قدم المغرب تقريره الوطني الثالث أمام ألية الاستعراض الدوري الشامل، بمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، وتكلف السيد مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان بترأس الوفد المغربي الرسمي. التقرير الوطني والذي أشرفت المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان على اعداده وصياغته، تمحور أساساً حول المنجز من التزامات المغرب الطوعية خلال الاستعراض الدولي الثاني سنة 2012، والذي سبق أيضا لمصطفى الرميد أن قدمه في مارس 2012 باعتباره آنذاك وزيرا للعدل والحريات. المستجد خلال هذه الدورة، هو الرد الارتجالي الذي قدمه مصطفى الرميد أمام مجلس حقوق الانسان، والمتعلق بكون بعض الحقوق الأساسية للنساء وللحريات الفردية يجب أن تقرأ في سياق خصوصية المغرب كبلد عربي اسلامي، كما أنه أصدر بلاغا رسميا بتاريخ 04 ماي 2017 يسجل فيه أن بعض التوصيات والملاحظات المقدمة من قبل الدول تحكمها أبعاد ايديولوجية تمس "بالنظام العام الاخلاقي الوطني، في اشارة منه إلى توصيات تتعلق بمنع تعدد الزوجات والمساواة بين المرأة والرجل وحرية المعتقد …" وهذه التفاعلات السلبية من قبل وزير حقوق الانسان سبق وأن قدمها في حوار له مع إحدى الاذاعات الخاصة والتي ربط هذه المطالب بضرورة احترام خصوصية المغرب كبلد مسلم ومرجعيته الدينية. للتذكير، فإن آلية الاستعراض الدوري الشامل والتي بموجبها يتم مراجعة وضعية وحالة حقوق الإنسان في كل العالم، آلية جديدة انطلقت لأول مرة سنة 2008، ونظرا لحداثتها يتم تطويرها في دورة حتى تتلاءم مع التحولات ومع الاكراهات التي تحاول إفراغها من مضمونها ومحتواها، حيث تسعى بعض الدول إلى جعل تلك الآلية مجرد جلسات ديبلوماسية يغلب عليها التنويه والمجاملات، في حين تلتزم بعض الدول والتي لها قناعات حقوقية الى طرح موضوعات ذات الصلة بكونية وشمولية حقوق الانسان. ومن أجل جعل الآلية فعالة وناجعة فإن المفوضية السامية لحقوق الانسان وضعت شرطين في اعداد صياغة التقارير الوطنية، شرط "شكلي" متعلق بعدد الكلمات والصحافات وترتيب الفقرات وأيضا المقاربة التشاركية مع المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الانسان أثناء اعداده، وشرط آخر "موضوعي" وأساسه مرجعية صياغة التقرير الوطني ومنطلقاته. بخصوص المرجعية، فإن المعايير الدولية تفرض أن يراعى تشخيص وضعية حقوق الإنسان وتقديم التوصيات أن تكون نابعة من ميثاق الأممالمتحدة ومن الاتفاقيات الأساسية في مجال حقوق الإنسان، كما أن المنطلقات تكون بالأجوبة على الالتزامات الطوعية التي تم قبوله في اخر دورة للاستعراض الدوري الشامل السابق والاجابة على ما تم تحقيقه وما تم الاخفاق فيه. وعلى أساسه فإن الجواب الارتجالي لوزير حقوق الانسان المغرب، غرد خارج السرب، ولم يراعي الضوابط المعمول بها في مثل هذه المحطة الأممية، مما يجعل رده ذو طابع شخصي وغير مرتبط بتوجهات الدولة وما حققته من مكاسب على مستوى المصادقة على جميع الاتفاقيات الأساسية ومجموعة من البروتكولات الملحقة بها، وأيضا تنكره للمكتسبات الحقوقية على مستوى الوثيقة الدستورية. وبالعودة إلى التزامات المغرب الطوعية سنة 2012، وعددها 140 توصية، فنجد أزيد من 27 توصية تهم الحقوق الأساسية للنساء، ونجد أيضا توصيتين تدعوان إلى حماية حرية المتعقد من خلال الحرص على تطبيق المادة 3 من الدستور الجديد التي تكفل حرية العبادة للجميع، تماشياً مع الأحكام الدولية لحقوق الإنسان، وأيضا إبطال الأحكام التي تفضي إلى تقييد حرية الرأي والتعبير وحرية الدين والمعتقد، واللتين قبلها المغرب طواعية، وفيما يتعلق بإلغاء عقوبة الاعدام فإن المغرب قبل التوصية 49 والتي تنص على إمكانية اعتماد تدابير ترمي إلى إلغاء عقوبة الإعدام، والتوصية 50 الاستمرار في الوقف الاختياري لتطبيق عقوبة الإعدام والسعي إلى الإلغاء التام لها، والتوصية 59 الداعية الى مواصلة النقاش قصد ألغائه.. في هذا السياق يطرح السؤال، عن الخلفية "الايديولوجية" التي أملتها الظروف سنة 2012 بقبول المغرب لكل هذه التوصيات؟ وأين تم تهديد ما سماه وزير حقوق الانسان "النظام العام الاخلاقي الوطني؟" ما استعرضه السيد مصطفى الرميد أمام المنتظم الدولي يعبر عن انتكاسة وتراجع في مسارات تعزيز حقوق الإنسان بالمغرب، ويؤسس لنظام "شمولي" وبخلفية "ايديولوجية" محافظة ورافضة لكل تقدم وتطور.