حاورته وداد الملحاف برزت جمعية الحقوق الرقمية في السنة الماضية في خضم النقاش العالمي حول حماية الحياة الخاصة، والرقابة التي تمارسها الحكومات على مستعملي الأنترنت، وكذا استعمال هذه الوسيلة لتهديد أمن المواطنين وسلامتهم. في حوار مع « اليوم24»، يتحدث هشام المرآة، رئيس جمعية الحقوق الرقمية، عن أنشطة جمعيته وملاحظاته حول مشروع القانون الجنائي. { بداية، كيف جاءت فكرة تأسيس جمعية الحقوق الرقمية؟ يشكل الأنترنت فضاء حرا للتعبير ونشر المعلومات والوصول إليها، وقد لاحظنا في السنوات الأخيرة أن هناك مصالح مشتركة بين الحكومات وبين الشركات الكبرى المتخصصة في التكنولوجيا، وقد تم تشكيل تحالف في اتجاه التضييق على الحريات الرقمية التي يمكن تلخيصها في الحق إلى الولوج إلى الأنترنت، وحرية التعبير والرأي، والحق في الحياة الخاصة. ومن هذا المنطلق، تشكلت حركة عالمية وعابرة للحدود للدفاع عن حقوق رواد الويب، ونحن كمغاربة نعتبر جزءا من هذه الحركة، واخترنا تأسيس جمعية الحقوق الرقمية رغبة منا في الاشتغال مع مختلف الفاعلين والمتدخلين في هذا المجال (الحكومة، البرلمان، القطاع الخاص والمجتمع المدني)، لكي نقود حملات توعوية، ونشجع على القيام بأبحاث في ما يخص هذه الحقوق، والدفاع عن حقوق الإنسان في الفضاء الرقمي، وتقديم بدائل من أجل حكامة جيدة للأنترنت. { يتم منع أنشطة جمعيتكم، ما هو تبرير السلطات لذلك المنع؟ قمنا بعقد الجمع العام التأسيسي في شهر ماي 2014، وقد وضعنا الملف لدى السلطات بولاية الرباط، لكن لم يتم تسليمنا أي وصل، وبعد ذلك عقدنا جمعا عاما استثنائيا بسبب وجود تغييرات في المكتب التنفيذي في الصيف الماضي، لنضع الملف الإداري من جديد، ولم نستلم للمرة الثانية أي وصل رغم أن القانون واضح في هذا الباب، أي يجب تسليم الوصل المؤقت عند وضع ملف تأسيس جمعية أو تجديد هياكلها، يبقى صالحا لمدة 60 يوما، على أن يصير بعد ذلك وصلا نهائيا، ما جعلنا نبعثه مرة أخرى بالبريد المضمون لكن دون تلقي أي رد من السلطات، وفي الوقت نفسه يتم منع أنشطتنا المقررة في برنامج العمل دون تقديم أي تفسير أو سبب واضح من طرف السلطات. { هل من يلج الأنترنت في المغرب يتعرض للمراقبة؟ من الصعب الإقرار بذلك، لكن كلنا نعلم أن العديد من الحكومات تقوم بالمراقبة الإلكترونية تحت ذريعة الحرب ضد الإرهاب، كما أنها تستعمل برامج ووسائل تكنولوجية في ذلك، ولقد أفادت بعض التقارير بأن الشركة الفرنسية Amesys قامت ببيع برنامج Pop Corn للمغرب بمبلغ مليوني دولار، ويسمح هذا البرنامج برصد ومراقبة رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية على المستوى الوطني، وقد سبق أن تمت مهاجمة موقع «ما مفاكينش» بواسطة فيروس في غاية الخطورة صنع في إيطاليا من طرف شركة Hacking Team تصل كلفته إلى مائتي ألف دولار، ويتيح هذا الفيروس التحكم عن بعد في كاميرات وميكروفونات الحواسيب، وتسجيل ما يتم رقنه بواسطة لوحة المفاتيح، كما أننا شهدنا عمليات قرصنة للعديد من الأصوات المعارضة، وقد قامت جمعيتنا بإصدار تقرير حول موضوع الرقابة الإلكترونية بتعاون مع منظمة الخصوصية الدولية، لكن كل هذا لا يعني أن الثقة مفقودة في الأنترنت، لكن يجب أن نتعامل بحذر، ونمتلك أدوات مواجهة عمليات القرصنة المنتظمة، ونحن نقوم بتنظيم دورات تدريبية من أجل تقاسم المعلومات والمستجدات في هذا المجال. { في أغلب المحاكمات حول الجرائم الإلكترونية بالمغرب، يقول المتخصصون إن هناك غيابا لتكوين القضاة في المجال الرقمي. ما رأيكم في ذلك؟ يمكن اعتبار المعركة من أجل حماية الحقوق الرقمية مستجدا حديثا، لأن الثقافة الرقمية قد تأخذ وقتا كي تتقبلها كل العقليات، والأمر يتطلب في البداية تكوينا وتعليما، فهذه المعركة هي سياسية بالدرجة الأولى، ويجب أن يكون القانون قادرا على حماية الحقوق الرقمية والحق في الحياة الخاصة من أجل منع أن تصبح المراقبة أداة قمعية، وقد قمنا كجمعية بتنظيم ورشة تكوينية في نهاية سنة 2014 حول الأحكام القانونية المرتبطة بحماية الحياة الخاصة، وقد أطرها خبراء قانونيون ومتخصصون في المجال الرقمي، وقد خرجنا بنداء عبارة عن دليل يمكن استعماله من طرف القادة السياسيين والقضاة والمحامين، حيث حددنا المجالات المشروعة للمراقبة الإلكترونية، كما أننا نبرمج تنظيم ورشات أخرى لفائدة رجال ونساء القانون، وستكون فرصة لفتح نقاش حول حقوق رقمية أخرى لكي نتجنب الإدانات التعسفية للمدونين ومالكي المواقع والصحفيين ومستعملي الأنترنت بشكل عام. { اعترضتم في وقت سابق على مشروع المدونة الرقمية. لماذا اتخذتم ذلك الموقف؟ كانت هناك جوانب إيجابية لتلك المدونة، وتتعلق أساسا بالتنصيص على الحكومة الإلكترونية، وتقوية الجانب القانوني للتسويق والتجارة الإلكترونية، لكن هذا القانون كان ملغوما بفصول تقوض حرية التعبير، تضمنت تعبيرات فضفاضة وقابلة لكل التأويلات، فمثلا الفصل 73 يسمح بمنع كل المحتويات المنافية ل«الأخلاق الحميدة والمخلة بالنظام العام»، أو كل ما يمكن أن يكون ضد الدين الإسلامي، وهو ما قد يؤدي إلى شرعنة الاعتقالات التعسفية، وحجب المواقع الإلكترونية المعارضة، وقد ظهر بشكل جلي أن المشرع جاهل بالتكنولوجيا، لأنه من المستحيل منع المحتويات على الأنترنت، وبالتالي، كان من الضروري أن يلغى هذا القانون. { لقد أصدرتم بيانا حول مشروع القانون الجنائي. ما هي ملاحظاتكم الأولية بشكل عام؟ لقد تابعنا مشروع القانون الجنائي باهتمام كبير، وقد لاحظنا أن هناك تقدما في ما يخص حماية الحياة الخاصة في الفصل 448، لكن الفصل 2-448 من هذه المسودة يشكل تهديدا لحرية الصحافة والتعبير بشكل عام، وخصوصا أثناء الحديث عن الشخصيات العمومية، وتعترض جمعية الحقوق الرقمية بشكل كامل على الفصل 219 الذي يحد من كل أشكال انتقاد الدين عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا خرق كبير لحرية التعبير، ونعتقد أن ما ورد في مشروع القانون الجنائي لم يرق إلى مكتسبات وتطور المجتمع المغربي في ما يخص حرية الضمير، والذي لطالما عرف بتسامحه وانفتاحه على مختلف التوجهات الفكرية والعقائدية، كما أن الفصل 90 يثير قلقنا لأنه ينص على التوقيف المؤقت أو الدائم للموقع الإلكترونية التي لها ارتباط ببعض الجرائم، وقد أوصينا بالاكتفاء بحذف المحتوى موضوع الجريمة بدل الموقع بشكل كامل، لأن من شأن ذلك أن يمنع الحق في الولوج إلى المعلومة، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بموقع تابع لمؤسسة إعلامية. * ما هي خطواتكم المقبلة في هذا الباب؟ خلال المرحلة المقبلة سنعمل، بتنسيق مع الفاعلين في المجتمع المدني، بمنطق الحوار وتبادل الآراء مع الجهات المعنية بشأن هذا القانون، بما فيها الحكومة، من أجل إيجاد صيغة تحترم تطلعات رواد الأنترنت المغاربة، كما أننا سنستمر في الدفاع عن الحقوق الرقمية للمواطنين، وتشجيع النقاش العمومي حول الأسئلة المرتبطة بالحياة الخاصة لكي يندمج المغرب في النقاش عالمي حول هذه المواضيع التي تهمنا جميعا». * رئيس جمعية الحقوق الرقمية