في خضم الحديث الأسبوع الماضي عن ثورة «فيس بوك» التي انطلقت بمختلف أرجاء الشرق الأوسط، تحول الأميركيون وناطقون آخرون بالإنجليزية إلى «تويتر» – من أجل كتابة رسائل حول حياتهم العاطفية. ومنذ أيام قليلة ماضية، كانت مجموعات مثل Hashtags – التي تتألف من حروف تشير للموضوعات محل النقاش داخلها – أكثر شهرة عن أخرى مثل Egyptians (المصريين) و«jan25» (25 يناير/ كانون الثاني)، في إشارة إلى اليوم الأول من المظاهرات المصرية. في غضون ساعة واحدة من الثلاثاء الماضي، حصل icantdateyou ورد ذكره في قرابة 274.000 رسالة عبر «تويتر»، بينما ورد ذكر مبارك في أقل من 11.000 رسالة خلال الساعة ذاتها. (عجز الكثير من المصريين عن كتابة رسائل عبر الموقع بسبب وقف حكومتهم على نحو مؤقت خدمات شبكة الإنترنت والهواتف الجوالة). وبالتأكيد، فإن الكثيرين منا من المحتمل أن يكتبوا رسائل سريعة عبر «تويتر» عن موضوعات تافهة عن الأخرى ذات الطابع السياسي. إلا أن دراسة جديدة حول رسائل «تويتر» ألقت بعض الضوء حول السبب وراء اكتساب بعض الموضوعات شعبية سريعة، بينما لا يتحقق الأمر ذاته مع أخرى. بصورة عامة، يميل مستخدمي «تويتر» إما إلى التشارك في أحدث الاصطلاحات الشعبية السائدة في المحادثات، مثل cantlivewithout أو dontyouhate، في المرات القليلة الأولى التي يصادفونها خلالها على «تويتر»، أو لا يعيرونها اهتماما قط، وذلك طبقا لدراسة أجراها علماء معنيون بمجال الحاسب الآلي. وحلل الباحثون أكثر رسالة تتميز بالشعبية على «تويتر» من بين أكثر من 3 مليارات رسالة نشرت على الموقع بين أغسطس (آب) 2009 ويناير 2010. في هذا الصدد، شرح جون كلينبرغ، بروفسور علوم الحاسب الآلي في «كورنيل» وأحد المشاركين في الدراسة، أن «المصطلحات الشعبية تبدو أشبه بفورة نشاط مؤقتة، بمجرد أن تعاينها، إما أن تستغلها أو لا تفعل ذلك، لكن في النهاية تتلاشى هذه الفورة». وتوصل الباحثون إلى أن الموضوعات الأكثر إثارة للجدال، مثل القضايا السياسية، تستغرق وقتا أطول في اجتذاب التعليقات عليها، حيث ينتظر الناس عادة لرؤية جملة تحمل تأثيرا استقطابيا أكبر، مثل جملة تذكر ساره بالين أو قانون إصلاح الرعاية الصحية، لأربع أو خمس مرات عبر «تويتر» قبل أن يشرعوا في الرد. والمعروف أن الأفراد عادة يؤثرون على سلوك بعضهم البعض، وهذه العملية القائمة على المحاكاة تشكل الأساس الذي تعتمد عليه جهود الإعلانات. وربما يبدو طبيعيا أن أنماط مختلفة من المعلومات تنتشر على نحو مختلف عبر الشبكة الإلكترونية. ومع ذلك، فإن باحثين في «كورنيل» وجامعات أخرى مثل «ستانفورد» توصلوا إلى أنماط محددة تكشف كيفية اجتذاب المعلومات اهتماما عبر الفضاء الإلكتروني. وقد تفيد الأنماط التي حددها العلماء السياسيون والنشطاء الاجتماعيون والمنظمات الإعلامية والعاملين بمجال التسويق وفرق العلاقات العامة وأي شخص آخر يحاول الوصول لجمهور مستهدف – أو سوق ما. وقد اتضح أن أسلوب انتشار المعلومات عبر شبكة الإنترنت غالبا ما يتسم بقدر أكبر من التعقيد عن النقل الفيروسي الذي يمرر في إطاره شخص ما رابط لمقطع فيديو على «يوتيوب»، مثلا، مباشرة إلى شخص آخر. ومثلما الحال مع الموضوعات السياسية، غالبا ما ينتظر الناس بعض الوقت حتى يروج عدد من الأصدقاء أو المصادر الموثوق بها لفكرة ما قبل أن يقدموا بأنفسهم على الترويج لها. وبإمكان هيكل شبكة اجتماعية ما – مثلا، ما إذا كانت تتألف من أصدقاء مقربين أو زملاء أو غرباء يتسمون بنفس الميول – أن يترك تأثيرا أكبر من تأثير حجم المجموعة، حسبما خلص الباحثون. في إطار عالم الواقع، يعني ذلك أنه من الأفضل على مصممي تطبيقات «آي فون» محاولة استقصاء آراء مدون بارز بمجال التقنية عن أشتون كوتشر، رغم أن الأخير يحظى بأكثر من ستة ملايين متابع عبر «تويتر». أما الشبكات الأصغر الأكثر اتصالا فيما بينها من المحتمل أن تستجيب بصورة أكبر للتوصيات الصادرة عن واحد من أعضاءها القيمين، حسبما شرح جور ليسكوفيتش، بروفسور مساعد لعلوم الحاسب الآلي في «ستانفورد». على سبيل المثال، في واحدة من الدراسات الحديثة، عكف بروفسور ليسكوفيتش وزميل له على تحليل مجموعة تزيد على 170 مليون رسالة منشورة عبر مدونات ومقالات إخبارية على امتداد عام. وحددا أكثر العبارات انتشارا من هذه الرسائل والمقالات وتفحصا كيفية انتشارها بمرور الوقت عبر وكالات الأنباء والصحف والتلفزيون والمدونات. ولاحظا أن المحتويات الصادرة عن وكالات الأنباء كانت الأكثر ميلا للانتشار وجذب القدر الأكبر من الاهتمام على الفور، بينما غالبا ما تمر الأخبار التي تنطلق من المدونات بعدة فترات من ذروة الانتشار والشعبية مع مرور الوقت. وقد توصلت دراسة سابقة لجامعة ستانفورد إلى أن المدونين بمرور الوقت سيحظون بتأثير أكبر عن المنشورات الإعلامية التقليدية المعروفة بمجالات مثل التقنية أو الترفيه. وقال بروفسور ليسكوفيتش إن الدراسات وفرت سبيلا كميا للتكهن بأي الأخبار ستجتذب الاهتمام وأيها سيتلاشى سريعا، بناء على من يضطلع بتغطية الموضوع أولا. وأشار إلى أنه في غضون سنوات قلائل «سيعتمد مسؤولو التسويق بدرجة أكبر على الحسابات الرياضية وبدرجة أقل على الحدس». ويبدو أن البحث أضفى مصداقية على الأساليب التي ينتهجها بالفعل الكثير من خبراء الصناعة، حسبما أوضح سونيل غوبتا، بروفسور بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد المعني بمجال التسويق الرقمي. واستطرد بأن مسؤولي التسويق ينتقلون الآن من انتهاج استراتيجية تطفل تفرض الإعلانات في منتصف البرامج التلفزيونية باتجاه نموذج يتسم بطابع تعاوني أكبر يحاولون في إطاره إثارة مناقشات عبر الشبكات الاجتماعية. وأشار إلى أن شركات صناعة السيارات التي تقرض سياراتها من النماذج الخاصة بالعام التالي إلى مدونين بارزين معنيين بالسيارات يعد أحد الأمثلة على هذا التوجه. وقال غوبتا: «في العالم التقليدي، اعتادت جهود التسويق التركيز على الجزء الأوسط مما يعرف باسم (منحنى الجرس) والتواصل مع أفراده. أما الآن، فإنهم يحاولون الوصول إلى هذا الجزء الأوسط من خلال طرفي المنحنى». وأضاف أن هذين الطرفين يتضمنان فريق الأفراد شديدي النقد والمعجبين المتحمسين. وتوصل غوبتا إلى أن قادة التوجهات التي تظهر عبر شبكة الإنترنت لا يسعدهم بالضرورة أن يحاكيهم آخرون، وذلك من خلال دراسة أجراها عام 2009 حول Cyworld، وهو موقع شبكة اجتماعية إلكترونية في كوريا الجنوبية يمكن لملايين الأعضاء من خلاله شراء ديكورات افتراضية لصفحاتهم الرئيسية. وخلص غوبتا إلى أن الأعضاء من أصحاب المكانة المتوسطة – بمعنى أنهم يحظون بعدد متواضع من الصلات الاجتماعية – اشتروا عددا أكبر من المنتجات بناء على قرارات الشراء التي اتخذها أصدقاؤهم، لكن الأعضاء الأكثر نشاطا والأكثر من حيث عدد صلاتهم يتخذون قرارات شراء أقل، بمعنى أن أصحاب النفوذ يعشقون تميزهم وغالبا ما يقاومون الخضوع لتأثير ونفوذ أقرانهم. والتساؤل الآن: ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لك ولي؟ يرى ديمون سنتولا، البروفسور المساعد لعلم الاجتماع الاقتصادي بمعهد ماساتشوستس للتقنية، أنه إذا استمر بنا الحال في رؤية نفس الروابط والعبارات الشهيرة بمختلف أرجاء شبكتنا الاجتماعية، فإن ذلك ربما يعني أننا نطلع فقط على ما نرغب في رؤيته أو سماعه. وأضاف: «ربما تقول لنفسك حينها: أنا في مجموعة لا أطلع في إطارها سوى على الآراء التي أتفق معها. ولدي فضول لمعرفة الآراء الأخرى».