لم تقنع مداخلة وزير الشغل و الهجرة سيلستينوغورباتشوبالأمس أمام لجنة متابعة ميثاق طليطلة الفاعلين السياسيين و النقابيين. فباستثناء سيو، الحزب المسيحي الكتلاني، الذي أبدى موافقته من حيث المبدأ على الإصلاحات، فإن إقتراح الحكومة تأخير سن التقاعد من 65 سنة إلى 67 سنة، لقي معارضة شديدة، و هو ما حذا برئيس الحكومة إلى القول بأن الأمر مجرد اقتراح على طاولة النقاش. لكن رغم ذلك لم تستطع الحكومة التخفيف من القلق و التأهب الإجتماعي الذي أثاره عزمها اصلاح نظام التقاعد. خاصة و أن المقترح عانى وجود كثير من مناطق الظل و الغموض، و التي رأت فيها القوى السياسية و الإجتماعية، إشارة إلى سوء نية الحكومة، الشيء الذي اعتبره الكثير من المراقبين بداية نهاية السلم الاجتماعية التي ميزت عهد رئيس الحكومة الحالي، خوسي لويس رودريغيث ثباطيرو. هكذا انهى المقترح علاقة الود بين الحكومة الإشتراكية و النقابتين المركزيتين، حيث أعلنتا الطلاق و الفراق، وتحويل قنوات توصيل المطالب و الرسائل إلى الحكومة، من صالونات المونكلوا (قصر رئاسة الحكومة) إلى أرضية شوارع المدن الإسبانية. حيث تتضمن الأجندة المشتركة للنقابتين، إطلاق العديد من التظاهرات الإحتجاجية، ابتداءً من مساء اليوم. و هي الأولى من نوعها ضد حكومة ثاباطيروا، و التي تؤذن بنهاية شهر العسل الطويل بين الحكومة و النقابات، و بانهيار السلم الإجتماعية الذي شيده ثاباطيروا رغما عن القوى اليمينية و النيوليبرالية بإسبانيا. وانتقد إغناسيو فيرنانديث طوتشو زعيم اللجان العمالية، كبرى النقابات الإسبانية، أسلوب طرح الحكومة للإصلاح، مصرا على أن " البحث عن التوافق كان ينبغي أن ينطلق من قاعدة مخالفة للقاعدة التي اعتمدتها الحكومة". و أكد الزعيم النقابي بأن مسألة الحفاظ على السلم الإجتماعية هي بيدها الآن، و مرتبطة بطبيعة قراراتها في المستقبل. و من جانبه أكد كانديدو ميندث زعيم الإتحاد العام للعمال،الذي يعتبر الجناح النقابي للحزب الإشتراكي الحاكم، بأن "السلم الإجتماعية هو ملك للجميع و مسؤولية الجميع، لسنا نحن من تسبب في انهيار السلم الإجتماعية، ولن نتسبب في انهيارها في المستقبل، الأمر سيرتبط بشكل كبير باقتراحات الحكومة و مواقفها". من جهته استقبل الحزب الشعبي المعارض بسعادة نبأ القطيعة بين الحكومة و النقابات، و الذي يرى فيه تشديدا لعزلة ثاباطيروا و دليل قاطع على فشل سياساته، و عجزه عن إقناع حتى حلفائه الطبيعيين. و أكد غونثاليث بونس، نائب الكاتب العام للحزب الشعبي المكلف بالإعلام بأن هذه الخطوة تمثل عودة إلى الرشد، حيث أسهمت النقابات في هدهدة رئيس الحكومة النائم، ومن ثم في الجمود الحكومي إزاء الأزمة، و أبدى ابتهاجه بخطوة النقابات بقوله" نحيي النقابات في جهدها لإيقاظ الحكومة، لطالما افتقدنا مثل هذا النشاط". جدير بالذكر أن الحكومة تبنت سياسة إصلاح نظام التقاعد بعد تقارير للعديد من المختصين، أشارت إلى أن التحولات الديموغرافية تجعل حسابات نظام التقاعد بشكله الحالي لا تتسق في ظل التغيرات الكبرى التي تهم الساكنة الإسبانية، خاصة منها ارتفاع معدل العمر، وهو ما يهدد بتأزم النظام خلال العقود القليلية القادمة. ولكن العقبة الكأداء أمام الحكومة هي أحد القوانين القوية في علم السياسة، و هو صعوبة و تعذر تخلي الشعوب في الدول الديمقراطية عن الحقوق الإجتماعية التي تكتسبها، وسياسات من هذا القبيل عادة ما تبقى حبراً على ورق، لأنها لن تجد لها بين الناس نصيرا.