تميزت السنة التي نودعها بكونها شهدت ذروة الحملة التي تشنها الصين ضد "النمور" الفاسدين، التسمية التي كان الرئيس شي جين بينغ قد أطلقها على كبار المسؤولين الفاسدين، وعدم الاكتفاء باصطياد "الذباب"، أي الصغار. وتظهر ضراوة الحملة في اعتقال ومحاكمة العديد من سامي المسؤولين، لعل أبرزهم تشو يونغ كانغ عضو سابق في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، أعلى هيئة قيادية، في الحزب الشيوعي الحاكم. وكان الرئيس شي قد أعلن بعيد انتخابه، أن الفساد يشكل أكبر تحد يواجهه الحزب الشيوعي الحاكم، لأنه يهدد سلطته ووجوده، بل ويهدد مستقبل البلاد ككل. وأكد شي حينها، أن محاربة الفساد لن تقتصر على "الذباب"، بل توعد من أسماهم بالنمور، أي المسؤولين الكبار في الحزب والدولة، بأنهم لن يحظوا بأي استثناءات. وتم وقتها التشكيك في تلك التصريحات، لكون الصينيين تعودوا على مثل هذه "الشعارات" وعلى اكتفاء حملات محاربة الفساد باقتناص صغار الفاسدين. إلا أن حجم "الطرائد" التي سقطت في حبال لجان التفتيش برهن على أن القيادة السياسية الجديدة واعية تمام الوعي بأنها تواجه وضعا غير مسبوق وتحديات خطيرة في قيادة حزب يضم 86 مليون عضوا، وحكم بلد يتجاوز تعداد سكانه 3ر1 مليار نسمة، على المدى البعيد. وقال هوانغ وي تينغ، الباحث في مجلة (سيكنغ تروث)، الناطقة بلسان اللجنة المركزية للحزب والمتابع لحملة مكافحة الفساد، إن "إسقاط مسؤولين رفيعي المستوى مثل تشو، يعد رسالة قوية لجميع المسؤولين البارزين، ويعزز سياسة عدم التهاون ضد الفساد". ويلاحظ المتتبعون أن حملة مكافحة الفساد في الصين انتقلت من مجرد "ضرب أمثلة تحذيرية" إلى الضرب الفعلي على أيدي كبار الفاسدين. ويؤكد حجم التحقيقات وكذلك الإصلاحات القانونية أن الصين ماضية في حرب مستدامة ضد هذه الآفة. واعتبر هوانغ أن الفساد، الذي يعرف بين الصينيين ب"خرق قواعد الانضباط"، كان "على الدوام مشكلة بارزة وسيشكل تهديدا خطيرا لحكم الحزب للبلاد، ما لم يعمل على احتوائه". وأضاف أن قيادة الحزب تدرك تماما أن قدرتها على تحقيق الانضباط بين أعضائها، خاصة أصحاب النفوذ، ستنعكس إيجابا على قدراتها واستقرارها في الحكم. وقد شهدت بداية السنة انتشار لجان مكافحة الفساد في كافة القطاعات العسكرية والمدنية وكذا الحكومة المركزية والحكومات المحلية والشركات المملوكة للدولة والمؤسسات العامة. وذكر الموقع الإلكتروني للجنة المركزية لفحص الانضباط (الهيئة المكلفة بمحاربة الفساد) أن هناك حوالي 50 مسؤولا على مستوى المقاطعات والوزارات أو في دوائر عليا، يجري التحقيق معهم في قضايا فساد أو غيرها من الانتهاكات الخطيرة للانضباط منذ نونبر 2012. ويمنح النظام البيروقراطي للصين المسؤولين من هذا المستوى وما فوق سلطات كبيرة، كما أنهم يتخذون قرارات هامة في الشؤون المركزية والمحلية.