لم أكن أريد الخوض في سياسة رمضان، السياسة خارج رمضان أمتن وأبقى... في رمضان، ما يحاك في السياسة مثله مثل حريرته... ومثل تلك المعجنات المنضوضة على الطاولات لحظة آذان المغرب، وفرة في العجين، وعدم في المفيد.... لكن آذان المغرب هذا اليوم أبى إلا أن يتأخر.... والأصدقاء في الجريدة وفي صفحتي يطالبونني بالكتابة في السياسة... وأنا أنتظر آذان المغرب لألقم هذا الجوع في بطني لقمتين أخرس بهما عواءه.... لا يمكن الحديث في سياسة رمضان دون الحديث عن القفة الملكية، تلك التي ظهرت صورتها وهي منشرحة ضاحكة تحوي وعاء من الزيت والشاي والسكر وقليل من طحين السميد، والأهم من كل هذا القالبين...القالبان هما مربط الفرس، لا يهم ما يطالب به اليسار الحاقد على اهل النعمة، كون الشعب يرغب في الكرامة لا في الصدقة، ولا يهم تلك التعليقات الحاقدة في المواقع الاجتماعية التي تطالب بإلغاء القفة وتوزيع الخيرات بالتساوي على الجميع... ما يهم حقا هو القالبين... قد يشط خيال البعض منكم ويعتقد أنني أعني بالرسالة المضمنة في القالبين، هو تلك الوظيفة الرمزية التي يؤديها القالب في حديثنا المغربي الدارج.... اي ذلك الشكل الهندسي المثلث والذي تكون قاعدته أكثر شساعة من رأسه، هذا الأخير ، أي رأس القالب، كان وربما لا زال يؤدي وظائف أمنية، لها علاقة باستثباب الأمن والطمأنينة، حين يتموقع في إست الغاضبين، سواء في شكله الطبيعي هذا أو في شكل زجاجة الكوكا كولا أو غيرها... أنا لم أقصد هذه الرسالة، مخافة السيئ من العواقب... بل قصدت أساسا اللون الحجري الباهت الذي اتخده القالب، وهو الذي كان على عهدنا حجريا قانيا، ففي هذا اللون رسالة سامية لا يعرفونها إلا الراسخون في العلم، فلا هو لون حجري يميل إلى الاتحاد الاشتراكي، ولا أزرق صافي يميل إلى حزب الأحرار أو يشبه لون الجرار الذي يرمز إلى الأصالة والمعاصرة.... لقد اختارت القفة الملكية لونا يشبه هذا الفسيفساء حولها، باهتا وخجولا ولا علاقة للحياة به.... في سياسة رمضان أيضا، هناك الفتوحات التي لا يأتيها الباطل لا من أمامها ولا من وراءها، هناك صلاة القائد شباط، وهو يؤدي واجبه الديني في صالون بمساحة ملعب لكرة القدم، وهنا أيضا يجب البحث عن الإشارات، على حد زعم باولو كويلو، إذ انبرى العامة للحديث عن استغلاله للدين وعن عبثه بالقبلة وهو يتخد لها اتجاهين، وعن مظاهر الثراء وما إلى ذلك... بينما غفلوا الرسالة الأساسية الكامنة في تلامط الصالون ذات الالوان الحجرية، في إشارة إلى التزامه بالتحالف مع الاتحاد الاشتراكي أولا، وفي مباركته للقوالب الملكية بذات الألوان الحجرية، رغم بهوتها.... بركة اللون الحجري والإشارات ترسخت أكثر في الصورة السياسية الأخيرة، حين تجشمت برلمانية اتحادية عناء النزول إلى إحدى الخرب، وتصدقها على متسولة هي وابنتها بعلبة جبن كتب عليها مصنعه أن به الكثير من الفيتامينات والبروتينات، ثم التقطت لنفسها صورة وهي تنجز كل هذه المهام البطولية.... القليلون لاحظوا أن العلبة حجرية اللون، مثلها مثل طنافس صالون شباط وقوالب القفة الملكية، هذا ناهيك عن الانتماء السياسي لصاحبة الإشارة، وهو انتماء حجري بامتياز... مما يؤكد أن كل هذه الأحداث تتناغم وتسير في اتجاه واحد هو إعطاء الاشارات باتجاه اللون الحجري.... من لا يجد العلاقة بين كل هذه الأحداث، القفة الملكية، وتلامط شباط وجبن البرلمانية الاتحادية، فصيامه باطل، وتجب عليه الكفارة والقضاء.... لا زال المؤذن العنيد يرفض أن يعلن موعد الإفطار... ومع نهاية هذا النص، تكون صيصان بطني في قمة هيجانها وجوعها....