يبدو أن الجدل حول مدى التزام حكومة بنكيران في محاربة الفساد في طريقه لأن يثار مجددا فبعد أن بلع وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، لسانه طوال عامين بخصوص اقتصاد الريع في قطاع الصيد في أعالي البحار، خرج في أول فرصة تتاح له أمام مجلس النواب منذ تنصيب حكومة بنكيران الثانية، لينفي بالمطلق طابع الريع عن الرخص التي تسلمها وزارته بهذا الخصوص. أخنوش التقط الفرصة جيدا، ليجيب عن سؤال لم يوجه له، إذ ركز على أن «رخص الصيد البحري لا تدخل ضمن اقتصاد الريع»، في حين كان مضمون السؤال، الذي وجهته البرلمانية كجمولة منت أبي، عن الفريق الديمقراطي بمجلس النواب، دقيقا وبسيطا في الوقت نفسه:»السيد الوزير متى ستنشرون لائحة المستفيدين من رخص الصيد في أعالي البحار؟». كجمولة قالت ل»اخبار اليوم» إنها لم تسأل الوزير أخنوش نهائيا عما إذا كانت رخص الصيد في أعالي البحار تدخل في نطاق اقتصاد الريع ف»تلك تفاصيل أنا لا أناقشها»، تقول كجمولة التي أوضحت قائلة: «كل ما هنالك أن صحفا وطنية نشرت أسماء مستفيدين من رخص الصيد، كان من بينها إسمي، وأنا طلبت من السيد الوزير أن ينشر اللائحة الحقيقية على الرأي العام»، وذلك في إطار «الشفافية والوضوح بدل الغموض» القائم حاليا. تطلع الرأي العام والمجتمع المدني إلى معرفة الحقيقة بدأ منذ سنوات، ففي سنة 2005 مثلا كانت الشبكة المغربية لحماية المال العام، قد نظمت محاكمة رمزية علنية لمن اعتبرتهم ناهبي المال العام، ومنهم المستفيدين من رخص الصيد في أعالي البحار، فذكرت من بينهم جنرالات في الجيش، وسياسيين، ومسؤولين في الدولة. وفي سياق الحراك الشعبي الذي قادته حركة 20 فبراير تكرر المطلب نفسه الذي دعا إلى فضح اقتصاد الريع، حيث رفعت أسماء جنرالات وسياسيين وبرلمانيين، ثم تكرر ذلك للمرة الثانية من داخل الحكومة في نسختها الأولى حين نشر عزيز الرباح لوائح المستفيدين من المقالع، فطلبت فرق نيابية من بينها فريق العدالة والتنمية بتعميم التوجه نفسه على باقي القطاعات الحكومية، إلا أن الوزير أخنوش لم يستجب وبلع لسانه نهائيا عن الكلام في هذا الموضوع. لكن مع الأسبوع الأول للحكومة الثانية لبنكيران، يخرج أخنوش لنفي طابع اقتصاد الريع نهائيا عن الصيد في أعالي البحار في تناقض صريح مع مطالب الرأي العام، ودون أن يعد بنشر لوائح المستفيدين التي تذهب بعض التقديرات إلى القول إنها تفوق 2000 رخصة، يستفيد منها كبار المسؤولين في الدولة، مما جعل محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، يصرح ل»أخبار اليوم» بأن هذا القطاع يشبه إلى حد بعيد «قطاعا سياديا». المسكاوي أردف قائلا إن قطاع الصيد في أعالي البحار لا يستفيد منه المغرب نهائيا، لأن المستفيدين من الرخص يلجؤون إلى حيل، منها تأسيس شركات تتعاقد مع شركات أجنبية لها الوسائل والتكنولوجيا اللازمة للصيد، مقابل تعويضات خيالية تذهب إلى بنوك أجنبية كذلك، وقال المسكاوي إن القطاع وبدل أن يكون مدرا للعملة الصعبة، أصبح قطاعا لتهريب الأموال نحو الخارج. وتساءل المسكاوي كيف يعقل أن بلدا يمتلك 3 آلاف كلمتر من السواحل و2 مليون كلمتر مربع من المياه الإقليمية، تفوق أسعار السمك فيه القدرة الشرائية لمواطنيه، وتضطر فيه وحدات صناعة السمك للإغلاق بسبب الإفلاس. وكان أخنوش قد أكد في معرض جوابه أن «رخص الصيد غير قابلة للكراء»، و»تمنح للسفن وليس للأشخاص على أساس دفتر للتحملات». وأكد أن منح الرخص من هذا النوع تتطلب استثمارات كبيرة، تفوق 37 مليون درهم لباخرة موجهة للصيد في أعالي البحار، لكن كجمولة بنت أبي ردت عليه في حديثها ل»اخبار اليوم» قائلة:» إذا كانت الرخص تتطلب استثمار أموال كبيرة، فنحن لا نعترض على ذلك، نحن نطالب فقط، بنشر لوائح المستفيدين»، حتى يعرف المواطن، وحتى «تكون الحكومة في انسجام مع نفسها حين تتحدث عن الشفافية والوضوح».