ترمضينة خايبة أصابت المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة يوم الثلاثاء الثامن من يوليوز لهذه السنة، والموافق للعاشر من رمضان ولذكرى وفاة محمد الخامس... أسفرت، أي الترمضينة، على توجيه مذكرة من 1029 كلمة إلى جميع الأحزاب السياسية المغربية، في الأغلبية وفي المعارضة.... لم تكن هناك أسباب معلنة للنزول، مما يتطلب من المتتبع أن يبحث عن الأسباب المضمرة، المختفية أو حتى السرية، التي جعلت حزب الأصالة والمعاصرة يفكر بهذه المبادرة.... لنسجل أولا أنها سابقة، إذ أن المذكرات السياسية في عرف الممارسة السياسية المغربية، توجه بشكل عمودي، اتجاه المواطنين أو اتجاه الملك.... سابقة لأنه كما ورد في المذكرة، هي مبادرة أفقية، تتوخى فئة معينة من الفاعلين السياسيين، وهي الأحزاب سواء في الأغلبية، أو المعارضة... للغة مكرها ودسائسها، وكون المذكرة تتوجه بصريح العبارة إلى الأحزاب في الأغلبية وفي المعارضة، فهي تستثني الأحزاب والقوى السياسية الخارجة عن اللعبة الديمقراطية، وبالتالي يمكن تلمس أحد أسباب نزول المذكرة، في التململ الذي دشنته هذه القوى غير المشاركة في اللعبة السياسية: ندوات جماعة العدل والاحسان الأخيرة... حوار البراهمة، القيادي في النهج الديمقراطي، الذي أدلى به إلى أحد المواقع الالكترونية... خطر دولة الخلافة المعلنة في الموصل، وظهور الحضور المغربي، عبر الشباب المغرر بهم، بقوة.... الملاحظة الأكثر فقأً للعين في المذكرة، هي غياب الملك والمؤسسة الملكية، كمعطى ضمن فسيفساء الأمة التي تحدثت عنها المذكرة، وكفاعل في المنطلقات التي حددتها ذات المذكرة أو في الجبهات التي تدعو إلى الانخراط فيها... وهنا أيضا لا يمكن للمتتبع أن لا يستسلم إلى نزوة التخمين، ليطرح السؤال: أهي مذكرة صادرة عن الملك بلسان حزب الأصالة والمعاصرة؟ يتوجه فيها إلى المشهد الحزبي، ويغيب كمخاطب ويحضر كفاعل؟ طبعا مع استحضار كل ما كتب حول ارتباط الحزب بالقصر منذ تأسيسه الأول، وباستحضار كل محاولات النفي التي باشرها المنتسبون إلى ذات الحزب.... للمذكرة بنيان مرصوص، تمهيد وحيثياث وجبهات، والأكثر من هذا لغة تشبه لغة الخطابات، تمرر معطيات هي من صلب الخلاف السياسي على أنها مقومات مشتركة يجب الالتفاف حولها والدفاع عنها، ولعل أبرزها كمثال لا الحصر هو مفهوم الوحدة الترابية، المدرجة كجبهة أولى وأساسية، وبذلك يمكن اعتبارها أيضا من أسباب النزول، نظرا للتطورات الأخيرة التي عرفها ملف الصحراء، والانتصارات الدبلوماسية للطرف الآخر، مقابل السكون الدبلوماسي الوطني... في هذه الجبهة بالذات، هناك نقاش عريض وواسع، كبر وتعمق مع التدويل التام للصراع في الصحراء، ومع بروز جيل جديد من المواطنين، سواء بشمال المغرب أو جنوبه، من أصبحوا مقتنعين بضرورة تسريع الحل في هذا الصراع وعبر آليات أممية تحفظ حقوق الجميع، بمن فيهم المطالبون باستقلال المنطقة.... المذكرة بهذا التركيز الأولي حول قضية الوحدة الترابية، كمن تسعى إلى إعادة انتاج مفهوم جديد لما سمي في عهد الحسن الثاني بالاجماع الوطني، والذي ترتب عنه مسلسلا داميا من القمع والتسلط، أفضى إلى عطب تاريخي امتد على أكثر من أربعة عقود وسمي بعهد الرصاص... ما أتى بعد الوحدة الترابية ليس سوى تزينا وتغليفا للهدف السابق، سواء مسألة الهوية، وهي تبطن تهديدا خفيا: إما الاجماع وإما الفتنة بإسباب هوياتية، ثم جبهة المناصفة، كمد للجزرة للحركة النسائية كما وقع في اعتماد الدستور، والجبهة الرابعة حول حرية الانتخابات ثم المدرسة كجبهة خامسة... الجبهة السادسة والتي تتحدث عن استباق التغييرات في الدستور تبطن خطورة لا تقل عن خطورة الإجماع الوطني المطلوب، والذي قد تشكل رسما لتراجع عما ورد في الوثيقة الدستورية من مكتسبات متقدمة.... قد تكون في الأخير، مذكرة من أجل جس النبض، ومعرفة ردود أفعال المشهد السياسي برمته، أغلبية ومعارضة، الداخلون الخارجون في اللعبة، من أجل رسم معالم طريق أخرى، تبيح الالتفاف حول الأزمة الخانقة التي تمر منها الممارسة الديمقراطية بالبلد، بدل فتح نقاش جدي ومسؤول يعتمد النقد الذاتي أولا، ومصلحة الوطن ثانيا....