تجدد الجدل حول مشروع قانون يحدد السن الأدنى للزواج بهدف الحد من التبعات السلبية لزواج القاصرات. ففي وقت يرفض فيه فريق المشروع بحجة تعارضه مع الشريعة الإسلامية، يجزم الفريق الآخر على أن الإسلام لا يشجع على هذا الزواج. عادت ظاهرة زواج الفتيات الصغيرات والقاصرات في اليمن لتطفو على السطح مرة أخرى، وهو ما يثير قلق المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة والطفل. وبلغ القلق أوجه عقب الإعلان عن وفاة إلهام المهدي، وهي في الثالثة عشرة من عمرها، بسبب نزيف حاد ناجم عن تعرضها للعنف الجنسي بعد أربعة أيام من زواجها. ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، ففي سبتمبر/أيلول الماضي توفيت فتاة عمرها 12 عاما بينما كانت تضع مولودها الأول. ولا يزال الرأي العام في اليمن وخارجها يتذكر قضية الطفلة اليمنية نجود محمد ناصر، التي زوّجها والدها وهي في الثامنة من عمرها من رجل يكبرها بعشرين عاما. فقد حازت نجود على تعاطف وإعجاب عالميين، حينما اشتكت بنفسها إلى أحد القضاة وطلبت تطليقها، وهو ما تأتى لها. وأثارت هذه القضية انتقادات واسعة لغياب قانون يحمي القاصرات من التزويج ويحدد سن أدنى لسن الزواج، واشتكت المحامية شذى ناصر، التي تولت قضية نجود، من عدم وجود قانون يحمي الأطفال دون سن الخامسة عشرة من الزواج ويمكن من معاقبة المخالفين. وتظهر حادثة وفاة إلهام المهدي بسبب نزيف دموي ناتج عن تمزق كامل في الأعضاء التناسلية أن القضية أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضي، وتتطلب ضرورة تدخل السلطات للحد من ظاهرة تزويج البنات الصغيرات والقاصرات. يأتي ذلك في وقت احتدم فيه النقاش داخل المجتمع اليمني حول مشروع قانون يحدد السن الأدنى للزواج. الشريعة الإسلامية وتحديد سن الزواج وكان البرلمان اليمني قد أقر مبدئيا العام الماضي مشروع القانون الذي يحدد يحدد السن الأدنى لزواج النساء ب 17 عاما ولزواج الرجال ب 18 عاما، لكن نوابا من أطياف سياسية عدة قدّموا إلى رئيس البرلمان طلبا لإعادة مناقشته قبل طرحه للتصديق عليه. وانقسمت الآراء بين مؤيد ورافض حتى في صفوف النساء. وأبرزت المظاهرات المؤيدة والمناوئة لمشروع القانون هذا الانقسام بوضوح. وفي حوار مع دويتشه فيله أكدت ابتسام الظفري، التي تشغل منصب المدير العام لإدارة توعية المرأة في وزارة الأوقاف اليمنية، رفضها لمثل هذه القوانين دون أن يعني ذلك حسب رأيها تأييدها زواج القاصرات. وتبرر ابتسام الظفري رفضها بالإشارة إلى أن “المجتمع اليمني مجتمع مسلم ودستور البلاد مستمد من الشريعة الإسلامية، التي لم تتضمن على مدى التاريخ أي تحديد لسن الزواج”. ورغم أسفها على وفاة الطفلة إلهام المهدي، لكنها تؤكد بأنها حالة استثنائية لا يمكن تعميمها. ضغوط على برلمانيين لمنع تمرير القانون وفي الواقع يلقى مشروع هذا القانون أيضا رفض بعض التيارات الإسلامية، فقد أصدرت هيئة علماء اليمن التي يرأسها الداعية الإسلامي عبد المجيد الزنداني بيانا ضد مشروع القانون اعتبرت فيه تحديد سن الزواج تحريما لما “أباحه الله”، حسب البيان. لكن شوقي القاضي، وهو داعية إسلامي كذلك وعضو في البرلمان اليمني، يرفض هذا القول على أساس أنه ليس في الإسلام ما “يشجع على تزويج الصغيرات مطلقا”، ويضيف في مقابلة مع دويتشه فيله بأن الدين الإسلامي، بما فيه الشريعة الإسلامية والسنة، يدعو “إلى أن تتزوج المرأة وهي في سن الرشد والنضج والقدرة”. ويرى أن بعض التيارات “الإسلامية المتشددة” تفسر الشريعة وفق رؤيتها “الثقافية القاصرة” لدور النساء في المجتمع. ويضيف في هذا السياق: “عندنا ثقافة تكرست على مدار قرون، هذه الثقافة تقول بأنه ينبغي ستر المرأة حتى لو كانت صغيرة عن طريق الزواج”. ويعتبر القاضي بأن هذه تعد ثقافة تمييز ضد المرأة وانتقاص من قيمتها. وذهب إلى حد وصفها بأنها أحد أنواع “الوأد الاجتماعي”. الأمر الذي يتناقض مع مع اتفاقية مكافحة أشكال التمييز ضد المرأة التي وقعت عليها اليمن عام 1984. وفي الوقت الذي تطالب فيه الحركة النسائية ومنظمات المجتمع المدني في اليمن بسن قانون يحمي البنات في سن الطفولة والقاصرات من التزويج، تقف عدة قوى بينها قوى دينية متشددة ضد قانون كهذا. في هذا السياق تقول حورية مشهور، نائبة رئيس اللجنة الوطنية للمرأة في اليمن، وهي أعلى هيئة يمنية رسمية تعنى بشؤون المرأة، في مقابلة مع دويتشه فيله أنه تم عرض مشروع القانون على البرلمان اليمني قبل عشرة أعوام، أي منذ عام 2000، ولكن “معارضة عدد من النواب حالت دون المصادقة عليه”. وتعزو مشهور ذلك إلى تأثير بعض القوى الدينية المتشددة علي هؤلاء، ومن بينهم نواب ينتمون إلى حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن. وهو أمر يعكس انقسام الآراء حول مشروع القانون حتى داخل هذا الحزب الذي يشكل أعضاؤه الأغلبية داخل البرلمان اليمني. كتبه: عارف الصرمي / شمس العياري