العمل الحقوقي آلية من آليات تنظيم المواطن حتى يعرف كيف يدافع عن حقوقه ويحافظ عليها، وهو وسيلة لرفض الاستعباد في المجتمعات البشرية، وتولاه نخبة من المناضلين الذين قرروا مع ضميرهم التضحية بالوقت والمال وبالأسرة أيضا، لكنه مع الوقت أصبح وسيلة للاتجار والاغتناء وتحقيق المكاسب الاجتماعية والمادية، وتحول من نضال اجتماعي مع القواعد إلى نضال صالونات والبحث عن التمويلات. وطبعا من يعطيك درهما يتحكم في مواقفك وعلى طول الزمن. لقد تحولت الجمعيات في الغالب الأعم إلى دكاكين لبيع الوصفات وبيع التقارير الحقوقية وفق منطق من يدفع أكثر، وفي ظل الدعم الذي تتلقاه الجمعيات فقدت مصداقيتها كما فقدت استقلاليتها. يتحدث الجميع عن ضرورة استقلالية العمل الحقوقي عن الدولة والأحزاب والتنظيمات والابتعاد عن التقاطبات، لكن لا أحد يتحدث عن استقلالية القرار الحقوقي عن المنظمات الدولية ومراكز البحث، التي ليست سوى أماكن لجمع المعلومات والأخبار عن المجتمعات والدول قصد توظيفها في الصراعات الدولية والإقليمية. الضغوط التي تمارس اليوم على المغرب من هنا وهناك يتم فيها استخدام حقوق الإنسان، وتعددت التقارير واللجن والمبعوثون للمغرب، غير أنه في النهاية نجد أن "بضاعتنا ردت إلينا"، أي أن هذه المنظمات الدولية التي تناوئ المغرب وتقدم الخدمات تلو الأخرى للأجنبي تعتمد على بيانات وتقارير الجمعيات الحقوقية الوطنية والتي تتميز بعدم موضوعيتها وتحايلها على المجال الحقوقي من أجل تحقيق رغبات سياسية. الحقيقة الماثلة أمام أعيننا اليوم هو أن العمل الحقوقي أصبح رهينا للتمويلات الأجنبية، وهي تمويلات مغرية جدا وتأتي من مراكز متعددة. ولقد أضرت هذه القضية كثيرا بصورة حقوق الإنسان، فنضال من هذا النوع يحتاج إلى العلمية في التناول والموضوعية في التحليل، والتمويل مانع أساسي من الحياد، ولا يمكن الرقي بحقوق الإنسان في غياب الموضوعية والعلمية، لأن التقارير المكذوبة تبنى عليها نتائج مكذوبة ووفقها يتم اتخاذ قرارات خاطئة. وفضحت بعض الجمعيات نفسها في قضية التوتر التي حصلت بين المغرب وفرنسا واضطرار المغرب لتعليق العمل باتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين، وذلك على خلفية عدم احترام الجانب الفرنسي لروح هذه الاتفاقيات. ووصل الصراع مراحل متقدمة من الشد والجذب وتبين أن القضية ليست قضية استدعاء ولكن قضية ممارسة خارجة عن روح القانون، وبدل ان تنبري بعض الجمعيات للدفاع عن البلد الذي أرادت جهات فرنسية استباحته خرجت ببيانات بئيسة دفاعا عن الموقف الفرنسي. وفي الواقع هو ليس دفاعا عن الموقف الفرنسي ولكن دفاعا عن مصادر التمويل. لأن الاختلاف حول تدبير الملفات والاختلاف حول طبيعة النظام والاختلاف السياسي وتقدير المرحلة لا يمكن أن يخرج المرء عن طوره الوطني ويدخله أطوار العمالة للأجنبي. ليس صدفة أن تأتي بيانات جمعيات مغربية مدافعة عن حقوق الإنسان متطابقة مع لوبيات الجزائر ومع مقالات وحوارات الإعلام الفرنسي.