حركة غير عادية تمتد من المركب السجني عكاشة إلى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء.. فرقة أمنية خاصة، مهمتها اليوم تنحصر فقط في نقل المتهمين في ملف مافيا الأسلحة النارية من السجن إلى المحكمة لحضور أطوار الجلسة المنعقدة بالقاعة 9. كانت قاعة المحكمة مليئة بالوجوه التي يتملكها الفضول لمشاهدة زعيم مافيا الأسلحة النارية. كما يحدث في الأفلام الهوليودية. هي فرصة نادرة أن يتمعن المشاهد مباشرة في ملامح شخصية خطيرة جدا سفكت الدماء، وقامت بأعمال لا يمكن تصورها. كانت المحكمة الاستئناف تحاكم مافيا تستعمل الأسلحة النارية، أبطالها مغاربة وفرنسيون وجزائريون.. بعد أن قضت في حقه غرفة الجنايات الابتدائية بالسجن المؤبد، بدا الأمر سيان لدى زعيم المافيا المغربي الذي يحمل الجنسية الفرنسية. لاشيء يستحق الانضباط. كان كلما اقتربت محاكمته في الشق الاستئنافي، إلا ظهرت عراقيل وصعوبات في القضية. ففي إحدى الجلسات لمحاكمة المجموعة المكونة من 5 أفراد ينتمون للمافيا، فيما بات يعرف بمافيا الأسلحة النارية ببوركون، رفض المتهم الرئيسي، الصعود إلى قاعة الجلسات، بعد إحضاره من المركب السجني "عكاشة" بالدار البيضاء رفقة باقي المتهمين. كان يحملق بنظرات باردة في وجه رجال الشرطة، وهم يأمرونه بالاستعداد للصعود إلى قفص الاتهام.. نظرات مرعبة، كأنها تحمل في طياتها مزيدا من الغضب واللامبالاة.. وبعد محاولات متكررة، يخبرهم بصوت جامد بأنه لا يريد الصعود، وأنهم يجب عليهم الانصراف. يتابع في الملف خمسة معتقلين وواحد في حالة سراح، بعد أن سبق للمحكمة أن أصدرت حكما ابتدائيا بالسجن المؤبد في حق أربعة متهمين، ضمنهم زعيم مافيا الاسلحة، الذي لازال شابا، والبراءة لعنصرين، لكن أحدهما تم إلقاء القبض عليه فيما بعد في ملف الاتجار في المخدرات. أفراد عصابة الأسلحة النارية، وأغلبهم من المغاربة الحاملين للجنسية الفرنسية، توبعوا بتهم تتعلق بتكوين عصابة إجرامية والاختطاف والاحتجاز باستعمال وسيلة نقل بهدف الحصول على فدية والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد للشخص المخطوف بعد تعذيبه، والاختطاف والاحتجاز باستعمال وسيلة نقل لتسهيل ارتكاب جناية، ومحاولة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والسرقة الموصوفة، والاتجار الدولي في المخدرات. أحس رجال الشرطة بالإحراج، وأخبروا النيابة العامة. نزل نائب الوكيل العام للتحدث إليه في قبو المحكمة. كانت النتيجة سلبية، الرجل اتخذ قرارا بألا يصعد، ولا يحقق أمنية العديد من رواد القاعة في مشاهدته وهو ماثل في قفص الاتهام.. بدأت الضغوطات تزداد عليه، والأمنيون يلحون عليه في الصعود.. فجأة وقع ما لم يخطر على بال.. ارتفعت نسبة الأدرينالين في دماء زعيم المافيا، وظهرت علامات الغضب لتغمر جمود ملامح وجهه وجسمه، وتحيله إلى وحش محاصر لايقدر على فعل شيء، وإنما يستطيع أن يثبت شراسته وقبحه.. صرخ عاليا، وامتد إلى سرواله، وأنزله. ونزع ملابسه.. مما جعل الجميع يتراجع، ويعلنون أنه لن يحضر جلسة اليوم كالعادة، وإن كان يتم إقناعه أحيانا بالصعود، لكن هاته المرة فقد فاجأ الجميع بنزع ملابسه، وظهوره كما ولدته أمه، لتتم إعادته تحت الحراسة الامنية المشددة إلى المركب السجني "عكاشة" وهو شفتاه تفتران عن ابتسامة ماكرة.