قبل بضعة أيام جمعني لقاء للحوار مع نخبة من مغاربة العالم يفوق عددهم مائة شخصية من مختلف أصقاع المعمور، جلهم رجال ونساء تفوقوا في حياتهم الدراسية والمهنية وأصبحوا في مجتمعاتهم رؤساء مقاولات ومنتخبين يديرون الشأن العام، وأساتذة بالجامعات ومراكز الأبحاث، وأطباء ومهندسين ومخترعين، واللائحة طويلة. ويبدو أن مغاربة العالم الذين بلغ عددهم الخمسة ملايين لم يعودوا يقتصرون في حلهم وترحالهم على المواطن التقليدية للهجرة، وخاصة غرب أوربا، بل إنهم انتشروا وأبدعوا في قارات وبلدان جد بعيدة مثل أستراليا وأمريكا اللاتينية وبلدان لم يكن يخطر ببال المغاربة أن تطأها أقدامهم، فبالأحرى أن يستقروا بها ويبدؤوا حياة جديدة. لقد امتدت المحاضرة والنقاش والتساؤلات لما يقارب الثلاث ساعات كانت كافية لتعبر عن حقيقة اهتمامات الأنتلجنسيا المغربية في المهجر وتطلعاتها وعلاقتها بالوطن الأم وقضاياه الحيوية. وللحقيقة والتاريخ، فإن أبناءنا المهاجرين ظلوا ورغم تعاقب الجيل الأول والثاني أكثر تشبثا بوطنيتهم من أي وقت مضى، ورغم أنهم حصلوا جميعا على جنسيات البلدان التي يقيمون بها إلا أنهم يحتفظون بجنسيتهم الأصلية. كما أن سائر تساؤلاتهم واقتراحاتهم كانت تصب في اتجاه دعم الوحدة الوطنية والدفاع عن المصالح الحيوية والعليا للبلاد انطلاقا من موقعهم، ومواجهة مؤامرات خصوم القضايا الوطنية من خلال الجمعيات الأهلية والمهنية والأحزاب السياسية وباقي فعاليات المجتمع المدني. لقد ركز جل المتدخلين كذلك على ضرورة التوظيف الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للتعريف بالقضايا الوطنية والدفاع عنها، بل إن أحد الأساتذة الجامعيين المرموقين في ميدان الإعلاميات بفرنسا اقترح على كل الحاضرين أن يكون اجتماعهم بمثابة مناسبة لانطلاق حملة واسعة على الفيسبوك، من أجل استمرار الحوار والتنسيق لوضع استراتيجية أكثر شمولية ودقة لمواجهة تحديات المستقبل. من جهة أخرى، فقد ظهر واضحا أن مغاربة العالم شغوفون إلى أبعد الحدود بتأطير التواصل مع بلدهم بشكل أكثر نجاعة ومردودية، وهم يطالبون تبعا لذلك بأن تضم السفارات والقنصليات مراكز ثقافية وإعلامية، مؤكدين أن الظرفية أصبحت تتطلب المزيد من العمل المرتكز على العلم والمعرفة، والمرتبط بدفاتر تحملات واستحقاقات خاضعة للمراقبة والافتحاص. لقد أظهر اللقاء بتلك النخبة من مغاربة العالم أنهم نعم السفراء لبلدهم، وأن الدبلوماسية الموازية أصبحت تفرض نفسها كقوة جديدة لحماية مصالح الوطن. أستاذ العلاقات الدولية عن إذاعة ميدي 1