شكلت الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة الملك محمد السادس لأربع دول إفريقية فرصة للتأمل في الدور الذي لعبه ويمكن أن يلعبه المغرب في المنطقة الإفريقية، وركزت الزيارة على جانبين، ديني واقتصادي، وعالجتهما في ترابط نادر للفهم السديد للنصوص المقدسة ولارتباط ساكنة العديد من الدول الإفريقية بالدين الإسلامي. الدين الذي يمثله المغرب وتمثله إمارة المؤمنين هو بخلاف نوعين من التدين، هو بخلاف التدين المغشوش الذي قال عنه كارل ماركس "الدين أفيون الشعوب"، أي الدين الذي يستعمله المستغلون كمخدر للشعوب، حيث يتم استعمال الدين كوسيلة للدروشة بينما الناهبون ينهكون الأرض ويستغلون ثرواتها وخيراتها دون رقيب ولا حسيب. بينما التدين المغربي هو التدين المحفز على الجد والاجتهاد وعلى العمل، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إذا قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة واستطاع أن يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر" أو كما جاء في الأثر "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا". أما النوع الثاني من التدين فهو الذي يستعمل الدين كذريعة للقتل والفتك، وهو تدين الحركات الإرهابية التي تصول وتجول في منطقة الساحل وفي الجنوب الجزائري، والتي تتحالف مع مرتزقة البوليساريو. فالمغرب يعتبر الآن وبشهادات دولية أنه راكم خبرات كبيرة في مجال محاربة الإرهاب والتطرف ورصد تحركات الإرهابيين، وتمكن بفضل يقظة أجهزته الأمنية من ضرب العديد من الشبكات الإرهابية في مهدها قبل أن تمر إلى الفعل وجنب المغرب والمنطقة العديد من الكوارث. ففي الجانب الديني يتحرك جلالة الملك من موقع التزامه كأمير للمؤمنين ومن موقع الرابطة الروحية التي تجمعه بالعديد من سكان القارة الإفريقية، وهذا الواجب هو الذي يلزم المغرب التصدي للتطرف والعنف والإرهاب، وهو الذي دفع المغرب إلى المساهمة ودعم التدخل الفرنسي في شمال مالي في حربها ضد الإرهابيين. ومن موقع هذا الالتزام الديني يقوم المغرب بتدريب الأئمة والخطباء وفق منهج وسطي ومعتدل، وليس وفق خطة منافسة لمدارس ومذاهب أخرى، لأن المهم عند المغرب هو محاربة الغلو والتطرف اللذين ينتج عنهما الإرهاب والقتل. وفي السياق الثاني قرر المغرب الانخراط الجدي في مواجهة التحدي المستقبلي. فالتحدي القادم أخطر من الإرهاب وأخطر من الحروب الأهلية، إنه التحدي الذي يمكن أن يعمق من الإرهاب والتطرف والغلو والاحتراب الداخلي، إنه تحدي المجاعة. وقد دقت منظمة التغذية العالمية ناقوس الخطر وحددت معايير لمواجهة تحديات الغذاء في العالم خصوصا في السنوات المقبلة التي سيصل فيها سكان العالم إلى حوالي تسعة ملايير. وقد انخرط المغرب قبل أن يحين هذا الوقت في مواجهة هذا التحدي وذلك من خلال الاستثمار في المواد وآليات التطكوير الفلاحي حيث ستغطي معامل الإنتاج التي دشنها المغرب بإفريقيا ثلث حاجيات إفريقيا من الأسمدة، وهي بمثابة الثورة الخضراء التي أطلقها المغرب بإفريقيا. هذا هو المغرب. وهذه هي قيمة الزيارة الملكية لإفريقيا: دين ودنيا.