لائحة من الملفات الثقيلة والحساسة تنتظر وزراء حكومة عبد الإله بنكيران، وخاصة وزراء العدالة والتنمية، لاعتبارات عدة، أن أداء وزراء حزب الاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، لا ينتظر منه الشيء الكثير، لأننا نتحدث عن أحزاب تتحمل مسؤولية (ضمن مسؤولين آخرين، خارج المؤسسة الحكومية)، وراء مؤشرات الفساد والرشوة التي أصبحت تلطخ صورة المغرب عالميا، وبالتالي، لا يتوقع الرأي العام أن تصبح هذه الأحزاب، قائدة لواء الإصلاح بين عشية تعديل الدستور وضحى الانتخابات التشريعية الأخيرة. تأسيسا على هذه المقدمة، وأخذا بعين الاعتبار أن حزب العدالة والتنمية حصد الرتبة الأولى في انتخابات 25 نونبر الماضي، لنا أن نتصور حجم انتظارات الشارع والرأي العام بخصوص أداء وزراء الحزب الإسلامي، وحجم الملفات الكبيرة التي تنتظر هؤلاء الوزراء، وتهم العديد من القطاعات الاستراتيجية والحيوية. وعود إسلامية بالجملة لا نؤسس أهم ما جاء في وعود الحكومة الحالية على مضامين التصريح الحكومي، وإنما على ما جاء في آخر خرجة إعلامية لوزير الاتصال، والناطق الرسمي باسم الحكومة، في برنامج بثته فضائية "ميدي 1" مساء الأحد الماضي (في إطار برنامج "ملف للنقاش")، حيث أوضح مصطفى الخلفي، أن الحكومة ستعمل، فور تنصيبها، على إقرار إجراءات تتعلق ب"مواجهة الفساد والفقر والبطالة، وضمان العدالة الاجتماعية، والنهوض بقطاعات الصحة والتعليم والسكن، باعتبارها الأولويات الكبرى التي انتخب المغاربة الحكومة لمباشرة العمل عليها"، مضيفا أن هذه الإجراءات "ستضمن تعبئة والتفافا وطنيين حول الإصلاحات الهيكلية الكبرى التي ستنخرط فيها الحكومة"، وأن "البرنامج الحكومي، (المؤجل في الواقع) يشكل "خريطة طريق لتنزيل مقتضيات الدستور الجديد على المستوى المؤسساتي والقوانين التنظيمية والعادية، والسياسات العمومية المتعلقة بمجال الحقوق والحريات".. كما أن الحكومة "ستنتقل من خلال هذا البرنامج من مستوى العمل القطاعي إلى العمل وفق رؤية مندمجة لقضية الحكامة، وذلك بتضمينه إجراءات تطبيقية مرفوقة بأهداف ومؤشرات رقمية، في إطار تعاقدات حول خمس قضايا تشكل المحاور الأساسية للبرنامج". أسلمة الحرب على الفساد قد يكون ملف الحرب على الفساد، أكبر هذه الملفات على الإطلاق، ليس فقط بسبب فشل الحكومات السابقة، ولكن أيضا، بحكم أن الشعار الأوحد والبارز الذي ترفعه حركة 20 فبراير ومعها باقي المتظاهرين في الشارع، هو "الشعب يريد إسقاط الفساد". لم نسمع أي تدقيق أو إصرار من الناطق الرسمي باسم الحكومة في آخر تدخل له، بخصوص موضوع الفساد، وإنما تطرق على الخصوص لملفات أو مشاريع "تعزيز الهوية المغربية، والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، وإرساء دولة المؤسسات وتعزيز الحريات وتنزيل الجهوية المتقدمة، وكذا تعزيز السيادة والدفاع عن الوحدة الترابية وتقوية الإشعاع الخارجي للمملكة.. أمّا ما يتعلق بالشق الاقتصادي، قال الرجل إن الحكومة "ستعمد إلى استعادة التوازنات الماكرو-اقتصادية، والحفاظ على معدل النمو في مستوى 5% خلال السنة الجارية، قبل الانتقال به في السنوات المقبلة إلى مستوى 7%.. موضحا أن ذلك سيتم في إطار "سياسة اقتصادية طموحة تركز على ما هو صناعي، وعلى فتح أسواق جديدة، إضافة إلى حل مشكلة العجز التجاري". لا يوجد خلاف أو تشكيك في شرعية ومرجعية المؤسسة الملكية في المغرب، (اللهم إن استثنينا شعارات بعض متطرفي اليسار واليمين الدينين وهو قلة وشرذمة في جميع الحالات)، وبالتالي، وبخلاف ما جرى في أغلب الثورات العربية، لا يتم في المغرب رفع شعار الشعب يريد إسقاط النظام، وإنما يتم رفع شعار الشعب يريد إسقاط الفساد، وإسقاط بعبع الفساد هذا، هو عين ما يحلم به الشارع المغربي، خاصة أن الحزب الإسلامي يرأس الحكومة الحالية، الوحيد الذي جعل "محاربة الفساد والاستبداد" شعارا لحملته الانتخابية في تقاطع واضح مع مطالب الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في الشارع المغربي قبل عام، وهذا ما توقف عنده الباحث في العلوم السياسي، جعفر بن موسى، من أن بنكيران، يمكن أن يستفيد من هامش الصلاحيات الدستورية التي منحت له من أجل البدء في إصلاح قطاعات حيوية ستساعد في محاربة الظاهرة، وعلى رأسها إصلاح القضاء والنيابة العامة، مشيرا إلى أن إسناد وزارة العدل والحريات لحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي بنى حملته الانتخابية على محاربة الفساد والاستبداد، سيؤهله لاتخاذ إجراءات هامة في مجال تخليق الحياة السياسية والعامة. وما يجب أن يستحضره فريق الحكومة الحالية، هو ما توقفت عنده منظمة "ترانسبرنسي" في فرعها المغربي، من أن حالة التبليغ عن الرشوة والفساد التي تلقتها مراكز الدعم القانوني التابعة للجمعية، بلغت سنة 2011 أزيد من 547 شكوى، مقابل 835 شكوى سنة 2010، مضيفة أنه على الرغم من أن نسبة الشكاوى التي توصلت بها الجمعية انخفضت بنسبة 20 في المائة، فإن فحص طبيعتها يبرز أن الرشوة "حالة مزمنة" كذا في بعض القطاعات، ذلك أن 61 في المائة من الشكاوى المتوصل بها تخص حالات طلب الرشوة في عدد من القطاعات العامة مثل القضاء، الصحة، وشرطة المرور، أما 26 في المائة من الشكاوى فتتعلق بغياب الشفافية، مقابل 6 في المائة تهم الشطط في استعمال السلطة. نموذج تطبيقي في الحرب على الفساد لننتقل الآن إلى الواقع، ونترك شعارات الحملة الانتخابية للحزب الإسلامي، وخاصة شعار "محاربة الفساد والاستبداد"، حتى نختبر قدرة جماعة بنكيران على ترجمة هذه الشعارات على أرض الواقع. فأيام قليلة بعد انعقاد أول مجلس حكومي بقيادة رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، بدأت العديد من المنابر الإعلامية، تنشر غسيل بعض ملفات الفساد التي تزكم أنوف المغاربة الذين صوتوا على الحزب الإسلامي، ومنها، فضيحة تهم مؤسسة "الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري"، المعروفة اختصارا تحت اسم "الهاكا"، بخصوص فساد مالي يهم قسم المشتريات، حيث اتضح اختفاء نحو 330 ألف درهم في صفقات وهمية. وحسب مصادر من داخل الهيئة فإن الإدارة ما زالت تتردد في تقديم القضية إلى القضاء خاصة وأن المشتبه بتورطه فيها هو قريب لأحد "حكماء" المجلس السابق. ولا داعي لتذكير أعضاء الحكومة الحالية بالتي رفعت شعار "الحرب على الفساد"، أن آخر فضائح "الهاكا"، تأتي لتنضاف إلى المصاريف غير المبررة التي أنفقت في "الخلوة"، التي نظمتها الإدارة الجديدة تحت إشراف مديرها الجديد نوفل الرغاي، بمدينة مراكش لأعضاء المجلس الجديد، وعددهم 9 حكماء. وكانت عدة وسائل إعلام قد تحدثت خلال شهر أكتوبر الماضي، عن صرف ما يناهز 280 مليون سنتيم، لتغطية مصاريف إقامة "خلوة تفكير" لمدة ثلاثة أيام، تضمنت سهرات فاخرة نظمت على شرف نحو 28 من حكماء الهيئة وكبار موظفيها. ملفات اجتماعية ساخنة من الملفات الساخنة التي تنتظر الحكومة الحالية، الملف الاجتماعي، وهنا لا بد من التوقف عند باقي الأسماء الحكومية، حتى لا يصبح وزراء العدالة والتنمية، هم المعنيون بالمتابعة الإعلامية والبحثية، مقابل طبق الصمت عن باقي الطاقم الحكومي. يتعلق الأمر في الواقع بكل من الأسماء التالية: "محمد الوفا (وزير التربية الوطنية، والذي ينتظره العاطلون من الذين يقتحمون وزارة التربية الوطنية بين الفينة والأخرى، وهناك الميليادير عزيز أخنوش (وزير الفلاحة)، نزار بركة (وزير الاقتصاد والمالية)، عبد القادر عمارة (وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة)، نبيل بنعبد الله (وزير السكنى والتعمير)، بسيمة الحقاوي (وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية)، أو المرأة الوحيدة في حكومة الرجال، الحسين الوردي (وزارة الصحة)، عبد اللطيف معزوز (الوزير المنتدب المكلف بالمغاربة المقيمين في الخارج). ولعل تأمل بعض التطورات المتعلقة بالقطاع الاجتماعي، والتي تمت في غضون الأيام الأخيرة، أي تزامنا مع بدء الحكومة الحالية لعلمها التدبيري، يؤكد حجم وجسامة المهام الملقاة على فريق بنكيران: وهكذا بدأت حكومة بنكيران أول أيامها باحتقان اجتماعي واسع تمثل في الاحتجاجات التي خاضها المعطلون في شوارع الرباط، واقتحامهم لمقر الأمانة العامة للحكومة، والاقتحام الذي نفذه المعطلون المكفوفون لمقر وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة، والمواجهات التي حصلت بين المعطلين ورجال الأمن بمدينة تازة، إذ أظهرت هذه الاحتجاجات مدى الرهانات الاجتماعية المطروحة على الحكومة الجديدة، وهي احتجاجات مرشحة لتأخذ مزيدا من التصعيد في الفترات القادمة. السلفية الجهادية.. امتحان الرميد وبنكيران بعد أن كان مصطفى الرميد، يساهم في تدبير ملف المعتقلين الإسلاميين انطلاقا من موقعه كرئيس لمنتدى الكرامة، أصبح يدبره اليوم، انطلاقا من موقعه في كرسي وزارة العدل، ولا شك أن ملف "السلفية الجهادية" يعد من التركات الأمنية الثقيلة، التي لا يوجد حلها بيد جهة واحدة، وهو ما يثير المخاوف من تراجع الرميد، بما يخول لعبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين، الاعتراف أنه "من باب الأمانة أنقل لكم، مختصرا، لما سمعناه من بعض المعتقلين وأهاليهم، وهم يعقدون الآمال تلو الآمال قبل وبعد تعيين الحكومة على أن تكون وزارة العدل (في فترة مصطفى الرميد) مفتاح الفرج لا أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء حينما وقف وزير الداخلية السابق أمام البرلمان، مجيبا عن سؤال حول الحوار مع معتقلي السلفية الجهادية، ليشترط على المعتقلين شروطا ردوا عليه هم ببيان ناري .... إن الذي يطالبنا بالتوبة هو الذي أحق أن يتوب". كما ينتظر أن يتوجه منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، الذي كان يرأسه مصطفى الرميد قبل أن يقدم استقالته بعد شغله المنصب الجديد، في الأيام القليلة المقبلة، بطلب من أجل لقاء وزير العدل والحريات، قصد مناقشة موضوع إطلاق دفعات جديدة من المعتقلين الإسلاميين، وقد صرح محمد حقيقي، المدير التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، إن "ميثاق 25 مارس أظهر أن التعامل الإيجابي مع هذا الملف ممكن". الأكيد أن ملف السلفية الجهادية أول امتحان لرئيس الحكومة ووزيره في العدل، على اعتبار أن هذا الملف هو أحد عناوين المواجهة بين الإسلاميين والسلطة، خاصة في الشق المتعلق بالمحاكمات والتعذيب، وبالتالي، فإن تسويته، على ما يبدو، لن تكون لن تكون سهلة، ومعها تسوية وتدبير ملفات ساخنة أمام حكومة عبد الإله بنكيران.