ترتبط ظاهرة تمدرس أبناء المهاجرين المغاربة بصفة خاصة و العرب بصفة عامة بإسبانيا, بتطور ظاهرة الهجرة و استقرار المهاجرين بإسبانيا, و في هذا الصدد نشير إلى أن وصول أولى موجات المهاجرين يعود إلى سنوات السبعينات من القرن الماضي, بينما سجّلت أهم التدفقات انطلاقا من سنة 2000 بشكل متزامن مع التطور الكبير الذي عرفه سوق العمل الإسباني, أما في حالة المهاجرين المغاربة بصفة خاصة, فقد انتقل عدد المغاربة المسجلين في اللوائح البلدية للسكان مثلا من 173 ألف نسمة يناير 2000 إلى 783 ألف نسمة يناير 2011 و تظهر العديد من الدراسات الخاصيات الديمغرافية للهجرة العربية و المغربية بإسبانيا, بحيث أنها مشكّلة أساسا من الذكور, حيث يمثلون نسبة %64 من الجالية العربية المستقرة بإسبانيا, و يشير %62 منهم إلى العوامل الاقتصادية عند الحديث عن أسباب الهجرة, بينما تبقى هجرة الإناث أسرية في مجملها. و قد فرضت ظاهرة الهجرة بكل ما تحمله في طياتها من عادات جديدة, معتقدات مختلفة, و ثقافة أو ثقافات متعددة, على إسبانيا كبلد استقبال, تغيرات عدة و هامة و ذلك خلال السنوات الثلاثين الأخيرة, ليس فقط على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي, و لكن كذلك على المستوى التربوي نظرا للحضور المتزايد لأبناء المهاجرين في المدارس الإسبانية, و يكتسي هذا الموضوع أهمية استراتيجية بالغة, نظرا لكون التربية و التعليم الذي يتلقاه أبناء المهاجرين في المدرسة الإسبانية, يعدّ من الأدوات و الآليات المهمة لاندماج الجيل الثاني في المجتمع الإسباني و الذين يتمثلون بصفة عامة الثقافة الجديدة كغنى و إثراء فردي, و قد خصّص العديد من المهتمين و الأكاديميين أبحاثا عديدة حول هذا الموضوع لما يفرضه من تحديات آنية و أخرى مستقبلية. و تشير بعض الأرقام الرسمية أن عدد أبناء المهاجرين المسجلين بالمدارس الإسبانية ارتفع من حوالي 53.213 برسم الموسم الدراسي 1994/1995 إلى حوالي 530.954 برسم الموسم الدراسي 2005/2006 ثم انتقل هذا الرقم إلى حوالي 695.190 برسم الموسم الدراسي 2007/2008 أما عن نسب تواجد أبناء المهاجرين في المدارس الإسبانية حسب الجهات, فتشير إحصائيات سنوات 2007/2008 إلى أن أبناء المهاجرين يمثلون نسبة %13,9 بجهة مدريد, و في منطقة كاتلونيا فيمثلون نسبة %12,4 أما المعدل الوطني الإسباني فيصل إلى حوالي %9,4 من التلاميذ المتمدرسين, أما على مستوى لجنسيات فنجد الأغلبية تنتمي إلى دول أمريكا اللاتينية بنسبة %48 متبوعة بباقي الدول الأوربية الأخرى بنسبة %19 ثم إفريقيا بنسبة %17, يمثل الأطفال المتمدرسون المغاربة 18،52 في المائة من مجموع أبناء الجاليات الأجنبية المسجلة بالمؤسسات التعلمية الابتدائية والثانوية بهذا البلد ، متقدما على كل الجاليات الأجنبية الأخرى، ويأتي في المرتبة الثانية بعد المغرب الإكوادور ب 11،81 في المائة، ثم رومانيا ب11،51 في المائة. ويعتبر التّمدرس حقا من الحقوق التي يكفلها الدستور الإسباني لأبناء المهاجرين مثلهم مثل أبناء الإسبان و هو إجباري حتى سن السادسة عشرة, لكن و بالمقابل يجد أبناء المهاجرين بإسبانيا أنفسهم أمام تحدي كبير, يتعلق بالتحاقهم و اندماجهم في فضاء تربوي تختلف فيه الثقافة و العادات و القيم عن تلك التي تشبّعوا بها في إطار محيط العائلة, فمن المعروف أن المستوى الثقافي للفرد و الأسرة له دور مهم في عملية التوافق أو الاندماج في مجتمع الاستقبال, و هي عملية لا تخلو من صعوبات و من وجود عوائق عديدة منها الذاتية المتعلقة بالفرد حينما ينتقل للعيش في مجتمع له قيم و مميزات ثقافية مختلفة عن تلك المتداولة في مجتمعه الأصلي, و منها الموضوعية و التي تتعلق ببلد الاستقبال و ما مدى توفيره للمناخ المناسب و الآليات الضرورية لاحتضان المهاجر و إدماجه في محيطه الجديد, بطريقة تضمن له الحفاظ على هويته الأصلية مع الاحساس بالارتياح, بحيث لا يكون ملزما على تغيير ثقافته, و يبقى تمدرس الأبناء من العناصر الهامة في مسلسل اندماج الأسر المغتربة في الدول الأوربية عامة و إسبانيا خاصة, بفعل الاتصالات و التفاعلات التي يبيحها و يفتحها التمدرس مع المحيط الجديد. و توجد هناك العديد من العراقيل و الصعوبات أمام تمدرس أبناء الجالية العربية بصفة عامة في إسبانيا, نذكر من بينها أن أبناء المغتربين غالبا ما يجمعون في مدارس معينة حيث أصبحوا يمثلون الأغلبية, و هو ما يشكل نوعا من أنواع العزل, ذلك ما أشارت إليه الكثير من الدراسات التي أنجزت في البلدان الأوربية و هي ميزة سلبية يمكن أن نلمسها كذلك في إسبانيا و هو ما أكدت عليه الدراسة التي أنجزتها مؤسسة "محامي الشعب" سنة 2003 حول تمدرس التلاميذ المغتربين في إسبانيا, بحيث أن هذه العملية ينتج عنها مشاكل نفسية و اجتماعية عديدة, و هي مشاكل جديدة على المجتمع الإسباني الحديث العهد نوعا ما بظاهرة الهجرة و كل ما تحمله من تحديات ثقافية, تربوية و اجتماعية. و تعتبر اللغة من العوامل التي تعيق تمدرس أبناء المهاجرين بإسبانيا, حيث أن نسبة %97,3 من الآباء يحبذون فكرة احتفاظ أبنائهم بلغتهم الأصلية , و بالمقابل تشير العديد من الدراسات أن هذا العامل له ايجابيات عديدة و لا يتعارض مع تحقيق تقدّم مهم حين يقتضي الأمر تعلم لغة البلد المضيف, لكن الملاحظ هو وجود خصاص فيما يخص المناهج البيداغوجية لتعلم اللغة العربية بالنسبة لأبناء الجالية العربية القاطنة بإسبانيا, كما أن ساعات التعلم تبرمج خارج التوقيت المدرسي المعتاد, و في بعض الحالات تتحول هذه الدروس إلى نوع من الرقابة السياسية و الدينية للعائلات المهاجرة, و بشكل عام يعتقد أنه مع "أسبنة" أبناء المهاجرين, من خلال تعلمهم اللغة الإسبانية تحل جميع مشاكل الاندماج, إلا أن الأمر غير ذلك, فتعلم اللغة الإسبانية ما هو إلا خطوة في اتجاه الاندماج المتوازن في المجتمع الجديد أما عدم تعلمها فيقود إلى الفشل المدرسي و التهميش الاجتماعي داخل المدرسة, و يبقى عليهم اكتشاف طرق الحياة و نظام العلاقات و العادات, و بإيجاز يبقى عليهم اكتشاف الثقافة و الحضارة الجديدة, يتم ذلك و هم يحملون ثقافة البلد الأصلي و هي ثقافة مغايرة كثيرا لثقافة بلد الإقامة, و غالبا ما يدفع امتزاج الثقافتين أبناء المهاجرين إلى المقارنة و الاختيار, و من ثم تتولد الاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى مآسي عديدة, كما أنها تتمظهر في الأقسام الدراسية الأولية دون أن يجد لها المدرّسون حلا ناجعا, بحيث أن العديد من أبناء المهاجرين يلجأون إلى العنف و السلوك العدواني أمام التعليقات العنصرية التي يتعرضون لها من زملائهم, إضافة إلى ذلك, فالنقد أو النصائح التي يوجهها لهم المدرسون تعني بالنسبة لهم السخرية, الرفض و العنصرية, كما أن امتلاك أبناء المهاجرين للغة بلد الاستقبال يؤدي, شيئا فشيئا إلى القطيعة المتزايدة مع المحيط العائلي و المجتمعي و من بين العوامل التي تؤثر بشكل سلبي على المستوى الدراسي لأبناء الجالية العربية, وضعية الهشاشة الاجتماعية و ضعف المستوى الاقتصادي للعديد من العائلات و هو ما يمنعها من توفير كل الشروط الضرورية لإنجاح تمدرس الأبناء من قبيل توفير فضاء خاص للدراسة داخل المنزل بكل ما يحتاجه الابن من أدوات و شروط الراحة لكي يكون عطاءه بالمدرسة في المستوى المطلوب, توفير العناية و الوقت اللازم من قبل الآباء لمتابعة المشوار الدراسي لأبنائهم و ذلك راجع إلى ضعف الموارد المادية للأسر المهاجرة. و يواجه الأساتذة و المدرسون مشاكل و عراقيل عديدة أثناء عملية تمدرس أبناء المهاجرين, بحيث يلاحظ ضعف معرفة المدرّسين و الإدارة التربوية لثقافة أبناء المغتربين و حاجياتهم الخاصة, و هو ما ينتج عنه فهم خاطئ للسّلوكات التي تصدر عنهم, كما أنهم لا يملكون الآليات اللازمة لمد جسور التواصل مع عائلات هؤلاء التلاميذ لتتبع مشوارهم الدراسي, و يصرّح العديد من الأساتذة و المدرسين أنهم لا يتوفرون على الوقت الكافي أو التكوين و المساعدة اللازمين لمواجهة مهمة تمدرس أبناء المهاجرين و هو ما يؤثر بشكل سلبي على نتائج العملية الدراسية بصفة عامة, فعلى مستوى النتائج الدراسية, يحصد أبناء المهاجرين نتائج دراسية أضعف من أقرانهم الإسبان خاصة في بعض المواد العلمية مثل الرياضيات و ذلك راجع بالأساس للوضعية السوسيو اقتصادية للأسرة و كذلك للّغة التي يتحدث بها التلميذ داخل الأسرة, كما يرجع كذلك إلى الاستراتيجية التربوية و الاندماجية لكل بلد ووجود برامج الدعم اللغوي لفائدة أبناء المهاجرين. من العراقيل الأخرى التي تواجه تمدرس أبناء المهاجرين كذلك, الرفض الاجتماعي الذي يواجهونه داخل مؤسسة المدرسة, سواء من طرف بعض الأساتذة و المدرسين أو من بعض التلاميذ, فحسب بعض الدراسات المنجزة في هذا المجال, نجد أن نسبة %24,1 فقط من الأساتذة يصرّحون برغبتهم في تدريس أبناء المهاجرين, بينما نجد نسبة %36,5 من التلاميذ لهم مواقف سلبية تجاه أبناء المهاجرين داخل المدرسة, و ذلك لما يحملونه في مخيلتهم من أحكام مسبقة و جاهزة حول المهاجرين و الهجرة بصفة عامة. و قد أثرت الأزمة الاقتصادية على تمدرس أبناء المهاجرين بإسبانيا, حيث أشارت دراسة رسمية أن نسبة التحاق أبناء المهاجرين بالمدارس العمومية قد سجّل تراجعا ملحوظا خلال السنتين الأخيرتين, ويندرج هذا التراجع المسجل في نسبة تمدرس أبناء الجالية المغربية بإسبانيا ضمن التراجع العام الذي جرى رصده في صفوف المتعلمين الاطفال من أبناء الجاليات الأجنبية بإسبانيا، هو التراجع الذي سُجل للمرة الثانية خلال العامين الماضيين و هو ما يقلق بال المهاجرين المغاربة و العرب, وأكد هذه المعطيات تقرير رسمي صادر عن دراسة أعدها معهد تكوين الأساتذة بإسبانيا، نشر مؤخرا، حيث أبرز أن نسبة المتمدرسين الأجانب، بينهم أبناء الجالية المغربية، بالمؤسسات العمومية الإسبانية من دون الجامعة، قد انخفض من 9،81 في المائة إلى 9،53 خلال العام 2011. ختاما, نشير إلى دراسة قام بها الاتحاد الأوربي سنة 2004 حول تمدرس أبناء المهاجرين في 15 دولة أوربية و التي خلص فيها إلى أن النظام التربوي بصفة عامة يعرف فشلا ذريعا فيما يخص تمدرس أبناء المهاجرين بحيث لا يستجيب لحاجيات هذه الفئة الخاصة, و بالتالي فهو يراوح مكانه بين سياسات للاندماج غير فعّالة و تهميش يأتي نتيجة فشل و قصور كل الجهود المبذولة من طرف المؤسسات الرسمية.