ثمة تطورات عدة تجري في الجزائر تشير إلى أن تدبير الصراع بين أجنحة السلطة قد وصل إلى درجة من التعقيد يصعب معها توقع إلى أين تسير الأمور. في الظاهر، أو على الأقل ما تزكيه التحليلات السياسية الجزائرية، يبدو الصراع بين جناحين في السلطة، الأول تقليدي عسكري أولغارشي يحاول تحصين مواقعه التقليدية، والثاني، استفاد من تجربة التعايش مع الجناح الأول ويحاول أن يتحرر منه بالاستناد إلى نخب أخرى سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى، فيما يبحث التيار الثالث الذي يتطلع إلى دمقرطة السلطة والثورة في الجزائر إلى التموقع ومنع حصول تسوية بين الطرفين على حساب القاعدة الشعبية العريضة. هناك على الأقل ثلاث تطورات كبيرة حصلت تدعم هذه التحليلات، منها التعيينات التي أقدم عليها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في قلب المؤسسة العسكرية والاستخباراتية والتي تؤكد وجود صراع قوى بين جناحين في السلطة، ومنها تصويت رجال الأعمال الجزائريين ضمن منتدى رؤساء المؤسسات بالأغلبية المطلقة على دعم برنامج الرئيس بوتفليقة والذي يبرز القاعدة الجديدة التي يستند إليها الرئيس بوتفليقة لحسم صراعه مع الجناح التقليدي العسكري الأوليغارشي، ومنها الدينامية السياسية والمجتمعية التي أفرزت تشكل أكثر من إطار مدني وتنسيقية سياسية لرفض ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، والتي تؤكد وجود تيار ثالث يرفض أن يكون وقودا للصراع بين الجناحين. لحد الآن، لا يلوح في الأفق أي مؤشر يدل على أن تدبير الصراع بين الجناحين سيتخذ شكلا مأساويا، بل المرجح أن الأمر سيتجه نحو تسوية، ينتج عنها تشكيل مركب سلطوي هو أقرب إلى النموذج المصري زمن مبارك، الذي وقع فيه توسيع قاعدة نخب الحكم، بإعطاء مساحة لرجال الأعمال ادمجوا في الحزب الوطني الذي ظل يحكم مصر لعقود من الزمن. خلافا لما يعتقد بكون الرئيس بوتفليقة سيقود مرحلة انتقالية سلسة من سلطة العسكر إلى سلطة مدنية، فإن المؤشرات التي تجري على الأرض تؤكد بأن الأمر لن يخرج عن التجربة المصرية زمن مبارك التي حدث فيها التعايش والانسجام بين مصالح النخبة العسكرية المتنفذة وبين مصالح رجال الأعمال الذين باتوا يشكلون القاعدة الجديدة للحكم في الجزائر. أما التيار الثالث، الذي يتطلع إلى دمقرطة السلطة والثروة في الجزائر، فيجد نفسه أمام خيارات محدودة، فمن جهة، رفضهم لولاية رابعة لبوتفليقة يتم الاستفادة منه عمليا من قبل الجناح السلطوي التقليدي، وفي المقابل، فإن قبولهم لولاية رابعة لبوتفليقة، تعني إعادة تكرار النموذج المصري الذي استأسد فيه رجال الأعمال التابعين للحزب الحاكم، واستفردوا بمقدرات البلد وعاثوا فيها فسادا وكانوا السبب الرئيس في اندلاع الثورة المصرية، ولذلك، تتراوح ديناميتهم السياسية والمدنية بين رفض ترشح بوتفليقو لولاية رابعة، وبين الاستعداد لمواجهة الفساد ما بعد الاستحقاقات الرئاسية. بلغة أخرى، إن التيار الثالث اليوم يدرك، أن فرص اندلاع ربيع ديمقراطي جزائري يصعد القوى الديمقراطية إلى دائرة الضوء محدودة، وأن توقيف المسار غير ممكن، وأن كل ما يمكن أن يتم هو أن يتم التخلص من الحكم القديم، وأن تتخلق الشروط الشعبية لمواجهة الفساد الذي سيكون العنوان الأبرز لاشتغال النخب الجديدة التي دخلت مربع الحكم. بكلمة، قد يكون ما يجري اليوم في الجزائر هو مقدمات ما قبل الربيع الجزائري المرتقب، فإذا كانت عقدة الخوف من إعادة الأحداث الأليمة التي عرفتها الجزائر بعد إجهاض التجربة الديمقراطية في بداية التسعينيات منعت القوى الديمقراطية من إطلاق شرارة الربيع، فإن هذه العقدة ستنحل كما انحلت مع الثورة المصرية في اللحظة التي أصبح فيها الحكم مظلة لرعاية الفساد وخدمة مصالح رجال الأعمال الفاسدين.