حزب الاستقلال غاضب وغاضب جدا، وعندما يغضب أبو الأحزاب في المغرب فعلى الجميع أن ينتبه إلى الأمر، وأن يبحث عن الأسباب التي تجعل حزبا محافظا يصدر بيانا ثوريا من داخل مجلسه الوطني يقول فيه: «الأكيد أن مسؤولية الدولة واضحة ومتجلية في ما يحاك ضد الديمقراطية، من خلال تسخير إمكانياتها اللوجستيكية والبشرية والمالية والإدارية لخدمة أجندة حزبية معينة هدفها التحكم وتركيع الأحزاب وإفساد العملية الانتخابية، فعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في ما يحدث بأن تصون هيبتها، وتصون مؤسساتها من مخاطر الاختراقات والتحكم اللذين يضعفانها ويفقدانها قيمتها». كلمة الدولة كلمة واسعة ولها دلالة في القاموس السياسي الحزبي، وأن تصير اليوم أربعة أحزاب على الأقل (العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال واليسار الاشتراكي الموحد) كلها تحمل الدولة المسؤولية عن النفخ في حزب الأصالة والمعاصرة، والدفع به إلى احتلال المرتبة الأولى في الانتخابات المقبلة، والمس بنزاهة العملية السياسية، فهذا أمر يبعث على القلق الشديد. حزب الاستقلال لم يقف عند فك ارتباطه بالبام نهائيا، ولا عند تحميل الدولة مسؤولية تسخير اللوجستيك المادي والسياسي لفائدة الجرار، بل أعلن حزب علال الفاسي استعداده للدخول في تحالف سياسي مع العدالة والتنمية لتشكيل جبهة لحماية الاختيار الديمقراطي المهدد، فجاء في بيانه: «إن المجلس الوطني لحزب الاستقلال يحيي مبادرة حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية بالتصويت لمرشح حزب الاستقلال لرئاسة مجلس المستشارين، ويعبر المجلس الوطني عن أمله في تقوية هذا التنسيق في المحطات المقبلة.. ويجدد اصطفافه إلى جانب القوى الديمقراطية الحقيقية في جميع المحطات السياسية والمراحل المقبلة لتقوية الجبهة الديمقراطية في مواجهة إرادة التحكم والتركيع والاستبداد». منذ خمس سنوات وحزب الأصالة والمعاصرة يعمل جاهدا، وبمساعدة أطراف عدة في الدولة، على عزل العدالة والتنمية عن أحزاب الحركة الوطنية، ولهذا ساهم في إخراج الاستقلال من الحكومة، ودفع الاتحاد إلى إشهار ورقة التناقض الإيديولوجي مع الإسلاميين من أجل عزل بنكيران، وحاول أن يحرج التقدم والاشتراكية بدعوى أنه حزب تقدمي ارتمى في حضن حزب رجعي، وجعل حزب الأحرار يضع رجلا في الحكومة وأخرى في المعارضة، ولم يكتفِ حزب إلياس العمري بالوقوف في صف المعارضة، والعمل بالوسائل الشرعية لهذه المعارضة، بل سعى إلى إضعاف الحكومة من داخلها ومن خارجها، وإرباك التجربة الديمقراطية الهشة، فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة أن أغلبية الأحزاب السياسية اليوم صارت ضد البام، والذي لا يعبر عن رأيه صراحة يدعو في سر على البام ويشتكي من وراء حجاب، مثل الحركة الشعبية وحتى الأحرار الذين يمشون وراء الجرار على مضض، أما تحالف البام مع الاتحاد الاشتراكي فإنه تحالف هش إلى أبعد الحدود، من جهة، لأن هذا التحالف ليس محل اتفاق وسط حزب لشكر، ولأن هذا الأخير جاء إليه مضطرا لأنه لم يعثر على الوصفة السياسية لاستعادة وهج الحزب وجماهيره الشعبية، فراح يبحث، عبر طرق التفافية، عن حماية ما يمكن حمايته من وجود انتخابي، ولو على يد حزب من أحزاب المخزن. عندما تأسس حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2009 على يد فواد عالي الهمة، كان ذلك تحت شعار محاربة الإسلاميين، ومصالحة الشباب مع السياسة، وتنزيل المشروع الديمقراطي الحداثي للملك محمد السادس، والآن، ماذا بقي من هذه الأهداف بعدما تقوى الإسلاميون أكثر، وصاروا الحزب الأول في البلاد، وخرج الشباب في 20 فبراير يقولون للجرار ورموزه dégage، وأصبحت الدولة متهمة بإفساد العملية الديمقراطية لأنها تدعم البام، وتسمح له بتعيين مسؤولين بوزارة الداخلية والمؤسسات العمومية، كما قال شباط في استجواب مع جريدة «المساء» نهاية الأسبوع الماضي؟ قصة الدولة مع البام تشبه شخصا أتى بحارس شخصي (garde du corps) ليحميه من مخاطر خصوم مفترضين، فنسي الحارس مهمته الأولى، وصار يعتدي على كل من يلتقيه في طريقه، وأصبح أصدقاء الرجل قبل خصومه يشتكون حارسه الشخصي، واعتداءاته المتكررة عليهم، فأصبح الحل هو سبب المشكل، وصار الحارس أكبر مشكلة للرجل الخائف، حيث وسع هذا الحارس من قائمة أعداء الرجل، وأصبح يقضي جل الوقت في حل المشاكل التي يجلبها من أتى لتوفير بعض الأمن، فمن يتطوع ليشرح لصاحبنا أن خوفه غير حقيقي، وأن كلفة وجود هذا الحارس إلى جانبه غالية جدا؟ من؟