في سبتة يتحول الليل مع احتفلات ال «نوشي بوينا».. إلى فسحة للاحتفال في الملاهي والشوارع، وحتى في صالات القمار، ولا يترك المغاربة نصيبهم يفلت من هذه الاحتفالات، إذ يقبلون على هذا الثغر المحتل من كل المدن والقرى المجاورة. الساعة، تشير إلى الثامنة مساء الثلاثاء الماضي. المكان، عند مدخل مدينة سبتةالمحتلة. برد قارس ضرب المدينة هذه الليلة، برودة لم تؤثر على حرارة الاحتفالات الصاخبة التي شهدتها المدينة ليلة «نوتشي بوينا « أو «الكريسماس» الذي يصادف 24 من دجنبر كل سنة. مغاربة سبتة، سواء كانوا قاطنين بالمدينة أو القادمين إليها من المناطق المجاورة للاحتفال بهذه الليلة، لا تخطئهم العين، تجدهم في الشوارع، في المراقص الليلية، وفي صالات القمار الشهيرة بالمدينة، للاحتفال إلى جانب الإسبان بليلة توصف في هذه المدينة بأنها «ليلة السنة». ولا يبدو أن المدينةالمحتلة ليست تشكو من وطأة الأزمة مثلما تعاني منها مدن أخرى بالجنوب الإسباني. فالمدينة المعفية من الرسوم الجمركية تعيش رواجا تجاريا طيلة أشهر السنة، لذلك حتى المغاربة القاطنون في المدينةالمحتلة لم يتذوقوا طعم الأزمة كما تذوقها أقرانهم في باقي التراب الإسباني. انطلقت الاحتفالات بعد منتصف الليل، شارك فيها شبان مغاربة وأقرانهم الإسبان، فيما فضلت عائلات أخرى المكوث في المنازل بعد استماعها لخطاب الملك، وأجلت الخروج إلى الشارع حتى ليلة رأس السنة الميلادية الثلاثاء المقبل.
قبل منتصف الليل هنا، في قلب سبتةالمحتلة، وبالضبط عند الممر الرئيس، حيث يتبضع الزوار وسكان المدينة، هدوء لم يعتده المكان، يكسره أحيانا شباب وشابات يرتدون لباسا أنيقا ( لباس العيد)، كانوا يقصدون المراقص والملاهي الليلية. في هذا الممر دائما، يقع مقر حكومة سبتةالمحتلة. الأضواء الكاشفة والأشجار المتحركة أضفت لمسة مميزة على هذا المكان الذي يعج في الأيام العادية بالمتبضعين والمتجولين، لكنه يبدو في هذه الأثناء خاليا، أين ذهب الناس؟ أحد عمال النظافة يجيب: « لن يأتي أحد إلى هنا قبل منتصف الليل.. الجميع يتناولون العشاء مع أقاربهم وأصدقائهم». كان عامل النظافة هذا يجمع قطع زجاجة خمر كسرها أحد المارة وألقاها على الأرض، عادت «أخبار اليوم» وسألته: «هنا أيضا يلقي الناس الزجاج في الشارع العام؟ فيجيب مبتسما:» رأيت الذي ألقى الزجاجة على الأرض، إنه معروف بإفراطه في السكر، ويقوم بهذه الأعمال الغريبة كل ليلة»، أهو مغربي؟ «نعم». يجيب عامل النظافة. تحرك الرجل وهو يتحدث ويقول «سنعثر على زجاج كثير ملقى على الطرق هذه الليلة.. طابت ليلتك عزيزي». غير بعيد عن «السينطرو»، توجد ثلاث محلات تقدم الأكلات المغربية، يقابلها موقف للسيارات، هي الوحيدة التي تظل مفتوحة لتقدم الوجبات للزبائن في هذه الليلة، يقول أحد العاملين فيها: «بإمكانك أن تتجول بالمدينة فلن تجد شيئا..، فكل المحلات مغلقة، لأن الجميع يحتفلون في منازلهم في هذه الليلة». وتبدأ تقاليد وعادات هذه الليلة عند المسيحيين الإسبان. في الثامنة مساء، إذ يتجمع الأقارب في البيوت يتبادلون الهدايا ويتناولون العشاء، ويستمعون بعد ذلك لخطاب الملك خوان كارلوس، إلى أن يحين منتصف الليل. في أحد هذه المطاعم المغربية، كان ثلاثة شبان مغاربة يتناولون «الشوارما»، بدوا من حديثهم أنهم يتحدرون من مدينة تطوان على بعد 15 كلم من المدينةالمحتلة. اثنان منهم كانا ثملين. جاء الشباب الثلاثة إلى المدينة لحضور احتفالات «نوتشي بوينا». ومن المعلوم، أن سكان مدينة تطوان أو الفنيدق يقتصر دخولهم إلى المدينةالمحتلة على جواز سفر فقط، دون أن يتوفروا على تأشيرة «شينغن»، فيما يطبق نظام التأشيرة على سكان طنجة والمدن الأخرى. من خلال حديثهم بدا الشبان الثلاثة غير متفاهمين على المكان الذي سيحتفلون فيه؛ أحدهم يريد قضاء الليلة داخل المراقص، وآخر يريد أن يجرب حظه بصالة القمار، أما الفتى الثالث فلا يرى مانعا أن يقوم بكل شيء، يذهب إلى المراقص، وصالات القمار، ثم معاكسة الفتيات في الشوارع. ولما لا؟ قضاء ليلة حمراء مع إحداهن، «وحنا علاش جينا حتا لهنا»، يقول أحد الثملين لصديقه الذي كان يجلس أمامه.
أجراس الكنيسة تدق يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح ولد في هذه الليلة، لذلك ينتظرون أن تدق أجراس الكنيسة، عند منتصف الليل، لأداء تحية معينة تقديرا لهذه اللحظة التي يصفونها ب «التاريخية». يجري هذا الأمر داخل المنازل حيث تتجمع العائلات؛ أما الشارع فلا صوت يعلو، بعد منتصف الليل، عن أصوات «البوبوزيلا» (مزامير طويلة)، التي يستعملها بعض الشبان للتعبير عن الفرح والسرور بقدوم هذه الليلة، رغم أنها تثير صوتا مرعبا. هناك، في وسط المدينة أدراج تؤدي مباشرة إلى المراقص والملاهي الليلة، هنا، تجلس سيدة خمسينية تتسول من المحتفلين المغاربة، تطاردهم إلى أن يصلوا إلى باب الملهى، قبل أن يتكلف بها رجال الأمن الذين أبعدوها بطريقة لا تخلو من فظاظة. صخب غير مسبوق يهز الملاهي في هذه المنطقة، إنها مكتظة عن آخرها، حوالي ثلاثة إلى أربعة ملاهي قريبة من بعضها البعض، كلها مملوءة بالشبان والفتيات، الكل يرقص، الجميع يحتفل، القبلات توزع على الجميع، الفرح والبهجة ترتسم على وجوه الجميع. بعد احتسائهم لكؤوس النبيذ قام عدد من الشباب المغاربة بتشكيل دائرة تتكون من حوالي عشرة أفراد، وبدؤوا يرقصون على الطريقة الشرقية، مشهد آثار الفتيات اللواتي كن داخل الملاهي، فخرجن لمتابعة العرض الذي بدا لهن مثيرا. كان بعض الراقصين يحملون كأس النبيذ باليد اليسرى ويلوحون باليمنى، وعندما ينتهي النبيذ يلقي بالكأس على الأرض ليتهشم محدثا صوتا يزيد في بهجة الراقصين. في هذا المكان، لا مجال للحديث عن الدعارة أو بائعات الهوى، فمعظم الرواد يصطحبون معهم عشيقاتهم، وحتى الذي يأتي مفردا لا يلزمه مجهودا كبيرا للعثور على فتاة ترقص معه أو تقبله. فهذه الليلة هي ليلة الخمر والقبل..، وأشياء أخرى...
احتفالات واعتقالات في الخارج عادت الحركة إلى وسط المدينة بعد منتصف الليل، فالأغلبية تفضل الخروج وقضاء ما تبقى من الليل وسط الشارع. عند حوالي الساعة الثانية والربع، وقعت مشاداة بين ثملين مغربيين، إذ كانا يتبادلان السب والشتم بلهجة داخلية، وكان المتجولون يتابعون المشهد بكثير من السخرية، فمثل هذه المشاهد «مألوفة» في المدينةالمحتلة. هكذا، علق أحد السبتاويين». كان أحدهما يحمل كأسا فيه شراب وقطعة ليمون، فيما الآخر بدا وكأنه يريد أخذه منه. رفض الأول طلب الثاني، ودخلا في معركة كلامية، جزء منها بلغة إسبانية والجزء الآخر بلغة مغربية وبلهجة داخلية. بدا المشهد مسليا وجديرا بالمتابعة! من تابع هذه المعركة كان حريصا على معرفة كيف ستكون النهاية، وهل سينجح الطامع في كأس صديقه في انتزاعه منه؟ غير بعيد عن مكان هذه «المعركة» التي أعطت طعما خاصا لليلة «نوتشي بوينا». هنا، كان شاب وشابة يتبادلان القبل غير مكترثين بما يجري قربهما، الفتى بدت عليه ملامح الشبان المغاربة بدليل بشرة وجهه السمراء، فيما تتحدر الفتاة الشقراء، التي كانت ترتدي ثياب الصيف في هذه الليلة الباردة، من المدينةالمحتلة. لم يكد ينتهي المشهدان المثيران، حتى فاجأت دورية للشرطة الجميع، واعتقلت المتعاركين على الكأس؛ أما العاشقين فاختفيا بسرعة، ولعلهما أكملا ليلتهما الساخنة في بيت ما.
داخل «البينكو» بعيدا عن شجارات الشارع وداخل أشهر صالات القمار بمدينة سبتةالمحتلة، أو ما يعرف هناك ب «البينكو»، لا حديث عن الأزمة المالية أو الاحتفال أو أي شيء آخر، من يدخل إلى هذه الصالة لا يأتي وجيبه فارغ. ومن هنا، خرج عدد غير قليل من المقامرين بملايين الأورو، فيما آخرون بددوا ممتلكاتهم وثرواتهم داخل هذه الصالة المثيرة، ثم انتحروا وفق شهادات عدد من المقامرين الذين التقتهم «أخبار اليوم». في هذه الليلة، كانت الصالة تضم عددا قليلا نسبيا من الزبناء الذين اعتادوا على اللعب كل يوم، «إنها ليلة نوتشي بوينا الكل مجتمعون مع عائلاتهم»، تقول إحدى العاملات، قبل أن تضيف:» في هذا اليوم تكون حركة الزبناء قليلة، لكن ماعدا هذا اليوم فإن الصالة تكون غاصة». وأسرت لنا هذه العاملة، بأن هناك زبناء يأتون من مدن الرباط والدار البيضاءوطنجة إلى هنا للعب القمار، وأضافت بأنهم يبددون أموالا كثيرة قبل أن يغادروا في ساعات متأخرة من الليل. بدت صالة القمار هي الأخرى في هذه الليلة متزينة على غير عادتها، إذ ارتدى العاملون فيها ثوبا أحمرا، ويقدمون هدايا بسيطة للزائرين احتفالا بهذا اليوم المقدس. يكون المشهد مختلفا، باستثناء هذه الليلة بصالة «البينكو» تقول عاملة في هذه الصالة، وهي من أصول مغربية، إذ تكون الصالة مملوءة عن آخرها، حتى إن بعض الزبناء ينتظرون إخلاء مكان الألعاب لساعات طوال، قصد التمكن من تجريب حظهم، وقدرت العاملة أن يكون أزيد من 70 في المائة من زبناء «البينكو» مغاربة.
مغاربة سبتة يهربون من ال «نوتشي بوينا» عاش معبر باب سبتة ليلة «نوشي بوينا» أوضاعا استثنائية، بعدما باغتت المئات من السيارات رجال الجمارك والأمن. الكل يريد قضاء عطلة نهاية رأس السنة ببلده وبين أهله. لكن عطلة نهاية السنة بدأت مبكرا هذه المرة، ولم تكن السلطات المغربية تنتظر أن يتجه هذا العدد الكبير نحو المعبر، إذ توقعت أن يقضي عدد كبير من المغاربة ليلة «نوشي بوينا» داخل المدينةالمحتلة، ثم تبدأ عملية الاستقبال أيام 27 و28 دجنبر. «لماذا سنظل هناك؟ هذه ليلة المسيحيين وليس ليلة المسلمين»، يجيب أحد المغاربة العائدين رفقة أبنائه إلى مدينة المضيق حيث تقطن عائلته. ويضيف هذا الرجل ل « اليوم24»، أن معظم المغاربة يستغلون عطلة نهاية السنة لقضائها خارج هذه المدينة. مصدر جمركي أكد ل «اليوم24»، أنه تفاجأ من هذا العدد الهائل من السيارات التي تنتظر الدخول إلى التراب الوطني. هذا، وقد عاينت « اليوم24» كيف أن تدفق المغاربة نحو معبر سبتة استمر حتى الرابعة من صباح يوم الأربعاء؟