معطيات مثيرة كشفها التحقيق مع المتهمين العشرة الذين تجري متابعتهم، ابتداء من أول أمس الثلاثاء، أمام جنايات الحسيمة. «اليوم 24» توصلت إلى مضمون أبرز التصريحات التي أدلى بها المتهمون للمحققين. بعد أربعة أشهر من وفاة بائع السمك، محسن فكري، في شاحنة لطحن الأزبال بمدينة الحسيمة، أثناء احتجاجه على قرار إتلاف 59 سمكة تزن حوالي 1200 كلغ، من أسماك «أبو سيف» حجزت لديه، انطلقت أول أمس محاكمة المتابعين في الملف، حيث نظرت الغرفة الجنائية الابتدائية، بمحكمة الاستئناف، في القضية لأول مرة، قبل أن تقرر تأجيل استكمال محاكمة المتابعين العشرة أمامها إلى 14 مارس المقبل. ويتابع في هذا الملف خمسة من المتهمين بجنحة القتل غير العمدي، وهم سائق شاحنة شركة الأزبال ‘‘بيزورنو''، ومستخدمان بالشركة نفسها، وحارس قوارب بميناء الحسيمة، وبائع سمك، فيما يتابع بجناية التزوير في محرر رسمي بإثبات صحة وقائع يعلم أنها غير صحيحة كل من الطبيب البيطري رئيس المصلحة البيطرية بالحسيمة، ورئيس مصلحة الصيد البحري بمندوبية الصيد البحري بالحسيمة، ومندوب الصيد البحري بالمدينة نفسها، وخليفة قائد بباشوية المدينة، فيما يتابع المتهم العاشر، وهو مراقب بشركة «بيزورنو» المفوض إليها مجال الأزبال، بجناية استعمال محرر رسمي مزور، ويوجد في حال اعتقال، فيما يتابع بائع السمك ومراقب الشركة، المتهمين بجنحة القتل غير العمدي بالنسبة إلى الأول واستعمال محرر رسمي مزور للثاني، في حال سراح، ورغم تقدم دفاع الموجودين رهن الاعتقال الاحتياطي بطلبات السراح المؤقت، فإن المحكمة رفضت الطلب وأبقت عليهم رهن الاعتقال. هذا، وتقرر، في وقت سابق، فصل ملف المتابع رقم 11 في الملف، وهو قائد المقاطعة الرابعة، عن باقي الملف، بالنظر إلى تمتع المعني بالامتياز القضائي، حيث سيتم عرض ملفه على محكمة أخرى للنظر فيه. وفي السياق نفسه، كشف مصدر مطلع فحوى التصريحات التي أفاد بها المتهمون، خلال التحقيق معهم، حيث كشف أن المعنيين نفوا جميعا سماعهم عبارة «طحن أمو»، التي تداولها نشطاء من المنطقة على نطاق واسع في الأيام الأولى للاحتجاجات التي تلت وفاة محسن فكري، على أساس أنها عبارة تم التلفظ بها قبيل وفاة الراحل.
مندوب الصيد: السمك يجب أن يتلف! وحسب المصدر ذاته، فإن مندوب الصيد البحري، المعتقل في الملف، كشف أنه في يوم وقوع الحادث، اتصل به رئيس مصلحة الصيد البحري، المتابع هو الآخر في الملف في حال اعتقال، وأخبره بأن الشرطة حجزت كمية من السمك، فالتحق به إلى مقر الشرطة، وتسلم من الضابط المداوم تقريرا يتضمن إيقاف الشرطة سيارة محملة بالسمك من نوع «أبو سيف» الممنوع من الصيد في تلك الفترة، وأنه طبقا لقانون الصيد البحري فإن السمك يجب إتلافه. وبعد حضور خليفة القائد المتابع في حال اعتقال أيضا، كشف المصدر أن مندوب الصيد أفاد بأن عملية الإتلاف يجب أن تنجز، وباشر خليفة القائد الاتصالات، فقدمت شاحنة صغيرة تبين أنها غير صالحة لعملية الإتلاف، فبحثت السلطة المحلية عن وسيلة أخرى للإتلاف، حسب ما صرح به مندوب الصحة، غير أن السلطة طلبت منه إنجاز محضر الإتلاف، وبما أن قانون الصيد البحري يلزمه، كمندوب، بمعاينة عملية الإتلاف في حينها، حيث جرى العرف أن ينجز محضر الإتلاف مؤقتا ولو على ورق السكر كما لقن لهم في التكوين، فكلف رئيس مصلحة الصيد البحري بإنجاز المحضر، فدخل رفقة الطبيب البيطري إلى مكتب الديمومة، وهناك تم تحرير المحضر، فوقعا عليه ووقع عليه خليفة القائد والمندوب أيضا. وكشف المندوب أنه سلم المحضر المعني للسلطة المحلية، وأنه بعد قدوم الشاحنة شاهد العديد من الأشخاص يتقاطرون على المكان، وعند توجهه إلى منزله اتصل هاتفيا بوزارة الصيد البحري، وأخبرهم بما حدث فأمروه بمغادرة المدينة، هو ورئيس مصلحة الصيد البحري، مضيفا أنه فعلا حضر عملية واحدة لإتلاف سمك «التون»، وتم إنجازها بساحة مقر الأمن الإقليمي بالحسيمة، وأنه أثناء هذه العملية عاين عملية إتلاف الأسماك بحضور باقي الأعضاء، وأنهم أنجزوا المحضر بعد إتمام عملية الإتلاف، وتم التوقيع عليه من طرف الحاضرين، مضيفا أن القانون لم يعطه صلاحيات تنظيم عمليات الإتلاف، وليس من اختصاصه تحديد المكان، ولم يعاين السمك المحجوز، وأن الذي عاينه هو رئيس مصلحة الصيد البحري رفقة الطبيب البيطري.
الطبيب البيطري: حضرت عملية إتلاف سابقة بساحة مقر الأمن من جانبه، كشف الطبيب البيطري، رئيس المصلحة البيطرية بالحسيمة، أنه تلقى اتصالا من طرف الشرطة، طلبت منه الحضور لمعاينة إتلاف كمية من السمك، وأنه انتقل إلى عين المكان، حيث تم إطلاعه من طرف رئيس مصلحة الصيد البحري على قرار وزاري ينص على منع صيد سمك «أبو سيف» في الفترة الممتدة من فاتح أكتوبر إلى 30 نونبر، فانتظر إلى حين قدوم مندوب الصيد البحري. وبعد المناقشة، خلصوا إلى إتلاف السمك المحجوز، فاتصل مندوب الصيد البحري بالسلطة المحلية للمساعدة في عملية الإتلاف، فالتحق بهم خليفة القائد وبعد ذلك القائد، وتم الاتصال بشركة «بيزورنو» المفوض إليها قطاع جمع الأزبال، للقيام بعملية الإتلاف، لكن الشركة طلبت من اللجنة المكلفة إنجاز محضر الإتلاف، فطلب رئيس مصلحة الصيد البحري بالقيام بتحرير محضر الإتلاف لتقديمه لممثل الشركة، وتضمينه المعلومات الأولية لأعضاء اللجنة. وبحكم عمله، اعتبر أن إنجاز المحضر المؤقت مسألة عادية، وقام بتحرير هذا المحضر ووقع عليه، كما وقع عليه الباقون وتم تسليمه لأحد الأشخاص، ثم حضرت شاحنة نقل النفايات، فخرج رفقة باقي الأعضاء من باب مقر الأمن الإقليمي، فشاهد مجموعة من الأشخاص على الرصيف المقابل في اللحظة التي ركنت فيها شاحنة نقل النفايات، ثم شاهد -حسب تصريحاته- ثلاثة أشخاص يصعدون إلى الجهة الخلفية للشاحنة، مضيفا أنه أنجز محضر معاينة يفيد بأن السمك المحجوز غير صالح، وسلمه لخليفة القائد، وأنه عاين كمية السمك المحجوز الذي لا يتوفر على وثائق رسمية تنبئ بمصدره، وسبق له أن حضر مرتين عملية إتلاف السمك بساحة مقر الأمن الإقليمي، مضيفا أنه حسب علمه لا يوجد قانون يحدد مكان الإتلاف بدقة، وأنه ليس مسؤولا عن المكان الذي ستركن به الشاحنة ولا عن المكان الذي ستتم فيه العملية.
خليفة القائد: لا أتقن الفرنسية أما خليفة القائد، الذي ورد اسمه على لسان الطبيب البيطري ومسؤولي الصيد البحري بالمدينة، فقد نفى التهم المنسوبة إليه، وأشار إلى أن الطبيب البيطري أخبره بأن مصدر السمك غير معروف، حيث لا يمكن الموافقة وتحمل مسؤولية تسليمه لدار الخيرية، فأيده مندوب الصيد البحري، واستفسر الضابط المداوم عمَّ إذا سبق أن تمت عملية إتلاف بهذا الشكل، فأجابه بأنه بالفعل تم القيام بعمليتين سابقتين، مضيفا أنه وقع على المحضر على أساس أنه محضر إحضار الشاحنة، ولم يطلع على فحواه لأنه لا يتقن الفرنسية، مضيفا أنه بعد قدوم شاحنة النفايات، خرج حوالي سبعة عناصر من الشرطة باتجاه الشاحنة، وفي تلك اللحظة، شاهد حوالي أربعة أو خمسة أشخاص، قدموا مسرعين في اتجاه الشاحنة، وصعدوا خلفها، وتجمهر الناس، وبعد لحظات سمع صراخ وعبارة «إيموث»، وهي تعني بالريفية «لقد مات»! وعن سبب عدم تدخله لتتم عملية الإتلاف ونقل السمك في ظروف عادية ووفقا للقوانين الجاري بها العمل، أكد رجل السلطة المعني أن العملية لم تتم أصلا، وأنه لو كانت ستتم خارج مقر الأمن كان سيتدخل ويعمل على إيقافها.
رئيس مصلحة الصيد البحري: الوزارة طلبت منا مغادرة المدينة رئيس مصلحة الصيد البحري، الذي كان من الأوائل الذين حضروا إلى مقر مفوضية الأمن، أفاد أيضا بأنه توجه إلى مركز الأمن الإقليمي، فوجد الطبيب البيطري، فطلب منه الضابط المداوم مرافقته لإنجاز المعاينة، فتوجها نحو السيارة المحملة بالسمك وأبوابها مفتوحة وبداخلها سمك أبو سيف، ثم عادوا إلى مقر الأمن، فقدِم مندوب الصيد البحري، وبعد مدة جاء خليفة القائد، ثم القائد، وتسلم مندوب الصيد البحري من الشرطة تقريرا، فعرض على الطبيب البيطري أن يحرره فوافق، حيث تم توقيعه من الأعضاء، وطلب الضابط المداوم من المندوب الخروج للقيام بعمله، وعند خروجهم شاهدوا حشدا من الناس متجهين نجو السيارة المحملة بالسمك. وكشف رئيس المصلحة المذكورة أنه، في تلك اللحظة، ذهب المندوب لتحويل سيارته من مكانها، فيما لم يعد يرى الطبيب البيطري وسط الحشد، فغادر المكان بعدما تبين له أن العملية لن تتم، وبعد وصوله إلى المنزل اتصل به مندوب الصيد البحري طالبا منه أن يلزم المنزل، لأن أحد الأشخاص ألقى بنفسه في شاحنة النفايات، ثم اتصل به بعد ذلك، وطلب منه مغادرة الحسيمة امتثالا لأوامر وزارة الصيد البحري. وعند الفجر اتصلوا به من الوزارة، وطلبوا منه تنفيذ الأمر بمغادرة مدينة الحسيمة، وهو ما تم، حيث غادر إلى مدينة وجدة.
عمال الشركة وآلة الضغط سائق الشاحنة، التي توفي فيها محسن فكري، أكد أنه كان رفقة عاملين، وبعد ركن الشاحنة، طلب منه أحدهما أن يشغل زر التحكم في الكهرباء لاشتغال الآلة المخصصة للضغط، وكذا الآلة التي يقف عليها العاملان، وبعد لحظات سمع صراخا خلف الشاحنة، ثم بعد استطلاعه الأمر فوجئ بأشخاص ينهالون عليه بالضرب، فعاد إلى مقطورة الشاحنة، وأقفل الباب، وقام بإيقاف زر تشغيل الكهرباء الذي يمد مؤخرة الشاحنة بالكهرباء. وأبرز المصدر ذاته أنه لم يكن خلف الشاحنة أي أحد لما طلب منه العامل الذي يعمل برفقته تشغيل تلك الآلة، ولم يكن يعلم نوعية المواد والأزبال التي سيقوم بشحنها، وأنه سبق له أن توجه إلى ساحة مركز الشرطة خلال سنة 2016 ثلاث مرات، حيث شحن كمية من السمك. أما زميله العامل الذي طلب منه تشغيل زر مد آلة الضغط بالكهرباء، فقد أكد هو الآخر أنه طلب من السائق تشغيل الزر الذي يسمح بتمرير الكهرباء، وبعد خمس دقائق هجم عليه مجموعة من الأشخاص وصعدوا خلف الشاحنة، وخوفا على نفسه لاذ بالفرار إلى مركز الشرطة، مبرزا أنه أثناء طلبه من السائق تزويد آلة الضغط بالتيار الكهربائي لم يكن قد صعد إليها أي شخص. أما المستخدم الثاني، الذي كان على متن الشاحنة نفسها ذلك اليوم، فقد صرح في البداية بأن خمسة أفراد صعدوا إلى الصندوق الخلفي للشاحنة، وأثناء محاولة أربعة منهم النزول قام أحدهم بالضغط على مقبض تشغيل آلة الضغط فاشتغلت، قبل أن يتراجع عن هذه التصريحات فيما بعد، ويصرح بأنه لم يشاهد واقعة صعود الأشخاص خلف الشاحنة لأنه كان قد لاذ بالفرار.
حارس القوارب وبائع السمك بالإضافة إلى المسؤولين المعنيين وعمال الشركة المتابعين في هذا الملف، يتابع أيضا بائع سمك وحارس قوارب بميناء الحسيمة، وحسب المصدر ذاته، فإن حارس القوارب بميناء الحسيمة أكد أنه بعد قدوم اللجنة، صعد محسن فكري خلف الشاحنة وتبعه آخرون. وعندما كان واقفا داخل الشاحنة أمسك بجانبها، وحتى عندما عرضت عليه الصور التي استخرجت من فيديو تظهر موقعه، أكد أنه كان ممسكا بجانب الشاحنة، وفي تلك الأثناء -يضيف الحارس حسب ما كشفه مصدر «اليوم 24»- أن بائع السمك المتابع في الملف حاول الصعود، وحاول الإمساك بأي شيء حتى لا يسقط، وفي تلك الأثناء اشتغلت آلة الضغط فقفز خارج الشاحنة كما قفز باقي الأشخاص باستثناء محسن فكري الذي بقي عالقا بمكانه، مضيفا أنه أثناء صعوده إلى مؤخرة الشاحنة كان محركها مشغلا، لكن آلة الضغط لم تكن كذلك. لكن بائع السمك، الذي نفى بدوره تهمة القتل غير العمدي، صرح بأنه توجه نحو الشاحنة وألقى نظرة على مؤخرتها التي وجدها فارغة، ثم انصرف، وبعد مضي حوالي نصف ساعة سمع صياحا، فعاد حيث وجد الناس متجمهرين حول الشاحنة وسمع بأن شخصا قد توفي.