تثير وضعية المساجد التاريخية بالمغرب قلق المهتمين بالآثار بسبب الإهمال الذي تتعرض له هذه المعالم الثمينة التي تكتسي أهمية تاريخية واجتماعية ودينية. حيث إن بعضها مهدد بالانهيار بسبب عوامل طبيعية وبشرية ونظرا لاهتراء بناياتها، وعدم عمق الترميمات التي خضعت لها، ورغم أن هذه المساجد الأثرية منحت للمغرب صفة العاصمة الثقافية للغرب الإسلامي، إثر أفول تأثير القيروان وقرطبة، إلا أنها تواجه حالة تدهور متقدمة. خصوصية معمارية سبق للمغرب أن فقد بعض هذه المعالم التاريخية إثر انهيارها، كان آخرها مسجد «باب البردعين» بمكناس الذي صنف من طرف اليونسكو ضمن التراث العالمي، وخلف انهياره خلال صلاة الجمعة خسائر الكبيرة في الأرواح. وكانت اليونسكو دعت المغرب إلى ضرورة إصلاح وترميم المساجد العتيقة والمهترئة، وأعلنت عن قلقها اتجاه وضعية بعض المساجد الأثرية بالمغرب، كما أرسلت بعض الخبراء الدوليين من أجل تشخيص وضعية المساجد التاريخية. إلى ذلك، يقول محمد العلمي، الباحث في علم الآثار، إن مساجد المغرب شكلت على مر التاريخ صروحا دينية وحضارية، وأنها تراث غني وحافل يتفرد بمجموعة من الخصوصيات المعمارية والهندسية. ويعتبر أن المعالم الفنية في التراث المعماري للمساجد المغربية هي نتاج سيرورة طويلة من التأثير المتبادل بين الثقافات والحضارات المختلفة عبر العصور. مشير إلى أن مكامن التفرد والجمال في هندسة وبناء وتزيين المساجد المغربية تكمن في أنها حافظت على طابع الهندسة المعمارية التقليدية وعكست كل مكونات الفنون التقليدية المغربية من خلال التزيين بالفسيفساء و»الزليج» والأرابيسك والجبص والخشب المنقوشين. ويضيف العلمي أن «الاعتراف الدولي بقيمة هذه المآثر وتصنيفها كتراث عالمي، يرفع من قيمة هذه التحف المعمارية. وكان من الضروري أن يكتسي الاهتمام بها طابع الأولوية بالنظر إلى أهميتها لكن هذه المآثر العمرانية العتيقة تعاني من الإهمال والتدهور بسبب عوامل طبيعية وأخرى بشرية». مخاطر الانهيار يكشف العلمي أن عملية ترميم المساجد التاريخية صعبة، لأنها تهدف إلى حماية هذه المباني من مخاطر الانهيار التي تهددها وفي نفس الوقت الحفاظ على المآثر باستخدام مواد تقليدية، داعيا إلى رد الاعتبار إلى هذه المساجد الأثرية وصيانة أنسجتها العمرانية والتوعية بأهمية هذا التراث الإنساني وإزالة العوامل التي تؤثر بشكل سلبي على بنيات المآثر التاريخية. ويؤكد أن المغرب يبذل حاليا جهودا في مجال الحفاظ على تراثه المعماري، حيث اتخذ إجراءات فورية لإصلاح الضرر ومنع مزيد من مخاطر انهيار المساجد، وتركزت عمليات الإصلاح على ترميم وتقوية دعائم المساجد وتجديد قنوات تصريف المياه وتكسية السطوح والجدران. من جهتها، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أنها اتخذت إجراءين وقائيين للحفاظ على السلامة العامة بالمساجد من خلال الإغلاق الكلي الذي شمل 6 في المائة من المساجد المفتحصة أو الإغلاق الجزئي الذي طال 2 في المائة منها، في حين تقرر إصلاح 92 في المائة المتبقية من مجموع المساجد والقاعات المفتحصة دون إغلاقها. واتخذت الوزارة إجراءات تتمثل في إعطاء الأولوية لإصلاح المساجد المغلقة، وتهيئ أماكن بديلة للصلاة بالنسبة للمساجد التي تقرر هدمها وإعادة بنائها، كلما كانت بعيدة عن مساجد مفتوحة كافية، إلى جانب مباشرة الأعمال الكبرى بالنسبة للحالات المتبقية بعد إنهاء الخبرات التدقيقية. أشهر المساجد المرممة يضم المغرب أكثر من 730 مسجدا يتجاوز عمرها أربعة قرون، ومن أشهر المساجد التي سيتم ترميمها المسجد العتيق والمسجد الأعظم ومسجد الأندلس، ومسجد للا عودة ومسجد باب مراح ومسجد الإمام مالك ومسجد باب بردعيين. إحصائيات وأرقام قامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مؤخرا بإجراء الخبرة على 19205 مساجد، حيث تم اتخاذ قرارات بالإغلاق الكلي ل 1256 مسجدا والجزئي ل 416 أخرى. إضافة إلى إجراءات تتمثل في إصلاح وترميم وتدعيم وتقوية 6674 مسجدا (64 في المائة) وإجراء خبرات تقنية تدقيقية ل 3374 مسجدا (32 في المائة)، فضلا عن هدم وبناء 389 مسجدا (4 في المائة).