وأخيرا، قرر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية التموقع في صف المعارضة، وجاء هذا القرار بعد تصويت داخلي بمقر الحزب الأحد ما قبل الأخير، الماضي بالرباط، ولكن المشكل الأكبر أن الحزب "العتيد" سيعود إلى المعارضة بوجوه شاخت وكاريزمات ذبلت لم يعد بريقها يلمع، وأصبحت تفعل في الحزب ما تشاء، وتتحمل مسؤولية كبيرة في تراجع شعبيته لدى الناخب المغربي، كما زكت ذلك نتائج آخر الانتخابات التشريعية. بعد 14 سنة من ممارسة المسؤولية الحكومية التي باشرها في أول حكومة للتناوب التوافقي، مع اعتلاء الملك محمد السادس العرش، قرر المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (باعتباره، نظريا فقط، أعلى هيئة تقريرية للحزب) عدم المشاركة في حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي اكتسح البرلمان بعد فوزه الساحق ب107 مقاعد من أصل 395 في الانتخابات التشريعية ليوم 25 نوفمبر الماضي، محتلا بذلك المرتبة الأولى بعيدا عن حزب الاستقلال الحائز على المرتبة الثانية ب47 مقعد. صفقات لشكر والراضي التي أجهزت على أحلام الاتحاديين استبق محمد الأشعري، وزير الثقافة السابق، قرار قيادة الحزب، بنشر مقال رأي في جريدة "أخبار اليوم"، معتبرا أنه "بدون مقدمات منمقة، لا نريد الحكم مع العدالة والتنمية، ليس لأننا نرفض حكم صناديق الاقتراع، بل لأننا حريصون على تطبيق هذا الحكم، ومقتنعون بأن المنهجية الديمقراطية تقتضي أن يحكم المنتصر مع أقرب الناس غليه فكرا وتاريخا ورؤية للمستقبل"، وأضاف الأشعري "لا نريد الحكم مع العدالة والتنمية ليس لأننا نريد التشويش على انتصاره الدامغ، فنحن ندرك أنه حقق فوزا ساحقا يستحقه" و"لا نريد الحكم مع العدالة والتنمية احتراما لانتصارهم. لن نكون أداة للضبط داخل الحكومة. إذا صارعوا من أجل تطبيق الدستور سنكون معهم، وإذا صارعوا من أجل محاربة الفساد ونظام الامتيازات سنكون معهم، وإذا دافعوا عن إصلاحات جوهرية تساهم في تقدم بلادنا سنكون معهم، ولن نكون معهم فيما عدا ذلك". وأكد الأشعري "كديمقراطيين لا يمكن أن نساهم في الالتباس وخلط الأوراق، لا يمكن للاتحاد الاشتراكي أن يحكم مع الليبراليين والإسلاميين والاشتراكيين وكل ألوان الطيف السياسي المغربي لأن مستقبل المؤسسات السياسية في المغرب يقتضي وضوحا كاملا في الأفكار والمشاريع والواقع". ما لم يتوقف عنده الأشعري هو صمته طيلة دورتان تشريعيتان عن ممارسات سياسوية ينتقدها اليوم، وتواطؤ العديد من قيادات الحزب (اليازغي ولشكر والراضي على الخصوص)، في صفقات سرية مع مقربين من دائرة صناعة القرار، ساهمت في تمريغ صورة الحزب، ومن ينسى صفقة إسكات إدريس لشكر بمنصب الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، حتى يتوقف عن تهديداته بخصوص احتمال تحالف الاتحاد الاشتراكي مع العدالة والتنمية، ووصفه لمشروع فؤاد عالي الهمة بأنه مشروع يهدد الديمقراطية المغربية؟ أداء قيادي مخيب لآمال وقاتل لمشروع الاتحادي نظريا إذن، جاء قرار الخروج للمعارضة، بناء على خلاصات لقاء المجلس الوطني، لولا أنه خلافا للكلام الكبير الذي حرره محمد الأشعري، من أن حزبه لا يريد الحكم مع العدالة والتنمية لأنه يختار المستقبل ويختار القيام بنقد ذاتي، والاعتراف بالأخطاء، والعمل على إصلاحها، فإن أسباب هذا القرار مرتبطة بصرامة شروط العدالة والتنمية بالنسبة للوزراء المعنيين بدخول البوابة الحكومية، حيث اشترط العدالة والتنمية أن يكون الوزراء الجدد، من طينة الشباب أولا، وألا يكونون من ذوي التجربة الحكومية، وهي الشروط التي لا تنطبق على كهول الاتحاد الاشتراكي، من الذين كانوا يحلمون بالاستوزار، ونذكر على الخصوص الكهول عبد الواحد الراضي، أقدم برلماني في المغرب وفي العالم، امحمد المالكي، الذي أثبت فشله في الاستوزار سابقا، إدريس لشكر، الذي يستغرب اشتراكيون في الرباط كيف نجح في الانتخابات التشريعية، إذا كانت قواعد الحزب رفضت التصويت لصالحه، وصاحب أسوأ سمعة في الأوساط الاشتراكية، فتح الله ولعلو، بأداءه الهزيل والمتواضع جدا في عمودية العاصمة الرباط، محمد اليازغي الذي لم يتردد في وضع ابنه في الرتبة الثانية ضمن اللائحة الوطنية، وغيرهم من الأسماء التي تطالب قواعد اشتراكية اليوم بأن تقدم استقالتها من تدبير ما تبقى من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. (بالتوقف عند حالة الظاهرة إدريس لشكر، أجمعت قواعد اتحادية، أن فوزه في الانتخابات التشريعية الأخيرة في "دائرة الموت"، جاء بعد تدخل مسؤول وازن.. ). إن الاتحاد الاشتراكي الذي شار ك في حكومتين متتاليتين، كان أداؤه مخيبا للآمال، بل وفقد وزنه داخل الساحة السياسية المغربية، مع كل استحقاقات تجرى سواء تعلق الأمر بالتشريعات أو الانتخابات المحلية، وكما لاحظ أحد المتتبعين، فلا أحد يصدق جزء من الرأي العام حكاية نزول أحزاب الكتلة إلى المعارضة وكأنها معجزة لا يمكن أن تتحقق، والسبب أن هذه الأحزاب ومنذ دخولها إلى الحكومة منذ 13 سنة وهي تعض على مقاعد الوزارات بالنواجذ، ولا تريد أن تترك الحكومة وكأنها ستتيتم إن هي خرجت إلى المعارضة. ومن ينكر أن حكومة عباس الفاسي رجعت بالمغرب سنوات إلى الوراء، فقط عندما قبل عباس وفريقه أن يحولوا الحكومة إلى هيئات استشارية لتصريف الأعمال، وترك القرار الاستراتيجي لأصدقاء الملك ومستشاريه الذين عثروا على وزير أول منبطح لم يكونوا يحلمون به، فكيف تريد القيادة الاتحادية أن تقنع الرأي العام بجدية الأسباب التي دفعتها لطرق باب المعارضة؟ ومن الطريف والدال، أن كل من تابع تغطية الاجتماع الذي خصصه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من أجل الحسم في الخروج إلى معارضة حكومة بنكيران، لاحظ أن وجه الحبيب المالكي القيادي في الحزب كان شاحبا، وكذلك الحال مع زملاء له في حكومة عباس الفاسي المنتهية ولايتها، كأحمد رضى الشامي، وجمال أغماني، وطبعا، إدريس لشكر، وبنسالم حميش، الذي أصبح هو الأخر يتيما ودون حقيبة، رغم أن انتقادات واسعة وجهت إليه منذ أن تولى حقيبة الثقافة بعد قرار انسحاب تورية جبران بسبب المرض. لقد فضلت القيادات الاتحادية طرق باب المعارضة، عوض التضحية بحظوظ النفس والرضوخ لمطالب العدالة والتنمية الصارمة، بخصوص ضرورة إشراك أسماء اتحادية شابة في الاستوزار، من قبيل حسن طارق، ولم لا، عودة محمد الكحص، وهذا ما يفسر تبني حسن طارق لخيار المشاركة في الحكومة، مقابل الرفض الصادر عن الكهول، باعتبارهم غير مستفيدين من تطبيق شروط العدالة والتنيمة، فكانت النتيجة، والشماعة، الذهاب إلى المعارضة، وتحرير ذلك الكلام الكبير الصادر عن محمد الأشعري وغيره في الآونة الأخيرة. في الاستماع إلى نبض القواعد الاتحادية هذه بعض ردود فعل قواعد حزبية من الاتحاد الاشتراكي، تنشرها "أندلس برس"، وهي موجهة للقيادات الاتحادية على الخصوص: 1 الاتحاد الاشتراكي أصبح حجرة عثرة، وقد انتهت صلاحيته، وما تبقى منه يحتضر، ومآله معروف وخارج اللعبة السياسية. فالحزب فلسفة ومنهاج، وهذا لا ينطبق على النموذج الانتخابي الموجود أمامنا في أحد الدوائر: خبير في كل شيء إلا في السياسة يتوج وكيلا للائحة، ولم يمر على انتمائه إلا وقتا يمكن احتسابه من بداية الحملة؛ أليس هذا إساءة لكل من أدمن هذا الحزب؟ 2 يبدو أن الاشتراكيين المغاربة يعيشون هذه الأيام مأزقا حقيقيا لم يهتدوا بعد إلى حسن التخلص منه، وقد كانت بدايته حينما وضعوا أياديهم في أكف من ظلوا يسلطون عليهم سهام النقد اللاذع من البعض، بل وحاكوا أساليبهم عندما أصبحوا هم أيضا بدافع الحرص على المقاعد التي تخولهم المشاركة في الحكومة يقدمون أباطرة وأعيان على رأس لوائحهم، مما جر عليهم منذ حكومة التناوب سخط المغاربة وغضبهم الذي ترجموه في المواقع المتخلفة التي أصبح الاتحاد الاشتراكي يحتلها في الانتخابات التشريعية وقد كانت هذه الممارسة الممثلة في التحالف مع الأحزاب الإدارية والدفاع عن هذا التحالف أولى سقطات الإتحاد الإشتراكي الذي لا زال يؤدي ثمنها إلى اليوم. 3 حسابات الاتحاد الاشتراكي أخطأت موعدها مع التاريخ بهذا القرار الغير المتسرع حين رفضت اليد الكريمة التي امتدت إليها من رئيس الحكومة المعينة عبد الإله بنكيران، وردت بصلف إيديولوجي عرضه مشاركتها في الحكومة معتقدة أن اصطفافها من جديد إلى جانب "التراكتور" سيعيد لها بعض توهجها السابق الذي افتقدت كثيرا من بريقه، متناسية أن الظرف السابق يختلف عن الحالي 180 درجة. قاعدة الحزب للقيادة.. لقد هرمنا من هذه الوجوه وفي الأخير، ما يجب أن تنتبه إليه الزعامات الاتحادية التي لا تريد التخلي عن دفة التحكم في كل صغيرة وكبيرة بالحزب، وتطمع بالظفر ببعض الكراسي الحكومية في الانتخابات التشريعية القادمة هذا إذا مرت الأمور بسلام خلال السنين القادمة هو ما يجمع عليه المراقبون والمتتبعون، من أن زمن الاشتراكية والشيوعية والإيديولوجيات المستوردة البعيدة عن الهوية الحقيقية للمغاربة (عربا وأمازيغ وأفارقة)، زمن ولى وانتهى، من الصعب توقع نجاح لشكر وولعلو والمالكي والأشعري والراضي .. في المعارضة، تماما كما كان أداؤهم متواضعا جدا في العمل الحكومي، أو فاشلا، إذا أخذنا بعين الاعتبار دلالات التصويت العقابي الذي مورس ضدهم في آخر الاستحقاقات التشريعية. لقد جاء الملك الحسن الثاني بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لينقذ المغرب من السكتة القلبية كما قالوا، ولكنهم ركنوا إلى ممارسات أساءت كثيرا إلى المدرسة الاشتراكية، من قبيل الصمت عن المفسدين، بل وإنجاب مفسدين أصبحوا أو معرضون للمتابعة القضائية (ويمكن أن نتذكر حالة خالد العلوية، والذي من المتوقع أن يتابع قضائيا في حكومة عبد الإله بنكيران، إذا كانت نية هذا الأخير صادقة في الحرب على الفساد)، ولم يغيروا من الواقع شيئا بعد قرابة أربعة عشر عاما من التدبير الحكومي. لقد دعا محمد الأشعري إلى عقد مؤتمر تاريخي يعلن ميلاد اتحاد جديد، يتوجه إلى المستقبل ويتوجه إلى "الشباب والنساء الذين يؤمنون بنفس القيم التي نؤمن بها، والذين رأوا في ممارستنا أشياء كثيرة دفعتهم إلى معاقبتنا"، ومن باب الرضوخ لهذا المطلب، أن يقدم الأشعري ولشكر وولعلو والمالكي والراضي.. الاستقالة من قيادة سفينة الحزب، لأن الشارع يتطلع إلى المستقبل ولا يقبل بالأساليب القديمة في سياسة تسيير شؤون المغرب الداخلية والخارجية، والمطلوب من الغيورين على ما تبقى من المشروع الاتحادي الاشتراكي، التفكير في القيادات البديلة لمواجهة التحديات التي يتطلبها زمن معارضة الحكومة الملتحية، أقلها الإتيان بوجوه اتحادية شابة، وحديثة تساير الملك محمد السادس في حداثته وغيرته على الوطن بأن يكون المغرب متفوقا على أعدائه على جميع المستويات، من طينة حسن طارق وأمثاله، وليس من طينة لشكر وولعلو والمالكي والأشعري والراضي والبقية الباقية من القيادات التي تجمع القواعد الاتحادية على وصفها بشعار: "لقد هرمنا.. لقد هرمنا من بقاء هذه الوجوه الكالحة".