التربية الصحيحة والتحسيس ومواجهة المتطرفين بالقوة الأمنية والتشريعية اللازمة وعدم التسامح معهم مهما كانت المبررات.