في يناير ولد الربيع المصري، وفي يوليوز يراد لهذا الربيع أن يصير خريفا. كتب زميلنا وائل قنديل، سكرتير جريدة «الشروق» المصرية، وهو صحافي ليبرالي يختلف مع فكر الإخوان قال : «من لا يريد أن يرى أن اللعب صار على المكشوف، وأن الصراع على السلطة بين دولتين (دولة مبارك ودولة 25 يونيو) صار واضحا، كما لم يحدث من قبل، فهو حر في ما يراه، غير أن القراءة الموضوعية لبيان القوات المسلحة يقول بجلاء إن الجيش صار مصدر السلطات في مصر، يرفع من يشاء ويُسقط من يشاء، مكرسا سيادة منطق القوة المادية على ماعداها، لتتوارى قيم الديمقراطية والدستور، وتعلو قوة السلاح... إن ما يجري الآن هو الإجهاز على ما تبقى من روح ثورة هتفت طويلا بضرورة إنهاء حكم العسكر...». مصر تغرق في أوحال حكم العسكر من جديد، بعد أن ثارت على نصف قرن من حصيلته الكارثية، لكن هذه المرة الجيش يقوم بانقلاب «ناعم».. انقلاب «كلاس» مدعوم من متظاهري ميدان التحرير، ومن كل خصوم الإخوان المسلمين، الذين أعمتهم عداوتهم الإيديولوجية والسياسية للإسلاميين عن ضرورة احترام شرعية صناديق الاقتراع... اقتلوا –سياسيا طبعا- الإخوان وزمن الإخوان، لكن لا تطلقوا النار على الديمقراطية الناشئة في مصر الثورة. إذا كانت الملايين، التي خرجت تهتف ضد مرسي وتطالبه بالرحيل، قادرة على شل البلد وتعبئة ملايين أخرى ضد حكم الإخوان، فلماذا يتدخل الجيش في اليوم الثاني لانطلاق التظاهرات المعادية لمرسي ليهدد الرئيس بانقلاب وورقة طريق؟ الجيش، أي جيش، هو إدارة تملك القوة والسلاح للدفاع عن حدود الوطن الخارجية، وليس لفرض أوراق طريق على من انتخبهم الشعب، كيفما كانوا... هذا هو الدرس الأول في أية ديمقراطية وأي حكم شرعي. البشرية قطعت أشواطا وقرونا قبل أن تهتدي إلى أن القوة لا تؤسس الحق، وأن السلاح لا يعوض إرادة الشعب، وأن الثكنات ليست بديلا عن البرلمانات، وأن الرصاص لا يسكت أوراق الاقتراع. الآن وقد أصبح الانقلاب العسكري قاب قوسين أو أدنى، لا بد من طرح سؤال: ماذا بعد؟ الذي سيقع في حالة ما إذا أسقط مرسي بالقوة هو التالي: الجماعة الدينية الأكبر في العالم العربي ستشرع، غداة الانقلاب، في إحياء ذراعها العسكري والسري، وستبدأ في التخطيط، فكرا وتنظيما، لاختراق المؤسسة العسكرية من أجل التهييء للانقلاب القادم على من سيضعهم الجيش غدا حكاما مدنيين باسمه... سيخفت نجم المعتدلين وسط الإسلاميين، ويتصاعد صوت المتطرفين الراديكاليين. هذا الصوت لن يوقفه أحد غدا لأن حجته ستصير أقوى، وصوته أعلى. سيقول لخصومه: «ماذا تريدون؟ لعبنا معهم اللعبة بقواعدها، وتقدمنا للانتخابات وفزنا بأصوات المصريين وألغينا شعار «الإسلام» هو الحل لفائدة مشروع النهضة، وجاء الجيش مدعوما بفلول العلمانيين واليساريين والقوميين وقالوا لنا: اللعبة انتهت. اذهبوا إلى بيوتكم. الحكم لمن يملك القوة لا الشرعية، لمن يملك العسكر لا الرأي العام، لمن يحسن استعمال الدبابات والمروحيات، لا لمن يدافع عن أفكاره بالمنطق والحجة»... مرسي كان رئيسا متواضعا لمصر، وسيحوله العسكر إلى زعيم أو شهيد، تماما كما فعل الجنرال بينوشي، مدعوما بوكالة المخابرات الأمريكية، سنة 1973 ضد الرئيس المنتخب سلفادور أليندي في الشيلي. لكن في مصر الثمن سيكون أعلى، والفاتورة ستكون أغلى في بلاد ينخرها الفقر والتهميش والعشوائيات والفساد... الآن سيضاف إلى كل هذا «الخليط المتفجر» استبداد العسكر وقتل العملية السياسية. أن يرتكب الإسلاميون أخطاء، هذا شيء، وأن تتم إزاحتهم بانقلاب عسكري هذا شيء آخر.. في هذه الأثناء يتم فتح مستقبل مصر على المجهول، على فتنة الدم، على الحرب الأهلية، وهو سباق قاتل لا رابح فيه ولا خاسر.