هم سياسيون ومشاهير عُرفوا لدى المغاربة كمسؤولين، أو قياديين في أحزابهم، أو فنانين، أو حقوقيين.. لكن ما لا يعرفه الكثيرون عنهم، هو نقطة البداية في حياتهم، والمهن التي امتهنوها في بداية الطريق.. في حلقة اليوم الثلاثاء، من سلسلة "مهنهم الأولى"، ينشرها "اليوم24′′، كل يومين، نتقرب أكثر من حياة رئيسة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش. صادف ميلادها العاشر من دجنبر، الذي يخلد فيه العالم كل سنة اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. ليرتبط اسمها ومسارها بنضال طويل لضمان هذه الحقوق على المستوى الوطني والدولي.. هي أمينة بوعياش التي يعرفها المغاربة كحقوقية، لكن قليلون هم من يعرفونها أنها كانت مستشارة لدى الوزير الأول الاسبق عبد الرحمان اليوسفي، إبان تجربة التناوب التوافقي. ولدت بوعياش، التي تنحدر من بني بوعياش بمدبنة الحسيمة، في مدينة تطوان، والدها كان أستاذا للغة العربية بتطوان، قبل أن يصير محاميا، قضت الحقوقية طفولتها في تطوان إلى غاية الحصول على شهادة الباكالوريا. مارست الحقوقية في بداية حياتها كرة السلة ضمن الأنشطة المدرسية، وانخرطت في فريق إعداديتها الذي تنقلت معه في مدن متعددة في إطار إقصائيات مدارس الشمال، واستمرت في لعب السلة لمدة أربع سنوات، ونالت مع فريقها جوائز عديدة، لكنها لم تفكر في الاحتراف، وركزت على مسارها الدراسي أكثر. في مسارها الثانوي، اختارت بوعياش مسلك العلوم الاقتصادية، ونالت شهادة الباكالوريا في هذا التخصص سنة 1978 :"كان توجهي علميا في بداية الأمر، وكان الأساتذة يحثونني على الاستمرار في هذا المسار، لكن بالنسبة لي كان الاقتصاد هو الاختصاص الذي من شأنه أن يمكنني من متابعة المجتمع وفهم ما يمر به، لأن دراسته تتضمن الفلسفة وعلم الاجتماع والسياسة وكانت بالنسبة لي الأقرب إلى منهجي وعقليتي وما أريد"، تحكي الحقوقية في حديثها ل"اليوم24″. بداية العمل الحقوقي لبوعياش كان في فترة الدراسة الجامعية، عقب اعتقال والد أطفالها، انضمت إلى حركات عائلات المعتقلين السياسيين، التي قالت فيها :"كانت مشتتة ولا نعرف بعضنا، لكن انطلاقا من محاكمة 1977 بدأت العائلات تجتمع وتلتقي لتحسين ظروف السجن ومتابعة المحاكمة والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين". وتمضى مسترسلة :"لم أكن أعرف ما هو العمل الحقوقي، لكن العمل في هذا إطار حركة عائلات المعتقلين السياسيين كانت بداية الالتصاق مع مجال عرفت بأنه مهم بالنسبة لي وللمغاربة". وحلت بوعياش بالرباط، للدراسة في كلية العلوم القانونية والاقتصادية، وحصلت في سنتها الأخيرة على فرصة للدراسة في كندا، إلا أنها لم تتمكن، وتقول :"لأسباب عائلية، لم اسافر لكندا، فزوجي ساعتها كان في السجن علاوة على إشكالات أخرى". ونالت الحقوقية شهادة الإجازة سنة 1981، وتسجلت بعدها في الدراسات المعمقة، قبل أن تقوم بالخدمة المدنية لسنتين في الخزينة العامة للمملكة، بعد نهاية الخدمة، دخلت بوعياش في تجربة تعتبرها مدرسة حقيقة في حياتها، حيث اشتغلت لمدة سنة مع الراحلة فاطمة المرنيسي، كمساعدة لها :"اشتغلت في تفريغ المقابلات الصحافية، وجمع المعلومات وترتيبها في الدراسات السوسيولوجية التي كانت تقوم بها"، تروي بوعياش. وقالت :"استفدت من المرحومة بشكل كبير، هي امرأة لها مني تقدير كبير لأنها علمتني وتعاملت معي كإنسان قريب لها"، وتضيف :"مع المرنيسي وفي الصحافة تعلمت كيف ألاحظ الواقع وماهي الاستنتاجات الممكنة عبر هذه الملاحظات "، تروي الحقوقية، موضحة أنها اشتغلت كذلك في الصحافة لمدة وجيزة. وبعد ذلك، اجتازت بوعياش مباراة للتوظيف في مؤسسة القرض الفلاحي، حيث اشتغلت في بادئ الأمر في مصلحة الأسواق العمومية، ثم في مصلحة العلاقات العامة في المؤسسة. بالموازاة مع مسارها، اشتغلت بوعياش في صفوف المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، إذ كانت عضوة في لجنتها التحضيرية وتولت فيها مسؤوليات عديدة، كما كانت مكلفة بالمالية. اشتغلت الحقوقية في القرض الفلاحي إلى حين التحاقها بديوان الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي سنة 1998، كمستشارة في التواصل ""هو بالنسبة لي رجل دولة بامتياز من حيث تدبيره وتفكيره الاستراتيجي، وأعتبر أن أكبر مدرسة في حياتي كانت مدرسة هي العمل إلى جانبه"، تقول المتحدثة. وتضيف :"من خلال عملي مع سي عبد الرحمان، عرفت المغرب وكيفية تسيير دواليب القرار، كما عشت في هذه المرحلة المصالحة السياسية بين أطراف متعددة… عشت لحظات النقاش القوي للوصول إلى مصالحة سياسية والتمكن من تنفيذ الاصلاحات"، تحكي الحقوقية. وبعد تجربتها إلى جانب اليوسفي، استأنفت بوعياش نشاطها في الOMDH، إلى حين إلحاقها سنة 2003 كعضوة بهياكل المنظمة وانتخابها في نفس السنة نائبة رئيس المنظمة الى حدود مؤتمر 2006 الذي انتخبت فيه رئيسة. وعملت بوعياش كمكلفة بالدراسات في وزارة التشغيل، في الفترة مابين 2003 و 2010 :"مروري بهذه المهمة جعلني أتعرف على النقابات والحوارات الاجتماعية، صحيح أنني حضرت لحوارات اجتماعية مع الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، لكن تعرفت على مطبخ الحوار الاجتماعي وملفاته في فترة عملي في الوزارة". واختارت الحقوقية طلب المغادرة الطوعية سنة 2011. تروي بوعياش السبب :"لأن مهامي الدولية كنائبة رئيس الفيديرالية الدولية لحقوق الإنسان اللي قمت بها بين 2007 و2013 كانت تتطلب مني تنقلا كثير، إلى جانب أنه كانت هناك اقتراحات بأن أتقدم للأمانة العامة للفيديرالية التي تتطلب وقتا أكبر من نيابة الرئيس، لذلك اخترت ترك العمل، حتى لا أكون أتقاضى أجرا على وظيفة لا أقوم بها وأنا كثيرة السفر.. من اللائق ومن الاخلاقي أن أختار ما بين التزامين، التزام الوظيفة والتزام العمل الحقوقي"، تؤكد بوعياش.