رفع في بداية شهر يناير الحظر على نشر المعهد الوطني للدراسات الديمغرافية والمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، للتقرير الذي سبق إنجازه قبل سنوات، والذي كان نتيجة تحقيق وعملية مسح لتنوع السكان في فرنسا. أنجز التقرير 22 باحثا من المعهدين، واستهدف عينة تضم 22 ألف مستجوب. وكان الهدف من هذا التقرير التعرف على الأصول، وعلى ظروف الحياة، وعلى المسارات الاجتماعية للمهاجرين، في علاقتها مع التركيبات السوسيو ديمغرافية الأخرى التقليدية: الجنس، السن، المستوى الدراسي والتعليمي ومكان السكن..وتقديم تقييم أفضل لظواهر الإدماج الاجتماعي والتمييز العنصري. كما يستهدف التحقيق فهم كيف أن الأصل هو في حد ذاته، يعتبر عاملا من عوامل عدم المساواة أو بكل بساطة، الوصول إلى مجالات الحياة الاجتماعية والسكن واللغة والتعليم والعمل والترفيه، وخدمات المنافع العامة والاجتماعية، ووسائل منع الحمل، والصحة، والمواطنة، والعلاقات، وسوق الزواج التي يحصر داخلها المهاجر وأبناءه وأحفاده.. هذا، واهتم التقرير أكثر، بطبيعة العلاقة بين الأصل والفئات المميزة الأخرى في المجتمع الفرنسي (الجنس والطبقة والنمط الظاهري، الحي …)، لتحليل عملية الاندماج، والتمييز وبناء الهوية داخل المجتمع الفرنسي ككل. أثبت التقرير-التحقيق، وجود تفاوتات شاسعة بين المهاجرين و»غالبية السكان»، وخاصة فيما يتعلق بالاندماج في سوق الشغل. ووفقا لخلاصات التقرير الذي يحمل عنوان: «مسارات وأصول»، فإن الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و29 سنة من المهاجرين أو أبناء أو أحفاد المهاجرين يجدون صعوبات في نهاية مسارهم الدراسي للحصول على عمل، كما هو الحال بالنسبة إلى شباب آخرين من الفرنسيين، بل حتى من أجل الحصول على عمل مؤقت لسنة واحدة على الأقل. ويعاني من هذه الوضعية أكثر المهاجرون أو أبناء المهاجرين المقيمين في مناطق ناقصة التجهيز والمناطق الحضرية الحساسة بفرنسا. يكشف التقرير أيضا، أن المهاجرين في فرنسا، وبالرغم من أن عددا كبيرا منهم يحمل الجنسية الفرنسية، يتم التعامل معهم بشكل تمييزي، وبدرجة متدنية مقارنة مع الفرنسيين، حتى إن التمييز يعتبره التقرير خطيرا وغير مسبوق في مسألة الاندماج (أكثر من 50 في المائة من المغاربيين). إذ إن هناك ارتفاعا في نسبة تعرض المهاجرين المنحدرين من البلدان المغاربية، وبخاصة المغاربة والمنحدرين من بلدان جنوب الصحراء، للإقصاء بسبب مظهرهم الخارجي من دون تمييز بين السود والبيض. يعتقد أكثر من 30 في المائة من المهاجرين المغاربة أنهم يتعرضون للتهميش والإقصاء في فرنسا، مقابل 32 في المائة بالنسبة إلى الجزائريين، و47 في المائة بالنسبة إلى المهاجرين الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء. لم يتوقف التمييز والإقصاء في الإدماج عند المهاجرين، بل يمتد، حسب التقرير، إلى أبناء المهاجرين المغاربيين والأفارقة، الذين لا يتلقون تعليما جيدا. ويضيف التقرير إلى أن 32 في المائة من أبناء المهاجرين المنحدرين من بلدان شمل إفريقيا لم يتمكنوا من الحصول على الشهادة الابتدائية. وأن نسبة الحاصلين عليها من بين أبناء مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء تبقى متدنية جدا. أكثر من ذلك، كشف التقرير أن أكثر من 55 في المائة من المهاجرين المنحدرين من شمل إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء أكدوا أنهم كانوا طوال حياتهم في المهجر الفرنسي، هدفا للممارسات العنصرية. وأنهم لم يكونوا يشعرون أنهم مواطنون فرنسيون، بالرغم من حصولهم على الجنسية الفرنسية. نسبة عالية من المهاجرين المغاربيين والأفارقة الشباب لهم مستوى تعليمي أقل عموما مقارنة مع نظرائهم من الفرنسيين، لكن توجد من بينهم مع ذلك نسبة مهمة من حملة الشهادات الثانوية، وحتى الجامعية. بالإضافة إلى ذلك، يكشف التقرير أن المهاجرات المغاربيات على الخصوص من الشابات، واللواتي يقطن بالمناطق الحضرية الحساسة، عادة ما يتعرضن للتمييز في الإدماج بسبب ذلك، وكثيرا ما يتعرضن للبطالة طويلة المدة. وهو الشيء الذي يقول التقرير، يؤجج شعورا متزايدا بالتمييز في العمل بسبب مكان الإقامة. وضمن هذا السياق يرصد التقرير أن اثنين من أصل ثلاثة هم أبناء أو حفدة عمال مهاجرين من الطبقة العاملة من أبناء أو أحفاد المهاجرين. ووفقا للمسح، فإن هذا الأصل هو الشائع، وخاصة بالنسبة إلى أحفاد المهاجرين من المغرب العربي، فيما يشير التقرير إلى أن غالبية أمهات أبناء المهاجرين لا يشتغلن خارج المنزل.. أمام هذه العوائق التي رصدها التقرير تنعدم فرص ارتقاء المهاجرين أو أبناء مهاجرين من المغرب العربي على المستوى السوسيو اجتماعي مقارنة مع نظرائهم من الفر نسيين. أما الحركية الاجتماعية من خلال الحصول على وظيفة عامل مؤهل أو مستخدم لا تعني سوى ابن أو حفيد مهاجر مغاربي أو من جنوب الصحراء من أصل عشرة. ويخلص التقرير أن للأصل الاجتماعي الأولوية في عملية الإدماج والترقية إلى مهن الأطر، ما يعني الإقصاء التام للمهاجرين وأبنائهم وأحفادهم للارتقاء مقارنة مع نظرائهم الفرنسيين. كما أن ولوج الوظيفة العمومية الفرنسية يبقى أقل بالنسبة إلى أبناء أو أحفاد المهاجرين المغاربيين، حتى إن أبناء وبنات المهاجرين المغاربيين ينددون في أغلب الأحيان بعدم حصولهم على الترقية.