حمل البيان المقتضب الذي أصدره الإخوان المسلمون بمصر بمناسبة الذكرى الثالثة لثورة يناير بضع إشارات صريحة، تنطوي على مراجعات في غاية الأهمية، فيها اعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها الجماعة، ما يمكن أن يخرجها من حالة «الإنكار» التي سيطرت ليس على الجماعة فحسب، بل على العقل الجمعي المسلم، الذي يرى في أي عملية مراجعة نوعا من النكوص والهزيمة، حالة المراجعة والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت ضرورية حتى ولو جاءت متأخرة كثيرا، لكنها منجاة من الاستمرار في الإنكار، وتشكل شعلة لإضاءة طريق المستقبل. تقويم الإخوان للسنوات الثلاث الماضية لم يختلف كثيرا عن موقفهم العملي من الانقلاب، فهم لم يزالوا يرفضونه بالجملة، ويرفضون التعامل مع مخرجاته كافة، وهذا ليس موقفا عبثيا، بل ربما يعود لموقف حكام مصر الجدد الذين لم يتركوا ولو كوة صغيرة للمراجعة، فأغلقوا باب أي مصالحة وطنية، ومضوا إلى نهاية الطريق في إقصاء تيار الإخوان ومن يناصرهم، واستمروا في عملية اجتثاث عبثية لن تجدي نفعا على المدى البعيد، لأنها محكومة بالفشل، وكل ما هنالك أنها ستدفع ثمن المصالحة دما ومعاناة، فقط لا غير، وستطيل أمد محنة شعب مصر، إذ لا بد في النهاية من استيعاب هذا التيار؛ لأنه مكون أساس من مكونات الشعب ، لهذا يعلن الإخوان في بيانهم رفضهم التام للانقلاب، كما لفظهم ورفضهم، فيصفونه بأنه «انقلاب عسكري فاشي دموي، يحكم الآن بالإرهاب والنار، ويقبض على مفاصل الدولة ومؤسساتها بقبضة من حديد، وأعاد البلاد لحالة أسوأ وأبشع مما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير 2011» ويعيدون الانقلاب إلى «مؤامرات دولية وإقليمية ومحلية استغلت الأخطاء التي وقعنا فيها نحن جموع ثوار يناير، حينما حدث ابتعاد عن روحها العظيمة المتمثلة في الوحدة وإنكار الذات، ووقع التنازع والتعادي فيما بيننا، وإذا كان الجميع أخطأوا فلا نبرئ أنفسنا من الخطأ الذي وقعنا فيه، حينما أحسنا الظن بالمجلس العسكري، إذْ لم يرِد على خاطرنا أنه من الممكن أن يكون هناك مصري وطني لديه استعداد لحرق وطنه وقتل أهله من أجل تحقيق حلمه وإشباع طمعه في الوصول إلى السلطة، كما أننا أحسنا الظن في عدالة القضاء وأنه سيقتص للشهداء ويقضي على الفساد، حتى لا نقع نحن في ظلم أحد، ولا نتلوث بدم حرام».. ولا يقتصر الاعتراف بالأخطاء على «حسن الظن» بل ثمة إيماءة شديدة الوضوح إلى أن الإخوان «وعوا الدرس» ولو متأخرا جدا، و»اقتنعنا بحكمة أن الوطن للشعب كله بكل أفراده وفصائله وقواه، نديره عبر مشاركة حقيقية من كل أطيافه، لا تستثني أحدا، ولا تقصي أحدا، ولا تحتكر الحقيقة، ولا تتحكم في توزيع صكوك الوطنية بالهوى» وهذا اعتراف صريح بما وجهت بعض القوى للإخوان من اتهامات ب «التكويش» والإخلال بمبدأ المشاركة، وفي النهاية يعد الإخوان ب «كسر» الانقلاب، فيدعون الجميع إلى «التعاهد مع الله أولا، ومع بعضنا، أن نستمر في ثورتنا، حتى نحقق أهدافنا في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، بعد كسر الانقلاب ودحره، وألا ننخدع مرة أخرى بمحاولات العسكر إيقاع الفرقة والتنازع بين صفوف الثوار» ما يعني أننا سنشهد مزيدا من التصعيد خلال الفترة القادمة، رغم مضي حكام مصر الجدد في تنفيذ «خريطة طريق الانقلاب» الذي «يستعبد تسعين مليون مصري ومصرية أحرار لصالح حفنة من الفراعنة العسكريين المغامرين» كما يقول البيان.