في تصعيد مرعب في مجريات الحملة الأمنية العنيفة التي يشنها نظام الأسد على الشعب السوري، تشق طائرات الهليكوبتر الحربية المجال الجوي فوق الريف السوري وتطلق النار على المدنيين ومعاقل المعارضين، إضافة إلى ترسانة من الدبابات والمدفعية التي تستهدف أولئك الذين تجرّؤوا على المعارضة. دمشق: يستخدم النظام السوري الدبابات وطائرات الهليكوبتر والمدفعية لسحق المعارضة الشعبية ضد الرئيس بشار الأسد في شمال البلاد. في هذا السياق، نقلت صحيفة ال"تليغراف" عن الجنود والمدنيين والأطباء والنشطاء، الذين فروا إلى تركيا، مشاهداتهم عن قصص الرعب التي تتكشف في شمال سوريا. قال الشهود الذين عبروا الحدود الى تركيا الأسبوع الماضي ان 82 شخصاً قتلوا في محافظة ادلب في ستة حوادث كبرى خلال الأيام الأخيرة، ويرجح أن يكون الرقم الإجمالي في جميع أنحاء المنطقة أعلى من ذلك بكثير. وأشار أحد الرجال المذعورين إلى أنه شاهد ما يصل إلى 40 جثة بعد أن هاجمت طائرات الهليكوبتر وقوات المشاة قريته، التي تبعد بضعة كيلومترات عن الحدود السورية-التركية. في الوقت الذي يتركز فيه الإهتمام على حمص، التي كانت مسرحاً للحصار والذبح في وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت قوات الأمن العنان لنيرانها على بعد 100 ميل الى الشمال، في هجوم جديد على مدينة إدلب. أمس كانت هناك مخاوف متزايدة من ان الهجوم على مدينة ادلب، معقل الثورة في الشمال، سيتحول البلدة إلى حمص ثانية. وأبلغ السكان عن رتل من 42 دبابة و131 ناقلة جند متجهة إلى المدينة، قصفت المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وقطعت الطريق لتشديد الحصار. هرباً من المدافع ونيران القناصة، شعر محمد (20 سنة) انه عاجز عن الدفاع عن نفسه، لا سيما عندما هوجمت قريته، من قبل ثلاث طائرات هليكوبتر فجر يوم الاربعاء. "استمر الهجوم مدة ست ساعات. حلقت وحلقت، ثم أطلقت الرشاشات على المباني. كنت أشاهد ما يجري من الغابة. اقتحمت قوات المشاة البلدة فيما كانت المروحية تحلق فوق المنازل. رأيت 30 أو 40 جثة في الشوارع، بما في ذلك جثث أطفال. واستطعت التعرف على البعض منهم، قتلوا برصاص الجنود أو بنيران الرشاشات من طائرات الهليكوبتر". أمام هول هذه المناظر، فر محمد إلى تركيا لأنه كان خائفاً جداً من العودة إلى منزله حتى لا يكون مصيره مشابهاً للجثث التي رآها. هربت عائلة محمد قبله بيوم واحد إلى تركيا، لا سيما وأن المنزل بات خالياً من الرجال بعد أن اعتقل والده وشقيقه، فبقيت أمه وأخواته الخائفات من الشائعات التي تفيد بأن قوات الأسد ستدخل المنازل. واضافت الصحيفة ان الجنود يتمركزون في المناطق الجبلية من محافظة إدلب، ويستخدمون الدبابات وطائرات الهليكوبتر كسلاح إرهاب وحشي، كما يحملون عشرات الصواريخ وعدد من الرشاشات الثقيلة، ويطلقون المئات من القذائف في الدقيقة الواحدة. واستخدم النظام السوري السلاح الجوي للمرة الأولى منذ بدء الثورة الشعبية في بلدة جسر الشغور من محافظة إدلب، ثم الشهر الماضي في مدينة حمص. لكن السلاح الجوي السوري المجهز بالطائرات والمقاتلات الروسية يتردد حتى اللحظة في استخدام القوة العسكرية الجوية الكاملة ضد الثوار، ربما خوفاً من منح حلف الشمال الأطلسي ذريعة لإعلان منطقة حظر طيران فوق سوريا. استطاع محمد الهروب لأن قريته تبعد 10 أميال عن الحدود التركية. أما بالنسبة للآخرين، فإن عملية الهروب أكثر صعوبة، فالجنود الذين تدفقوا على الجزء الشمالي من محافظة إدلب، يحاولون تطويق المنطقة ويطلقون النار على أي شخص يتحرك. الأراضي التي كانت قبل بضعة اسابيع في أيدي المتمردين عادت الآن تحت سيطرة النظام. كما أن التضاريس الوعرة شمال ادلب جعلتها قاعدة لتدريب وتنظيم الجيش السوري الحر, لكن هذا الخيار يبدو اليوم مستبعداً على نحو متزايد. ووصف "عبدول"، الجندي المنشق الذي وصل الى تركيا عن طريق القوارب، والسوريا بأنها ساحة معركة مخيفة. وأضاف: "الناس مرعوبون في كل مكان، وقد فر الآلاف من منازلهم في الريف حيث كانوا مختبئين، دون طعام أو مأوى في برد الشتاء القارس. وباتت القرى وكأنها مسكونة بالأشباح". في مراحل الثورة الأولى، كان الثوار يزدادون قوة. لكن بعد إثارة غضب النظام، باتوا عاجزين عن التحرك بعد الهجوم الذي شنته قوات الأسد. وأشارت ال"تليغراف" إلى أقاويل عن أن دولة قطر ستدعم المعارضة السورية عسكرياً عن طريق تقديم أسلحة تبلغ قيمتها 63 مليون جنيه استرليني، بقدر المبلغ الذي دعمت فيه الثوار المناهضين للقذافي في ليبيا العام الماضي. ومع ذلك، قال مقاتلو سوريا الذين قابلتهم الصحيفة انهم لم يتلقوا أي مساعدة أجنبية للصمود في وجه نظام الأسد. ونقلت الصحيفة عن "ابو علي"، أحد الثوار السوريين الذي فرّ من العنف إلى تركيا بصحبة عائلته: "بالطبع لدينا استراتيجية دفاعية، لكن المشكلة هي أننا نفتقر إلى الأسلحة، والمال، وكل شيء. يستطيع المدنيون الحصول على بعض المساعدة لكن نحن كمقاتلين، لا نحصل على شيء ". في الأشهر الخمسة الماضية، ساعد أبو علي نحو 5000 مدني على الهرب من سوريا، سيراً على الأقدام نحو ساعتين من الزمن، للوصول إلى الحدود التركية. ويقول: "هذا بات مستحيلاً اليوم، فهناك قناصة تراقب الطريق ولا أحد يستطيع السير أو التحرك. النظام يفعل كل ما في وسعه لقتلنا". واعترف انه يشعر بالاكتئاب من قبل ما يحدث على بعد بضعة أميال، واضاف: "سوف نتغلب على الأسد بطريقة أو بأخرى، لكن الآن لا نحصل على العون سوى من الله". في ظل الوضع اليائس، واستمرار عمليات القتل بحق المدنيين- الذين أقسم الجيش السوري الحر على حمايتهم – يبدو أن هذه المجموعة بدأت بالانقسام. في هذا السياق، اعتبرت الصحيفة ان العقيد رياض الأسعد، زعيم الجيش السوري الحر، أشبه بال"سجين في مخيم للاجئين بالقرب من أنطاكيا التركية، وغير قادر على المغادرة خوفاً من الاغتيال". وأشارت ال "تليغراف" إلى وجود انقسامات بين المجموعة المسلحة، ليس اقلها مجموعة "الضباط الأحرار" و"جيش التحرير السوري"، ما يجعل من جهود التنسيق مهمة صعبة للغاية. واعتبرت ان التقسام وعدم وجود تنسيق فعال بين المجموعات السورية المعارضة، يعرقل الحصول على تأييد خارجي لتسليح الثوار في سوريا. لكن وحشية النظام لم تسحق إرادة الثوار في سوريا، على الرغم من أن المعارضة تزعم أن نحو 100 شخص يتعرضون للقتل كل يوم على أيدي قوات الأمن. وأصر سامر، وهو محاسب من مدينة دركوس الحدودية، أن القمع لا يؤدي إلا إلى تصميم أكثر من قبل المعارضين. وأشار إلى أنه أحضر أطفاله الأربعة إلى تركيا يوم الخميس، ودفع الرشاوى ليستطيع المرور من خلال نقاط تفتيش الجيش، وذلك بعد أن اجتاح الجيش السوري البلدة. بعد ان تأكد من أن عائلته في أمان في مدينة أنطاكيا التركية، يخطط سامر للعودة إلى سوريا للانضمام إلى الاحتجاجات. ويقول وعيناه مغرورقة بالدموع "عندما أموت، على الأقل سأكون على يقين بأن أطفالي سيذوقون طعم الحرية".