بعدما انتهت المواجهة الدبلوماسية الطاحنة بين المغرب وجبهة البوليساريو حول القمة الأوروبية الإفريقية، بحضورهما معا بأعلى مستويات التمثيل الدبلوماسي، تحوّل المؤتمر المنعقد بالعاصمة الاقتصادية للكوت ديفوار، أبيدجان، إلى ساحة لمعركة طاحنة بين المغرب وخصومه. المغرب الذي كان يسعى إلى منع الجبهة الانفصالية من حضور القمة، ثم قرّر الحضور فيها بقوة عبر انتقال الملك شخصيا إلى أبيدجان يوم الأحد الماضي، مكذبا بذلك تكهنات غيابه بسبب حضور البوليساريو، نزل بكل ثقله خلال هذه القمة لإنجاح أجندته الإفريقية. هذه الأخيرة باتت مقبلة على قمة حاسمة منتصف دجنبر المقبل، والتي ستجمع رؤساء دول "سيداو" ال15. رئيس مفوضية هذه الأخيرة، البينيني مارسيل دو سوزا، أعلن عشية انعقاد قمة أبيدجان، عن دعوة الملك محمد السادس إلى حضور قمة "سيداو" بنيجيريا، مقدما إشارة واضحة عن قبول طلب المغرب الانضمام إلى هذه المنظمة الإقليمية. خصوم المغرب المتمثلين، أساسا، في جبهة البوليساريو والجزائر؛ اختاروا فتح جبهة الرموز والإشارات لتصوير المشاركة المغربية في مؤتمر يضم البوليساريو، نصرا دبلوماسيا وتاريخيا. وفد الجبهة قاده أمينها العام إبراهيم غالي، والذي لم يصل إلى أبيدجان إلا يوم أمس الأربعاء. مشاركة حظيت باحتفاء كبير في المنصات الدعائية للجبهة الانفصالية، سواء منها وسائل الإعلام التابعة لها، أو تلك الناطقة باسم الجزائر. وكالة الأنباء الجزائرية قامت قبل يومين من موعد القمة، بنشر قصاصة تحتفي بما قالت إنه رفع لعلم البوليساريو بالشارع الذي يحمل اسم الحسن الثاني بأبيدجان. خبر سارعت وكالة المغرب العربي للأنباء إلى الرد عليه، مكذبة إياه بشكل تام. "حكاية رفع العلم المزعوم، مختلقة ومغرضة ولا أساس لها من الصحة"، تقول الوكالة الرسمية المغربية، مضيفا أنه "لا يوجد أي علم من أعلام البلدان المشاركة في شوارع أبيدجان. وحده علم كوت ديفوار، البلد المستضيف للقمة، إضافة إلى رموز الاتحادين الإفريقي والأوروبي والملصقات الخاصة بالقمة تؤثث، بمناسبة تنظيم هذا المؤتمر، الشوارع الكبرى للعاصمة الإيفوارية، وخاصة شارع الحسن الثاني". القصاصة المغربية كانت الانخراط شبه الوحيد من جانب المغرب في المعركة الإعلامية والرمزية التي حاول خصوم المملكة فتحها في أبيدجان. الاتصالات واللقاءات الرسمية التي قام بها الوفد المغربي هناك، تمحورت حول الاستحقاق المهم الذي ينتظره المغرب يوم 16 دجنبر المقبل، حيث بات من شبه المؤكد حصوله على العضوية الكاملة في منظمة دول غرب إفريقيا، خلال القمة التي ستنعقد بأبوجا النيجيرية. رئيس الجهاز التنفيذي الدائم للمنظمة، أي مفوضية المجموعة، الدبلوماسي البينيني مارسيل دو سوزا، قال في تصريح للصحافة عقب لقاء جمعه بوزير الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة، إن الرئيس الطوغولي، باعتباره الرئيس الدوري لمنظمة "سيداو"، قد بعث دعوة رسمية إلى الملك محمد السادس، قصد المشاركة في قمة أبوجا. الدبلوماسي الإفريقي قال إن موضوع انضمام المغرب سيكون أحد مواضيع القمة المقبلة لرؤساء دول "سيداو". هذه العضوية ستكون بمثابة المفتاح الرئيس لاستكمال الحضور المغربي داخل الاتحاد الإفريقي وأجهزته، ذلك أن المنظمة القارية تعتمد تمثيل الدول حسب انتماءاتها إلى المناطق الخمس التي تقسم إليها إفريقيا. "سيداو" ستسمح للمملكة بلعب أدوار كبيرة، وذلك بعيدا عن منطقة شمال إفريقيا التي تضم البوليساريو وحليفتها الجزائر. الخبير المغربي في ملف الصحراء، عبدالمجيد بلغزال، اعتبر أن سياق انعقاد قمة الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، وحضور المغرب إلى جانب البوليساريو، "فرصة استثنائية لمد اليد إلى الإخوة في الجزائر والبوليساريو". وأضاف بلغزال أن "على المترددين والمحافظين، أن يدركوا، أن الراحل الحسن الثاني، وعلى الرغم من موقفه القطعي إزاء البوليساريو، فإنه لم يتردد في استقبال قيادة البوليساريو في أكثر من مناسبة، فعلى الجميع أن يستوعب أن التاريخ لا يرحم". وشدّد بلغزال على أن مشاركة المغرب في قمة أبيدجان إلى جانب البوليساريو، "لا ينبغي النظر إليها من زاوية "الاعتراف" من عدمه، لا سيما وأن عددا من البلدان المشاركة لا تعترف بالبوليساريو". وأضاف بلغزال أن مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب، "تؤسس لاعتراف إرادي وحر بوجود مطلب هوياتي شرعي لإقليم الصحراء، وبالتالي، فإن المملكة انحازت في اتجاه أطروحة تدبير ترابي، يمكن الإقليم من تقرير المصير بمعناه الداخلي". من جانبه الحقوقي نوفل البعمري، قال إن الاحتفاء الكبير الذي قامت به البوليساريو لحضورها هذه القمة، "يؤكد على حالة الخوف والهلع الذي بدأ ينتابها ليقينها أن قرب انتهاء ساعتها بالاتحاد الإفريقي وشيكة. وهي بعدما كانت تصول وتجول لوحدها في الاتحاد الإفريقي، أصبح مجرد حضورها مناسبة للاحتفاء من طرفها". وأضاف المحامي الذي سبق أن زار مخيمات تندوف، أن حضور زعيم الجبهة إبراهيم غالي، دليل على زيف الشكايات المرفوعة ضده من طرف جمعيات تضم ضحايا قيادة الجبهة. غالي يواجه شكاية مرفوعة ضده أمام القضاء الإسباني من طرف ضحايا لقيادة البوليساريو، وهو ما قالت بعض الأصوات الحقوقية إنه سيلاحق غالي في جميع الوجهات الدولية.