بعد أسبوع عن واقعة إضرام بائع «الفراولة» النار في نفسه في مدينة تازة على الطريقة «البوعزيزية»، تكرر السيناريو نفسه، مساء أول أمس الجمعة، بقلب ثانوية الوحدة في مدينة واد أمليل، القريبة من تازة، حيث أقدم تلميذ فصل عن الدراسة في المؤسسة، بداية السنة الدراسية الحالية، بقرار تأديبي، على إشعال النار في جسده بقلب ساحة الاستراحة، بعد أن قررت الإدارة إرجاع زملائه إلى قاعة الدرس واستثناءه لوحده. ونقل شهود من تلاميذ الثانوية، عاينوا المشهد المروع لحظة خروجهم في فترة الاستراحة، أن زميلهم، الذي فصلته الإدارة عن الدراسة بقسم الباكالوريا، شاهدوه يغادر مكتب الحارس العام للثانوية، وهو يصرخ «أنا ضعت.. حياتي ومستقبلي ضاعو»، قبل أن يسحب قنينة من محفظته الظهرية سكب محتواها على جسده وأشعل النار بواسطة ولاعة، ثم واصل صياحه «أنا ضعت .. حياتي مشات»، فيما ظل يشير بإصبعه إلى مكتب الحارس العام للثانوية مخاطبا إياه «هذا سبابي هو اللي اخرج علي». وأضافت المصادر نفسها أن حالة من الفوضى والصراخ عمت ساحة الثانوية، ما أسفر عن سقوط تلميذات مغشى عليهن بسبب مشاهدتهن لجسد زميلهن يحترق، فيما سارع أحد عناصر الأمن الخاص في الثانوية إلى إحضار قنينة إطفاء الحرائق من إدارة المؤسسة، وتمكن من إخماد ألسنة النيران المشتعلة بجسد التلميذ، الذي ظل يئن من شدة آلام الحروق، التي أصيب بها، والتي تزايدت خطورتها بسبب التصاق الملابس التي كان يرتديها بجسده، والتي يحتوي قماشها على نسبة كبيرة من «البوليستير»، السريع الاشتعال. ونقل الشاب المصاب بحروق من الدرجة الأولى والثانية إلى المستشفى الإقليمي ابن باجة في تازة، والذي أمرت إدارته بإحالة الشاب على المستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس، حيث يرقد بائع «الفراولة»، الذي أحرق جسده، الأسبوع الماضي بتازة. وكشف مصدر من عائلة التلميذ أنه تجاوز مرحلة الخطر، وأنه نقل إلى مصلحة أمراض الجلد بالمركز الاستشفائي الجامعي، الذي لا يتوفر على مركز متخصص في الحروق، لكن المصلحة تتدخل بعد تجاوب جسد المريض مع التدخل الطبي في معالجته من الحروق، التي أصيب بها، وإخضاعه إلى عملية تشكيل الجلد بالأماكن المتضررة. وعلمت «أخبار اليوم» من مصدر قريب من التحقيق، الذي فتح في الحادث بأمر من النيابة العامة، أن التلميذ «س. ب» سبق له معية ستة من زملائه أن صدر في حقهم قرار تأديبي قضى بفصلهم عن الدراسة بالثانوية، نتيجة ارتكابهم سلوكيات خارجة عن قوائم الانضباط بالمؤسسة، غير أن التلاميذ المطرودين، وعقب تدخل جمعية الآباء وأولياء التلاميذ وجمعيات حقوقية، عقد مجلس الثانوية اجتماعا للنظر في طلبات الاستعطاف المقدمة من التلاميذ، قرر أعضاء المجلس إعادتهم إلا التلميذ «سعيد بوكريبات» لوجود حالة العود في السلوكيات الصادرة عنه، والتي كانت وراء إنذاره لمرات عديدة، وتوقيفه عن الدراسة في الثانوية. وفور علم التلميذ بعودة زملائه إلى الدراسة بالثانوية، حضر، بعد زوال أول أمس الجمعة، وتوجه إلى مكتب الحارس العام للثانوية لطلب شهادة مدرسية والاستفسار حول مآل طلبه، ليتأكد بنفسه أنه تم استثناؤه من قرارات العفو، التي استفاد منها زملاؤه، فغادر مكتب الحارس العام غاضبا، وهو يصرخ قبل أن يضرم النار في نفسه أمام مرأى التلاميذ، مما يفسر أنه دبر كل شيء قبل أن يتوجه إلى الثانوية ليتأكد من أمر إبعاده من لائحة العائدين إلى الدراسة. من جهتها، اتهمت إدارة الثانوية عضوا بفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتازة، يقطن في مدينة واد أمليل، بتحريض التلميذ على إحراق جسده والاحتجاج على الطريقة «البوعزيزية»، فيما رد الناشط الحقوقي «الزكي الحطري» على هذه الاتهامات في اتصال هاتفي أجرته معه «أخبار اليوم» بقوله إنه سبق له أن حضر إلى ثانوية الوحدة من أجل إقناع إدارتها بإرجاع التلاميذ الستة، الذين شملهم الطرد من المؤسسة بقرار تأديبي، وبعد الاستماع إلى كل التفاصيل المتعلقة بملفهم، قررت الإدارة عقد اجتماع ثان للتداول في مسألة إرجاعهم، وهو ماكان، لكنها رفضت إرجاع التلميذ «سعيد بوكريبات». وأضاف الناشط الحقوقي أنه علم بالحادث، بينما كان يحتسي كوب قهوة في إحدى المقاهى، ما دفعه إلى التوجه نحو الثانوية لاستطلاع هذا الأمر، حيث فاجأه الحارس العام باتهامه المباشر له بتحريض التلميذ على إضرام النار في نفسه، وهو "ما نفيته على الفور"، يقول عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بفرع تازة. وتابع "قررت مغادرة الثانوية تحاشيا لاستفزازات الحارس العام، وتوجهت إلى مركز الدرك الملكي لأخذ المعطيات، قبل إصدار الفرع لبيانه حول الحادث، بحكم أن الجمعية تابعت الملف منذ أن اتصل التلاميذ وآباؤهم بها لمؤازرتهم بغرض إرجاعهم إلى فصول الدرس، وتفادي بقائهم في الشارع عرضة للانحراف، يقول الناشط الحقوقي.