لا تتوقف وسائل الإعلام العربية والغربية، عن الحديث عن تدخل عسكري غربي مرتقب في ليبيا، بهدف مواجهة تنظيم "داعش"، الأمر الذي يثير تساؤلات حول جدوى هذا التدخل، وقدرته على إنهاء الأزمة الليبية ؟ ويتذرع الداعمون الأوربيون للتدخل العسكري في ليبيا، إلى سيطرة "داعش"، على مدينة سرت الساحلية، وسعيها للتمدد باتجاه منطقة "الهلال النفطي" (شمال شرق)، الذي يتواجد فيها ما لا يقل عن 60% من الثروة النفطية الليبية.
ولعل من أهم المؤشرات على قرب التدخل العسكري الغربي في ليبيا، تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي، مانييل فالس، قبل نحو شهر التي قال فيها: "لا شك في أن الملف الليبي سيكون الأهم في الأشهر القادمة وستضطر فرنسا لمحاربة داعش هناك".
الدبلوماسي الفرنسي السابق في ليبيا، بتريك حمزديه، رأى في تصريحات ل"الأناضول"، أن المشكلة في ليبيا تكمن في غياب الدولة، وأن التدخل العسكري فيها لا يمكن أن يعالج هذا الفراغ.
وقال حمزدية، إن "التدخل العسكري قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى الأمر الذي من شأنه تقوية تنظيم (داعش) هناك، بدلا من إضعافه أو القضاء عليه، كما أن هذا التدخل إذا وقع سيهمش المسألة الرئيسية وهي إعادة بناء دولة ذات شرعية".
وفي هذا الإطار يستشهد "حمزديه"، بما حدث في مدينة "درنة"، حيث استطاع تنظيم "مجلس شورى مجاهدي درنة"، إخراج "داعش" من المدينة، في صيف 2015، بعد أن كان التنظيم قد سيطر عليها منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2014.
وأضاف، أنه "ليس من المستحيل أن توجد بدائل محلية قادرة على القضاء على تنظيم داعش، بدلا من التدخل العسكري الخارجي".
ويتابع "حمزديه"، أن "التدخل العسكري الغربي في ليبيا سيغذي نظرية منتشرة في العالم العربي تقول أن الغرب اختلق داعش، ليستعمها كذريعة للتدخل في الشرق الأوسط، وهو ما من شأنه تغذية الكراهية والضغينة ضد الغرب".
وفي تصوره للحل قال، الدبلوماسي الفرنسي السابق، "حمزديه"، إن "الحل في مواجهة تنظيم داعش في ليبيا يكمن في إعادة بناء دولة شرعية تضم أكبر عدد ممكن من الفاعلين السياسيين والعسكريين المحليين، لا بمزيد من التدخل الأجنبي".
من جانبه، رأى المحلل السياسي، عبد الرحمن الفيتوري، أن "تفكيك داعش ومحاربتها في ليبيا يقتضي فهم أسباب تواجدها قبل التفكير في التدخل العسكري".
ويشير "الفيتوري"، في حديثه ل"الأناضول"، إلى أن تواجد "داعش" يعود لأسباب منها، أن التنظيم يرى في ليبيا دولة ضعيفة، وبالتالي يعتبر هذا المناخ مناسب وملائم للتواجد في هذا الفراغ، كما أن الأراضي الليبية تعتبر موقع استراتيجي كونها قريبة من أوروبا، ما يوفر فرصة لتسريب عناصر التنظيم من خلال موجات الهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وتبعد مدينة "سرت" الليبية التي سيطر عليها التنظيم الإرهابي، على مسافة 700 كلم من السواحل الإيطالية وهي نقطة من النقاط التي تنطلق منها موجهات الهجرة باتجاه أوروبا.
ولعل من أهم أسباب تواجد "داعش" في ليبيا أيضا، أنها من الدول النفطية، وهو ما من شأنه أن يوفر مصدر مالي مهم للتنظيم، بما يسمح له بمزيد من النشاط والتوسع والصرف على أنشطته الأرهابية"، كما يرى المحلل السياسي.
من جهته أعرب المبعوث الخاص للحكومة الإيطالية إلى ليبيا السفير "جورجيو ستاراتشي"، أمس الثلاثاء، معارضة بلاده محاربة الإرهابيين في ليبيا من طرف واحد، مؤكداً ضرورة أن يأتي طلبٌ بهذا الخصوص من حكومة الوحدة الوطنية الليبية الجاري تشكيلها.
وقال فينتشنزو، للأناضول، "إن إيطاليا تؤكد الحاجة لتشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا قبل كل شيء، وذلك من أجل التمكن من منع أنشطة الجماعات الإرهابية في ليبيا، ولهذا السبب فروما تعارض بشكل قطعي أي تدخل عسكري خارجي من قبل المجتمع الدولي قبل تشكيل حكومة وحدة وطنية".
وفي ندوة عقدت مؤخرا في تونس، قالت البرلمانية، ورئيسة مركز "البراهمي للسلم والتضامن"، مباركة البراهمي: "ما عاد يخفى على أحد، أن التدخل في ليبيا جاء للسيطرة على منابع النفط وثروتها، لذلك نطلق صيحة فزع لإنقاذ ليبيا من استعمار مباشر قادم، فإذا مسّها سوء فهو سيمسنا، بدرجة مباشرة".
وقال أشرف الصويعي، ممثلاً عن "المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية"(مستقل)، إن "المحنة تزداد في ليبيا، وستزداد أكثر في حال تم التّدخل العسكري".
في السياق ذاته، دعت الناشطة الحقوقية، راضية النّصراوي، رئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب (مستقلة)، الجميع إلى " التحرك مع الشعب الليبي، من أجل منع أي تدخل عسكري محتمل"، مضيفة "نحن ضدّ التدخل الأجنبي في أي بلد، وخاصة بالنّسبة إلى ليبيا".
وفي تطور لافت أكد وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أن بلاده "ليست لديها نية للتدخل عسكرياً في ليبيا".
جاء ذلك في تصريحات صحفية، أدلى بها على هامش مشاركته في اجتماع روما للتحالف الدولي ضد "داعش"، الذي انطلق الثلاثاء الماضي، في العاصمة الإيطالية.
وقال فابيوس إن "التدخل العسكري في ليبيا من جانبنا، ليس مطروحاً على الإطلاق، وأنا لا أعرف مصدر مثل هذه الأنباء".
من جانبه أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أن الرئيس باراك أوباما، "لا يريد التدخل عسكرياً في ليبيا"، مشيراً في الوقت ذاته، أنهم لا يريدون "خلافة وهمية تمتلك مليارات الدولارات من النفط الليبي (في إشارة لداعش)".