لم يكن اسم عبد الفتاح السيسي معروفا لدى الغالبية العظمى من المصريين قبل أغسطس 2012 عندما عينه الرئيس المعزول محمد مرسي وزيرا للدفاع خلفا للمشير حسين طنطاوي الذي ترأس المجلس العسكري بعد أن أطاحت ثورة شعبية في 25 يناير/كانون ثان 2011 بنظام حسني مبارك. وبعد حياة عسكرية تقارب الأربعة عقود تقلد فيها العديد من الرتب والمناصب حتى عين قائدا عاما للقوات المسلحة، ووزيرا للدفاع، قرر السيسي في مارس/آذار الماضي ترك الزي العسكري والترشح لانتخابات لم يجد فيها صعوبة للفوز بفارق كبير. وفاز السيسي بالانتخابات الرئاسية التي جرت الأسبوع الماضي بنسبة أصوات بلغت 96.9% أمام منافسه الوحيد اليساري حمدين صباحي الذي حل ثالثا في انتخابات 2012. وكان المشير (59 عاما)، وهو أب لثلاثة أبناء وبنت، قد استهل حياته المهنية بالتحاقه بسلاح المشاة بعد تخرجه في 1977 من الكلية الحربية، وتدرج في المناصب من رئيس فرع المعلومات والأمن بالأمانة العامة لوزارة الدفاع، ثم قيادة كتيبة مشاة، وملحق دفاع بالسعودية، إلى قائد لواء مشاة ورئيس أركان المنطقة الشمالية العسكرية، وحتى إدارة المخابرات الحربية. كما حصل خلال حياته المهنية على العديد من الدراسات، من بينها ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان المصرية (1987)، ودرجة علمية مماثلة من بريطانيا (1992)، وزمالة كلية الحرب العليا من اكاديمية ناصر العسكرية (2003)، إضافة الى درجة مماثلة من كلية الحرب العليا الأمريكية (2006). وزادت شعبية السيسي بعد اعلانه "الانحياز" للرافضين لحكم مرسي، عقب خروج ملايين المصريين في تظاهرات في 30 يونيو/حزيران 2013 تطالب بإبعاده عن الرئاسة حتى تم عزله رسميا بقرار من القيادة العامة للقوات المسلحة. وفي مساء الثالث من يوليو/تموز ظهر السيسي بزيه العسكري محاطا برموز دينية وسياسية معلنا تعطيل العمل بالدستور وإجراء انتخابات مبكرة وتعيين رئيس المحكمة الدستورية، عدلي منصور، رئيسا مؤقتا لإدارة شئون البلاد. ولقي قرار إبعاد أول رئيس إسلامي منتخب تأييدا من قبل غالبية القوى السياسية، باستثناء جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي لها مرسي، وبعض حلفائها من تيار الإسلام السياسي، الذين اتهموا السيسي ب"الانقلاب" على الرئيس الشرعي، والتسبب في قتل المئات خلال فض اعتصامات رافضة لعزله ومحاكمته. وطالب السيسي، المدعوم من قوى عربية من بينها السعودية والامارات والكويت، بتفويض شعبي ل"مكافحة الارهاب المحتمل" بعد عزل مرسي، خاصة في شبه جزيرة سيناء، التي يخوض فيها الجيش والشرطة حربا ضد جماعات تكفيرية، بينما يرى الكثيرون في حدة الاجراءات الامنية ضد أنصار الاخوان ضرورة من قبيل الحسم الذي افتقدته مصر منذ سقوط مبارك. ويبدو أن ذكاء السيسي، والتفاف المؤسسة العسكرية حوله، لم يكن وحده هو ما مهد له الطريق للحصول على الدعم الشعبي، حيث سبقه فشل مرسي وجماعته في احتواء القوى السياسية غير الاسلامية، بعد عام كامل من الحكم، لم تتوقف خلاله الاحتجاجات ضد ما وصفوها بمحاولات "أخونة الدولة"، و"التمكين"، فضلا عن تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، مما دفع قيادة القوات المسلحة لتوجيه تحذير بالتدخل. وتزامنت تلك التحذيرات مع تخوفات متزايدة لدى رجل الشارع العادي من امكانية استمرار التدهور الامني والاقتصادي، وهو ما دفع باتجاه بزوغ نجم المشير الذي يراه عدد كبير من المصريين، بمثابة "المخلص"، و"رجل المرحلة"، من بين ألقاب أخرى اطلقت عليه خلال الفترة الأخيرة. وفي مرات ظهوره القليلة دعا السيسي، بنبرة صوته الهادئة وملامح وجهه الأبوية، إلى ضرورة العمل وتحمل الظروف الصعبة للنهوض باقتصاد تضرر بشدة بفعل احتجاجات الشوارع والعنف السياسي منذ سقوط مبارك عام 2011. ومن بين وعود السيسي، الذي يقول انه تعرض لمحاولتي اغتيال مؤخرا، أن المصريين سيلمسون تحسنا بعد عامين من رئاسته لكنه قال إنه لا يملك عصا سحرية يحل بها مشكلات مصر مرة واحدة. ويرى مؤيدو السيسي، الذي حصل على رتبة مشير في يناير/كانون ثان الماضي وهي أعلى درجة في القوات المسلحة المصرية، تكرارا لنموذج الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر (1956-1970) الذي خرج من عباءة الجيش أيضا عندما قاد ثورة على الملك فاروق في 23 يوليو/تموز 1952. وبات ابن المؤسسة الحربية سادس رئيس يحكم مصر والخامس ذو خلفية عسكرية، رغم رفض قطاع كبير من الشباب لرئيس بتلك الخلفية. علي فتحي* إفي