كانت حياة نجاة أنور، المرأة الحاصلة على إجازة في الشريعة من جامعة فاس، والممارسة للأعمال الحرة، عادية، لكن في سنة 2003 سيحدث تحول في حياة المرأة التي ستفجر قضية ظل المجتمع المغربي يخشاها ويتحاشى الخوض فيها حين تفجرت قضية وحش بشري اغتصب عددا من الأطفال، وإدانته المحكمة بسنتين حبسا فقط! هذا الأمر دفع نجاة أنور إلى التفكير في تأسيس حركة تسعى إلى حماية الأطفال ضد جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي، وفي سنة 2004 ستؤسس جمعية «ماتقيش ولدي»، قياسا على شعار «ماتقيش بلادي» الذي انتشر عقب اعتداءات ماي 2003. الجمعية التي أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن الأطفال الضحايا، وحمايتهم وتوعية آبائهم، من خلال الدعم الطبي والقانوني والنفسي، ومن جهة أخرى النضال من أجل التغيير الشامل للقوانين المتعلقة بهذا النوع من الجرائم، وهكذا اقتحمت نجاة أنور أحد الطابوهات في البلاد، وخصصت جزءا من حياتها لحماية البراءة المغتصبة، وكذلك من أجل عقاب المجرمين المنحرفين الذين يتربصون بأطفال أبرياء. نجاة أنور خلال حديثها عن مسارها تعتبر نفسها مناضلة «كونت صورة عن قسوة مجتمع تجاه أطفاله، ورفضت الانخراط في زمرة الصامتين، وأرادت الفعل ومواجهة هذه القسوة. الشجاعة التي تتحدثون عنها ليست في اعتقادي خصلة أو قيمة، بل هي اختيار وقناعة لمواجهة وحش كاسر يتهدد أطفالنا». في المغرب حيث يسود الصمت الرهيب داخل البيوت التي اغتصب فيها طفل أو أكثر، تجد نجاة أنور الكثير من العقبات أمام اشتغالها، الذي يقوم في شق واسع منه على فضح هذه الممارسات، وملاحقة الجناة، وتواجه أنور وجمعيتها «ماتقيش ولدي» صعوبات حقيقية في تكسير هذه القيود. تقول نجاة أنور: «من الطبيعي جدا أن يكون عملي محفوفا بكثير من المعيقات والكوابح، وأشد ما يضايقني هو صمت الأسر عندما ينزوون بعيدا ويتركون الأطفال متعايشين مع رعب مغتصبيهم، تضايقني كذلك الإشاعة المغرضة التي تتحدث عن مجهودنا باعتباره مدخلا للثراء، يضايقني جحود البعض من مسؤولينا والبعض من إعلامنا عندما ينكرون حجم ما أضفناه إلى المجال الحقوقي للطفل، ويستهويهم ضربنا من تحت الحزام، تضايقني أخيرا تصفية الحساب باستغلال نبل القضية التي نشتغل عليها لتعكير صفو مناضلينا الشرفاء». لا تفوت نجاة أنور فرصة إلا واستغلتها في التعريف بمهمتها الحقيقية، والتي تتجاوز متابعة حالات بعينها، أو تقديم العون المؤقت للضحية الطفل، بل تعتبر نجاة أن هدف نضالها واشتغالها هو كسر شوكة النفاق الاجتماعي، وتسمية الأشياء بمسمياتها، ومصالحة المجتمع مع نفسه وإقراره بأعطابه وبظواهره الشاذة، وتختم نجاة حديثها بالقول: «أنا كفاعلة مدنية مهمتي أن أفضح الخرق وأن أنصف الضحية، وأن أسعى بمعية الآخرين المعنيين إلى قطع دابر الاعتداء على الأطفال، وأخيرا أن أساهم في تحديث بنيات مجتمعي».