الصراع بين سلطتين اختتم أمس الجمعة البرلمان بغرفتيه دورته الربيعية. وهي مناسبة لتقييم أداء المؤسسة التشريعية وتقييم طبيعة تعامل الحكومة مع هذه المؤسسة. ولا يمكن تفويت الفرصة دون الحديث عن الصراع المحتدم بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية التي وصلت حد الطلاق في أحيان كثيرة. ورغم أن الدستور كان واضحا في تحديد الاختصاصات غير أنه في عهد حكومة بنكيران تداخلت الاختصاصات وازدادت الأمور التباسا. واصطدم بنكيران في أول دخول له إلى البرلمان مع المؤسسة التشريعية، حيث ظهرت رغبته للهيمنة، وتحويل البرلمان وأساسا الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة من جلسة لمراقبة عمل الحكومة فيما يتعلق بالسياسات العامة إلى مكان للنضال المنبري، حيث حول البث المباشر إلى الدعاية إلى حزبه ومحاولاته الحثيثة إلى تشويه سمعة خصومه ومحاولة الدوس على حقوقهم. واشتد الخصام بين المؤسستين بعد أن قررت المعارضة بمجلس النواب مقاطعة جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، احتجاجا على هيمنة الأغلبية وحكومتها على المدة الزمنية، وأصبح بنكيران خلال تلك المدة كدونكيشوت الذي يحارب طواحين الهواء، فلم يعد أمامه خصم ليخاطبه، ولم تعد لديه الفرصة لتوجيه اللكمات للمعارضة، واكتفى بمهاجمة العفاريت والتماسيح. وكانت هذه رسالة سيئة لنوع العلاقة بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية، حيث أن الدستور الحالي، الذي بموجبه تم تعيين عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، خص المعارضة بنصيب وافر من بنوده وتحدث عنها قبل غيرها من المؤسسات، وفرض احترامها وتمكينها من كافة الوسائل والأدوات التي من خلالها تؤدي دورها التشريعي والرقابي، وقد أعطى بنكيران النموذج السيئ لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين المشرع والمنفذ، وأكد عزمه الحثيث على الهيمنة على المؤسسة التشريعية من خلال ضرب المعارضة. يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية. ويضمن الدستور، بصفة خاصة، للمعارضة حرية الرأي والتعبير والاجتماع ، وحيزا زمنيا في وسائل الإعلام الرسمية يتناسب مع تمثيليتها، والاستفادة من التمويل العمومي، وفق مقتضيات القانون، والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، والمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق. أين بنكيران من منطوق الدستور؟ وبالإضافة إلى تأزيم العلاقة بين المؤسستين من خلال سلوكات بنكيران ونزوعاته التسلطية، طفت على السطح قضية محاولة حرمان المؤسسة البرلمانية من دورها التشريعي وصلت حد اتهام الحكومة بقرصنة عمل الفرق البرلمانية وتحويله إلى مشاريع قوانين وتقديمها للنقاش والتصويت. وشرعت الحكومة في سباق الوقت بدل الضائع لوضع مشاريع قوانين ضدا في المبادرات التشريعية للبرلمان. إن العلاقة بين البرلمان والحكومة ليست على ما يرام أي أنها تضرب بعرض الحائط القواعد الدستورية.