في 4 شتنبر أصدرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بلاغا شديد اللهجة يعكس مخاوف حزب «المصباح» من محاولات جارية ومؤشرات موجودة، هدفها المس بنزاهة ومصداقية العملية الانتخابية المقبلة. لغة البيان تعكس القلق الكبير الذي يشغل عقل قيادة الحزب والحكومة معا. لنلق نظرة على الفقرة المتعلقة بالانتخابات في هذا البيان، ثم نرجع لتحليليه والتعليق عليه. «يؤكد الحزب أولوية تنظيم انتخابات حرة شفافة ونزيهة وذات مصداقية، ويطالب الجميع بتحمل مسؤولياتهم في ذلك، باعتباره استحقاقا وطنيا مفصليا. وتعبر الأمانة العامة للحزب، بهذه المناسبة، عن انشغالها بما يتواتر من مؤشرات على محاولات البعض المساس بقيمة الاستحقاق عبر أساليب التحكم والإفساد من الآن، في أقاليم كالخميسات وقلعة السراغنة ومناطق أخرى..». الرسالة موجهة مباشرة إلى وزارة الداخلية أولا، وثانيا، إلى الحزب الذي يرى الإسلاميون أنه يمثل التحكم، وإفساد العمليات الانتخابية (الأصالة والمعاصرة). الحزب الذي يقود الحكومة اليوم، يعبر عن انشغاله بما تواتر من مؤشرات على محاولات المس بقيمة الاستحقاق الانتخابي المقبل، عبر أساليب التحكم والإفساد. التحكم جريمة سياسية، والإفساد جريمة جنائية. سيقول البعض ماذا ينتظر السيد عبد الإله بنكيران وقد توفرت لديه مؤشرات وأخبار متواترة عن وجود جريمتين من هذا الحجم، لكي يحيل ملفهما إلى زميله في الحكومة والحزب، وزير العدل والحريات، ليباشر التحقيقات، ويقدم المتهمين إلى سلطة القضاء. هذا كلام منطقي في بلاد سياستها تمشي بالمنطق، أما في المغرب، فإن الأمور معقدة وضبابية في حقل ملغوم. البلاغ الصادر عن اجتماع الأمانة العامة للحزب، الذي يقود الحكومة، لم يعكس بأمانة كل ما جرى في اجتماع الأمانة العامة للحزب من نقاش، ووجهات نظر، وتقديرات سياسية وصلت بوزير مؤثر في الحكومة أن قال، حسب مصادر حضرت الاجتماع: «إذا جرى التلاعب بالاستحقاقات الانتخابية الجماعية السنة المقبلة، فليس لنا ما نفعله في هذه الحكومة، يجب أن نضع المفاتيح ونغادر». لماذا كل هذا الغضب والتهديد والخوف؟ أين ذهب رصيد التطبيع مع الدولة؟ وأين هي ثمار منهجية التعاون، لا الصراع مع السلطة؟ وكيف لم يشتغل مفعول سحر التوافق حتى وجد الحزب نفسه يُقايض استمراره في الحكومة باحترام نزاهة الانتخابات الجماعية، ومن ثمة التشريعية ؟ بيان الأمانة العامة حول «مخاوف التلاعب بالانتخابات المقبلة»، هو دليل أولا على أن حكاية الإشراف السياسي على الانتخابات من قبل رئيس الحكومة، حكاية غير واقعية، وغير مؤثرة في مجريات القرار السياسي، وإلا لما كان حزب رئيس الحكومة أصدر هذا البيان الذي ينتمي إلى زمن المعارضة، لا الحكومة. ثانيا، هذا البيان يعكس خلافات عميقة مع المطبخ السياسي للمملكة، أي وزارة الداخلية التي تشرف وتعد للانتخابات كطرف لا كحكم، بمعنى كتصور سياسي وليس كأداة تنظيمية. لهذا فإن السيد حصاد له وجهة نظر سياسية في اللوائح الانتخابية، وفي نمط الاقتراع، وفي جهة الإشراف، وفي شكل التقطيع و…. هذا معناه أننا إلى اليوم، لم نتخل عن قواعد اللعب القديمة، حيث تتفاوض الأحزاب أكانت في الحكومة أم المعارضة مع الدولة في كل استحقاق انتخابي حول درجة شفافية ونزاهة وانفتاح العملية الانتخابات، حتى لا يبقى هناك مجال للمفاجأة. هذا معناه أن الدستور الجديد، والحراك المغربي، والحكومة الجديدة، والخطابات الجميلة، كل هذا لا يستطيع تغيير أو كسر القالب السياسي الذي تصنع داخله الخارطة الانتخابية. الحكومة مسؤولة، والحزب الذي يقود الحكومة مسؤول، والدولة التي مازالت ترى أن من واجبها التحكم في الطبخة الانتخابية مسؤولة كذلك، والنتيجة أن الديمقراطية المغربية ستبقى مُعاقة إلى الأبد، إذا ظلت العملية الانتخابية مُسيِّجة ومُتحكم فيها، وإذا ظل هناك من يرى أن شرعية الأحزاب السياسية المتحصلة من الانتخابات النزيهة، ستؤثر وتقتطع جزءا من شرعية الملكية، هذا الفهم للشرعية خاطئ. الملكية اليوم، بحاجة إلى أحزاب قوية وذات مشروعية شعبية وذات مصداقية قوية، والأحزاب والمجتمع بحاجة إلى ملكية برلمانية تُجسد دور الحكم والرمز الموحد للبلاد.