بدم بارد ذبح 21 عضوا من تنظيم داعش في ليبيا21 مصريا قبطياً على شاطئ المتوسط. الذي امتلك القدرة على احتمال الصدمة والوحشية، وأكمل مشاهدة الشريط المصور بجودة HD إلى النهاية، سيلاحظ أن الداعشيين، الذين ساقوا المصريين مثل النعاج إلى حتفهم الأخير، كانوا يذبحونهم من الوريد إلى الوريد، ويقطعون رؤوس هؤلاء الضحايا دون أن ترتجف أيديهم، ودون أي تردد ودون أية رحمة ودون أي ضمير، ما يعني أنهم كانوا يذبحون البشر عن قناعة وإيمان راسخ ووحشية دفينة. الرعب الذي ظهر على وجوه الأقباط المصريين الذين ساقتهم ظروف البحث عن لقمة العيش إلى بلاد القذافي كان كبيرا وعظيما ومؤلما.. أن يجد عامل بسيط نفسه تحت سكين جزار يريد أن يوقع رسالة إلى الغرب المسيحي بدمه. إنه جبن أن تصطاد أيها الداعشي أهدافا سهلة.. خسة أيها الداعشي أن تذبح إنسانا بأبشع مما تذبح به الخرفان، ووحشية أيها الداعشي أن تصور البربرية بتقنيات متطورة، وتوثق إجرامك لكي تفجع العائلات مرات عدة، وتجعل من الجريمة «كليبا» يتفرج عليه العالم أجمع… من أين خرج هؤلاء الوحوش؟ أين تربوا؟ وماذا تعلموا؟ ومن غسل أدمغتهم؟ ومن شحنهم بكل هذا العنف؟ من صور لهم أن ذبح 21 عاملا بئيسا على شاطئ البحر يصلح أن يكون رسالة سياسية إلى أوروبا، أو يصلح أن يكون رسالة انتقام من الجنرال السيسي الذي دخل إلى الفتنة الليبية من أجل القضاء على الإسلاميين هناك؟ ماذا سيقول القاتل غدا لأبنائه عندما يرونه في شريط يوتوب يقتل إنسانا أعزل خائفا فقيرا مهاجرا لا حول له ولا قوة؟ من أصدر حكم الإعدام على هؤلاء؟ في أي كتاب فقهي أو شرعي وجد النصوص التي تبرر قتل الأسرى في الحرب؟ وما هي الحرب؟ ومن قال إن الأقباط الذين كانوا يبحثون عن رزقهم في ليبيا محاربون؟ إنها أسئلة كبيرة ومحرجة ومؤلمة في الوقت نفسه، فبعد أن يدين الإنسان بأقوى العبارات والمشاعر المجزرة التي وقعت أمس في ليبيا يسأل نفسه: من أين خرج هذا الوحش؟ لماذا لم تخرج داعش من ماليزيا أو إندونيسيا أو الهند، حيث عدد المسلمين هناك يقارب عدد المسلمين العرب؟ لماذا لا تفرخ الدول الأخرى دواعش مثل دواعشنا؟ لماذا لا يخرج الداعشي سوى من جبة العرب ومن خيمة الدول العربية؟ إنه السؤال الأكبر اليوم. أكثرية الدواعش اليوم يخرجون من رحم العراق وسوريا والسعودية وتونس والمغرب واليمن ومصر والجزائر وموريتانيا والكويت… هذا معناه أن كل هذه الدول، أنظمة ومجتمعات، في قفص الاتهام، باعتبارها دولا تنبت الإرهاب وتفرخ الدواعش، ولا توفر الحصانة واللقاح ضد إصابة مواطنيها بهذه اللوثة. مرة أخرى نقول إن الاستبداد والفساد وانتهاك حقوق الإنسان، وانتشار البطالة واتساع الفوارق الاجتماعية، وفشل أنظمة التعليم والتربية، والخلط بين الدين والسياسة، والاعتماد فقط على الأمن والمخابرات في إدارة المجتمعات، وقتل التعددية والحرية والاختلاف كلها عوامل تؤدي إلى أن تتحول دولنا إلى مشتل لرعاية التطرف والإرهاب… هل تعرفون أن أول تنظيم أسسه أسامة بن لادن في السعودية، مباشرة بعد عودته من أفغانستان في بداية التسعينات، كان اسمه هيئة النصيحة، وأن الثري السعودي لم يكن يطمح إلى أكثر من لعب دور الناصح الأمين لولي الأمر، وأنه لو كان في السعودية برلمان حقيقي لتحول أسامة إلى معارض في أفضل الأحوال، ولما ركب مغامرة القاعدة التي لم تتأسس إلا بعد أن طرد ابن لادن من بلاده، وتبعته المخابرات السعودية إلى السودان، ومنها فر عائدا إلى أفغانستان لجمع شتات المجاهدين العرب بمساعدة الدكتور أيمن الظواهري، الذي فر من مصر حاملا معه فكر الجهاد العالمي ضد أمريكا والغرب وبقية القصة معروفة… دواء داعش يبدأ من الأرض التي أنبتت هذه الشجرة الملعونة. أظهر آخر استطلاع للرأي حول درجة شعبية تنظيم الدولة الإسلامية في سبع دول عربية، أنجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن حوالي 12 إلى 14 في المائة من العرب متعاطفون أو متفهمون لهذا التنظيم البربري، وهذه نسبة كبيرة ومرعبة جداً بالنظر إلى طبيعة تنظيم البغدادي ووحشيته وتطرفه.