إنها إحدى أيقونات اليسار الفرنسي، وقد أصبحت هدفا لكل أنواع المضايقات من طرف كل المنتمين إلى اليمين، الذين تزعجهم أصولها ومواقفها. وتعمل وزيرة التربية الوطنية (37سنة) على الاهتمام بتلميع صورتها. لكن من تكون في الحقيقة؟ وما هي معتقداتها؟ (…) على الطرف الأخر من الهاتف، كان الرئيس فرانسوا هولاند يجس درجة تصميمها. «سيكون الأمر صعبا، وأنت تدركين ذلك؟» ففي الليلة السابقة لاحتفالها بعيد ميلادها السابع والثلاثين، أصبحت نجاة فالوبلقاسم أول امرأة تتقلد منصب وزارة التربية الوطنية بفرنسا(…) خلال تسلمها للمنصب الجديد، وجهت الشكر إلى «مدرسة الجمهورية» التي قالت إنها «جعلت منها المهاجرة الصغيرة التي أصبحت وزيرة «. وفي هذه اللحظة، تم إطلاق تغريدة على حسابها في التويتر تقول فيها: «في هذه اللحظة الدقيقة، أفكر في المعلمين الذين لا يدخرون الوقت أوالطاقة من أجل نقل معرفتهم إلى الآخرين». عينة جديدة إن هذه الشابة، التي لها هيأة تلميذة في الإعدادي، تجسد عينة جديدة داخل غابة السياسة الفرنسية الكبيرة. كان صعودها الصاروخي وطريقة حكامتها باعتمادها على التكنولوجيات الحديثة. أما طريقة تواصلها، فكانت مميزة لدرجة أنها جعلت من شخصيتها أول دعامة وركيزة لانتشار أفكارها(…) إنها صورة جميلة تعيد بعض النضارة لحكم الاشتراكيين في ذروة فقدانهم للشعبية. فهل تعلن ميلاد جيل جديد في السياسة لا علاقة له بالإيديولوجيا يضم جماعات من المناصرين، في الوقت الذي يبذل فيه الآخرون جهدا منهكا للحفاظ على شعلة أحزابهم التي تآكلت؟ منذ الآن، أصبحت نجاة فالوبلقاسم مكلفة بأكثر من 12 مليون تلميذ، وبمليون معلم وموظف، وب 64 ألف مدرسة ومؤسسة تعليمية من الدرجة الثانية، وأيضا مكلفة بتدبير أكبر ميزانية في الدولة الفرنسية(…) طبعا لا يمكن الولوج إلى مثل هذا المنصب بدون كفاءة(…) فلفترة طويلة، كانت نجاة فالوبلقاسم تجاهد في إيجاد المضادات حتى لا تكون وسيلة فقط ل«تنوع ظرفي». واليوم، وقد أخذها مسارها المهني إلى وزارة كبيرة، أصبحت تتحدث – وعن طيب خاطر- عن هذا القدر الذي جعل منها، هي الأمازيغية الصغيرة التي تنحدر من جبال الريف المغربي، نجمة شابة في سماء السياسة. «في سنة 2004، أصدر فرنسوا هولاند تعليماته بتشبيب الحزب الاشتراكي، وفتح قوائم للتنوع الثقافي. وكان هذا التمييز الإيجابي مفيدا بالنسبة إلي. وبسبب المكان الذي أتيت منه، كان علي أن أنتج وأن أقوم بعمل أكثر من الآخرين». ولمساعديها الذين يبدون في بعض الأحيان إعجابهم من قوتها وصلابتها في العمل تقول فقط «وأنا طفلة صغيرة، كنت أذهب لجلب الماء من البئر». ضيعة في بني شيكر ترعرت نجاة في منطقة «بني شيكر» داخل ضيعة عائلية كبيرة، معزولة، ولا تتوفر على الكهرباء، وتحت سيطرة الجدة بلقاسم. كانت هذه الأخيرة الوصية على أبنائها وزوجاتهم وأطفالهم. قرر الابن الثالث الهجرة إلى فرنسا، كما لوأنه سيرحل إلى الأولدورادو. ترك وراءه زوجته وطفلتيه: فتيحة ونجاة اللتان لا يفصل بينهما سوى 18 شهرا. كان هناك فراق طويل بين الأب وأسرته، غير أنه انتهى باللقاء في أحد أيام 1982. وتحت سماء رمادية في«أبيفيل»، حيث كان الأب يشتغل في البناء، فقد التحقت به الزوجة والطفلتان بموجب قانون التجمع العائلي. كان عمر نجاة 5 سنوات. واستقرت العائلة في وقت قريب في مدينة «أميان»، وبالضبط في حيها الشمالي في إحدى الشقق بتلك البنايات الكئيبة العالية، التي كانت الإدارة تختار لها اسما جديدا كلما احترقت فيها سيارة. «درست نجاة في مدرسة مناطق التعليم ذات الأولويةzep وثانويةzep وفي ليسيه zep.. إنها المنتوج الرائع للمدرسة العمومية.» يحكي محمد الهيبة، مدير المركز الثقافي للحي الذي أحدث فيه ورشة للخياطة وللطرز لمساعدة الفتيات المهاجرات على الخروج من منازلهن. «كن يعشن عالقات في المنزل.. كن يتصارعن في نهاية الأسبوع مع الملل والأشغال المنزلية، فيما كان الأطفال أحرارا في الخروج إلى الشارع واللهو»، يقول الهيبة قبل أن يضيف «بعد إحداث الورشة، كنا ننتظر مجيء 15 طفلة، ولكن أتت إليها 45 فتاة». كانت نجاة تأتي بعد زوال كل يوم سبت إلى المركز. وكانت والدتها تشرف بصرامة على دراسة أطفالها السبعة. كان الأطفال أحرارا في تصرفاتهم، أما الفتيات فكن يجدن خلاصهن الوحيد في الدراسة». تحديد الهدف تقول بريجيت فوري، أستاذة القانون العام بجامعة «أميان»، ورئيسة بلدية المدينة التي كانت فتيحة الشقيقة البكر في أسرة بلقاسم طالبة عندها «كانت لامعة وهي اليوم محامية. لم تكن نجاة من بين طلبتي خلال سنوات الدراسة بكلية الحقوق، ولكنها جاءت لرؤيتي في مناسبتين عندما كانت تهيئ رسالتها الجامعية حول موضوع: النساء في السياسة. ومرة أخرى، عندما كانت تستعد لاجتياز الامتحان الشفوي لدخول المدرسة الوطنية للإدارة. فقد انتبهت إلى وجود المحافظ السابق لمنطقة بيكاردي ضمن أعضاء لجان الامتحان، واعتقدت أنه يمكن أن يطرح عليها سؤالا حول المنطقة. وجاءت إلي من أجل معرفة المشاريع الموجودة في مدينة أميان. كانت تدرك جيدا هدفها». لم تفتح أمامها أبواب المدرسة الوطنية للإدارة، ولعل هذا أنقذها من السقوط في براثين التكنوقراط والحديث بلغتهم غير المفهومة، وهي البارعة في الحديث بلغة الخشب حين تفرضها الظروف(لما كانت ناطقة باسم سيغولين رويال ثم باسم فرنسوا هولاند، ومن بعد ذلك باسم حكومة جون مارك إيرو). ويقول الهيبة «عندما كانت تدرس العلوم السياسية في باريس، جاءت لرؤيتي.. لم يكن الوسط يروقها حقيقة. قلت لها: يجب اختراق بعض الأوساط، وإلا ستبقى النخبة دائما هي نفسها». لم تكن كل الوجوه في العلوم السياسية مكروهة، فقد التقت هناك ببوريس فالو، الذي أصبح زوجها ووالد كل من لويس ونور. كما ربطتها علاقات جيدة مع أفضل أصدقاء بوريس في الفوج: إيتيان غراس. كان صعود المرأة الشابة هوقصة هذا الثلاثي. اختار بوريس العيش داخل الظل، واستأثرت نجاة بكل الأضواء(…) وفي ليلة أول يوم لها في الحكومة سنة 2012، التقت نجاة بالمقربين منها خلال حفل عشاء مرتجل داخل حانة صغيرة. التحق بوريس فالوبزوجته التي صارت وزيرة حقوق المرأة. وحولها جلس إيتيين غراس، الذي اختارته مديرا لديوانها وصديقه فرنسوا بيرولا. هذا الأخيرة صار ثالث فرسانها منذ أن التقت به في بداياته في السياسة داخل فريق عمل جيرار كولومب(…) إشاعات وإشاعات كانت أصولها المغربية ومواقفها لفائدة النساء من الأسباب التي جعلت منها هدفا لليمين المتطرف، الذي اعتبر الوزيرة الجديدة عاقة وملحدة تريد «فرض نظرية النوع». وتكاثرت الإشاعات الشريرة أكثر في الشبكات الاجتماعية، حتى إنه تم إظهار بطاقة مزورة لها توحي بأنها تخفي «هويتها العربية». وتم تتويج كل ذلك بمذكرة مزورة تقول بإقرار تعليم اللغة العربية في المدرسة الفرنسية، من خلال تزوير شعار الوزارة على الأوراق الرسمية، فقررت نجاة بلقاسم تقديم شكاية ضد مجهول بتهمة انتحال صفة. قالت إن كل ذلك لن يجعلها ترتبك أوتتراجع: «أفتخر بجنسيتي المزدوجة الفرنسية والمغربية»، تقول نجاة، مشددة على أن هذه الهجمات وهذا التخويف يؤكدان صدق التزامها، ويظهر أنها في طريق الصواب. نقطة التحول نجاة فالولم تمارس مواطنتها بحق سوى في 21 أبريل 2002. فقد كانت تقضي عطلتها في إسبانيا رفقة أصدقائها عندما علمت أن جون ماري لوبين سيكون منافسا لشيراك في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية لتلك السنة. كان عمرها 24 سنة، ولم تشارك في عملية التصويت. جعلها هذا الشعور بالذنب، لتعود في اليوم الموالي إلى فرنسا لتصوت في الدور الثاني لفائدة شيراك. انطلاقا من هذه اللحظة، «بدأت أعرف أنه لا يجب أن أبقى متفرجة. وفهمت أنه من خلال ممارسة المسؤولية السياسية يمكننا خلق شروط تطوير الفضائل النبيلة عوض الغرائز الساقطة». وهكذا أصبح التزامها في الحزب الاشتراكي أمرا بديهيا. ومع مرور الوقت جعل العنف والتهجمات والتخويف من نجاة فالو بلقاسم «أيقونة اليسار». فقام الاشتراكيون برص الصفوف حولها(…) نجاة تخلق الحدث عندما دخلت نجاة للحكومة سنة 2012، خلقت الحدث وأشعلت النار في أول حوار أبدت فيه عن تصوراتها بشأن إلغاء الدعارة. كانت الفكرة جديرة بالثناء، لكن طريقة تقديمها كانت غير ملائمة، بالنظر إلى تعقيدات المشكلة. وعندما تضخم الجدل وانحرف عن مساره، تراجعت نجاة بهدوء. لم يحظ مشروعها بتجريم زبناء الدعارة بالإجماع في ماتينيون(مقر الوزارة الأولى)، ولا في الإليزيه. وطلبت من البرلمانيين تبني موقفها من خلال إعداد مشروع قانون، غير أن هذا الأخير تم تجميده في مجلس الشيوخ، بعد قراءته للمرة الأولى في الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى). والشيء نفسه بالنسبة إلى مشروع تدريس مبادئ المساواة، الذي ما زال رهينة لخلافات آباء التلاميذ. فالوزيرة الشابة متعودة على تبني القضايا التي تهم النساء والمساواة بين الجنسين. وفي ذهنها وتفكيرها، بدون شك، انفصال والديها الذي يعتبر طابوحسبما كشف زوجها في كتاب خصصه لنجاة فالوبلقاسم. يلخص وزير سابق صمت نجاة بلقاسم أمام عدم تبني الحكومة لبعض مشاريعها، بأن خطها السياسي هوالخط الذي تتبناه الحكومة، وهي في اتصال مستمر مع الرئيس .فهي «ابنة سيغولين رويال وفرنسوا هولاند». وتمقت أي تلاعب بأجهزة الحزب. وهي لا تتزعم أي تيار أوتتوفر على كتلة سياسية أوبرلمانية تابعة لها. وبدخولها إلى زنقة غرونيل، حيث يوجد مقر وزارة التربية الوطنية، تكون نجاة بلقاسم قد ارتقت إلى الدرجة الأولى، ولا أحد قدم لها ذلك كهدية. غير أن الإليزيه يتابع عملها في وزارة التربية الوطنية. وعند تعيينها على رأس الوزارة، طلب منها الاحتفاظ بمدير الديوان السابق، بالنظر إلى معرفته بدواليب الوزارة(…) إن نجاة على كل حال وجدت شخصية مرجعية، وهي «جون زاي» الذي يعتبر أصغر وزير للتربية الوطنية في الجمهورية الثالثة، الذي أحدث أوقات مخصصة للاستجمام بالنسبة للتلاميذ والرياضة في المدرسة. وهوالذي كان وراء تأسيس المدرسة الوطنية للإدارة. وكان أيضا مثلها هدفا لأسوأ الهجمات المعادية للسامية. وبما أنه سيتم نقل رفات «زاي» إلى البونتيون، حيث يرقد كبار رجالات فرنسا، فقد عبرت نجاة عن رغبتها وأملها في أن تلقي الخطاب الرسمي لهذه المناسبة. بتصرف عن لونوفيل أوبسرفاتور