هل تعلم جمعيات ومنظمات المجتمع المدني أن التكفيريين يوظفون آيات نزلت في المشركين، في وقت معيّن، وفي زمن معيّن، وفي ظروف معيّنة؟ فإذا كانوا يعلمون، فلينوّروا المجتمع بمحاضرات وبكتيّبات للتوعية والتنوير مع التحذير من هؤلاء التكفيريين، بدل بلاغات مشتركة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تهز شعرة في أجساد الظلاميين الذين يخشون فقط من يواجههم بالحجج والبراهين من نفس التراث الذي يوظفونه، مما سيجعل الناس يطرحون الأسئلة، أما البلاغات فهي مادة يستغلونها كذلك لتكفير المجتمع برمته، ولهم بذلك دراية لا تُنكَر، وأسلوب يرتكز على التعبئة والإثارة؛ حسبتكم تدرون! ثم سمعتُهم في بلاغهم المشترك، ينتقدون سكوت الحكومة عن دعوات التكفير والقتل.. فعن أية حكومة يتحدثون، وأية حكومة ينتقدون؟! حكومة رأيتَ رئيسها الإسلاموي يصلّي معنا ووراء ظهورنا يرفع شعار رابعة، ويخيفنا بالربيع العربي، وبالتماسيح والعفاريت وكأنه سليمان الحكيم (وحاشا ذلك)؟! حكومة أربعينية مُلئت بدهماء الكراسي الذين لا يبكون عند موت حبيب، ولكنهم ينتحبون بعد ذهاب منصب كما قال "ماكياڤيللي" في كتابه الشهير: "الأمير".. فمَن مِن هؤلاء الوزراء من ستواتيه الشجاعة ليقول "إلى هذا الحد وكفا" كما قال "ألبير كامي" في كتابه "الإنسان الثائر"؟ لقد رأوا الشعب يُجلَد في مكتسباته وقوته، وحرّيته، ولم يحرّكوا ساكنا، وكيف سيحرك ساكنا من ضحى بمبادئ حزبه، مقابل منصب وزاري لا رأي له فيه، ثم مَن لا خير فيه لنفسه، لا خير فيه لغيره.. فإذا كانت منظمات المجتمع المدني تجهل هذا، فالكارثة وطنية بلا ريب.. أعود الآن إلى موضوع التكفير والقتل، لأذكّر منظمات وجمعيات المجتمع المدني، بأن الإرهاب والتحريض على القتل، إنما خرجا من بطن تراثنا الإسلامي الذي لعبت فيه أيادٍ أجنبية، ولغّمته أقلام أتت من وراء النهر، وهو ما اصطُلح عليه ب[أئمة ما وراء النهر]، وهذا النهر هو [نهر جَيْجُون] في آسيا الوسطى، ومعظم هذه الأقلام هم عجم، وليسوا عربا على الإطلاق، فأقاموا ما يسمى بالمذاهب، فيما المذهب الوحيد النظيف والمعتدل والأقرب إلى دار النبوة إنما هو مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنهما، وتحطيم المغرب يمرّ أولا بتحطيم هذا المذهب الذي ناشد جلالة الملك نصره الله في خطاب العرش الأخير، بالتشبث به، والذود عنه بكل ما أوتي المغاربة من قوة؛ فبفضل هذا المذهب، طرد المغاربة العبيديين من بلادنا؛ وبفضل هذا المذهب وعلى صخرته تكسّرت أطماع ورماح أهل الفتن، والتكفير، والقتل.. فهذه المذاهب التي يعتمدها التكفيريون والقتلة، تبيح كل أنواع المناكر من استمناء في رمضان، وزنى، وقسْ على ذلك؛ لذلك لا تعجبْ إذا سمعتَ بجهاد المناكحة.. يقول أحدهم في صفحة 118؛ حديث رقم: 83: "جهاد المرأة، تمتِّع الآخرين" و"الشيخ العريفي" الذي أفتى بجهاد النكاح، يدين بهذا المذهب الذي لا يقيم وزنا لاختلاط الأنساب الذي يحذر منه الإسلام الحنيف، ويحرِّمه بشكل قاطع.. ويجوز لأتباع هذه المذاهب أن يتزوجوا محارمهم أو الخامسة، أو استئجار خادمة للزنى ولا حدّ عليهم، إذ العقْد شبهة.. يقول ابن حزم في كتابه "المُحلّى" جزء، 11؛ ص. 253: "هذا هو التطريق إلى الزنى وعوْنٌ لإبليس..".. ويقول آخر في كتابه، جزء 11، صفحة 393: "يجوز للزاني أن يتزوج ابنته من الزنى"؛ وهذا صاحب مذهب كبير... وهي كلها أمور استبشعها الإمام النووي في كتابه "المجموع" المرجو العودة إليه.. ولن نتحدث عن اغتصاب الصبية أو المفاخذة ثم لا حدّ على من فعل ذلك؛ ولكن سنمر إلى موضوع القتل، والدموية، والإرهاب لنعرف أهداف ومصادر هؤلاء الفسقة.. وهناك واحد عندنا في المغرب، كان قد دعا إلى الانفتاح على مذاهب أخرى بدل الاقتصار على مذهب الإمام مالك، وكنا قد أجبناه حينها؛ وللعلم "فداعش مثلا والنصرة" يدينان بهذه المذاهب. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية صحيحة في "السيرة النبوية" لابن هشام؛ الجزء، 04؛ صفحة 79: "أدرِكْ خالدًا فقلْ له إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا" والنهي هنا صريح ولا لبس فيه "ما أتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه، فانتهوا" صدق الله العظيم.. لكن في مذاهب هؤلاء "يجوز قتل حتى المسلمين عند الضرورة" وهي ضرورة يحددها اليوم (الدواعش والنصرة) وغيرهم، ويقول ابن تيمية في كتابه "الخلافة والمُلك" صفحة: 34 بجواز ترك بعض واجبات الشريعة، وارتكاب بعض محظوراتها للضرورة.. ويقول آخر بجواز أكل لحم المشرك مثل "الإيزيديين" في العراق، وهم عبدة [طاووس مَلك]، ويقدّسون إبليسا كأول الموحدين؛ لكن إذا كان الآدمي، محترَما، فلا يجوز طبخ لحمه أو شيّه لما فيه من هتك حرمته؛ وقد رأينا ذلك في وسائل الإعلام.. هذا هو ما يريده هؤلاء للمغاربة المالكيين والملَكيين؛ ولقد تحفّظتُ كثيرا لأني لا أتمتع بالحرية التي يتمتع بها التكفيريون؛ فمعذرة!