خُضتُ في إشكالية التعدد اللغوي بالمغرب وما يرتبط بها، سواء ما تعلق منها باللغة العربية واللغة الأمازيغية في المدرسة كما في الجامعة، أو ما اتصل بهما من تنوعٍلهجي وثقافي، كما تطرقت إلى اللغات الأجنبية وموقعها في النسيج اللغوي بالمغرب، تاريخا وراهنا وأُفقا. حصل ذلك في مناسبات علمية مختلفة، وفي سياقات متنوعة؛كان أولها تلك القراءة التفاعلية التي أنجزتها مباشرة بعد صدور كتاب، من ديوان السياسية، لعبد الله العروي، وخاصة لما بسطتُ القول في تصوره للمسألة الأمازيغية خصوصا. كان موقفه منها "مدخولاً"، بدعوى الكُلفة الاقتصادية العالية، والإكراهات السياسية والاجتماعية والتقنية، كما عرجت عموما، على تصوره العام لقضية تدبير التعدد اللغوي بالمغرب، مقارنة مع الرائج في السوق اللغوية العالمية حين شبّهه بالعُملات لتقدير قيمته في الاقتصاد الوطني والعالمي (العروي، من ديوان السياسة، ص58)؛ فكان أن نشرت دراسة مطولة في الموضوع تحت عنوان، "الحوار المغشوش، أو هكذا تكلم عبد الله العروي عن المسألة الأمازيغية" (2011). في سياق إقرار الجهوية المتقدمة كما نصّ عليها دستور 2011، وارتضاها النظام السياسي للبلاد، وبوأها مكانة مركزية في الهندسة الترابية لتكريس الديمقراطية الترابية والجهوية، شاركتُ بدراسة، من مدخل لساني وبيداغوجي وتُرابي،في موضوع التعدد اللغوي، لكن هذه المرة بفضاء جهة درعة تافيلالت، ومن موقع ما عبر عنه ذ. سعيد بنيس، ب"المثقف التُّرابي"، اخترت لها حينئذ عنوان:" في التعدد اللغوي بالمغرب، تأملات في حال العربية والأمازيغية ومآل التعلم بواحة غريس بتافيلالت" (2013). وهي الدراسة التي شخّصتُ فيها واقع التعدد اللغوي بالجهة، وأشكال المفارقات التي يعيشها ناطقوها، ومآلاتها على مختلف المستويات ،خاصة على مستوى التحصيل الدراسي لأبناء الجهة، ومخرجاته البيداغوجية والعلمية. وفي الأفق نفسه، وتعميقا لمجر ىسؤال التعدد اللغوي بالمغرب بعوائقه وآفاقه الواعدة،ومخاطره المرتقبة على المدرسة والجامعة، وفي إطار مصادقة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على الرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2015. 2030)نشرت دراسة بعنوان:" التعدد اللغوي في الجامعة المغربية: العوائق والآفاق"(2017)، تناولت فيها بالدرس والتحليل التخطيط اللغوي للإصلاح، ونظرة الرؤية الإستراتيجية للتراتبية اللغوية بالمغرب ومسوغات ذلك. وقد خلصت في هذه الدراسة إلى أن هذه الإستراتيجية إنما تفسح المجال للغات الأجنبية، في مقدمتها اللغة الإنجليزية، على حساب اللغتين الرسميتين للبلاد، وتُبشر بأنها لغة العلم والمعرفة وبالتالي لغة المستقبل المنظور. وبعد هذه الدراسات، اعتقدتُ أنني استنفذت، من باب المتابعة والنقد والتقويم والآفاق، محاولاتي لفهم رهانات السياسة اللغوية بالمغرب، ومآلاتها المحتملة. غير أن قراءتي لكتابي سعيد بنيس،تَمَغْرِبِيتْ، محاولة لفهم اليقينيات المحلية(2022)، وبعده كتابه، من التعدد إلى التعددية، محاولة لفهم رهانات السياسية اللغوية بالمغرب (2023)، على تعذر الفصل بين الفهمين وبالتالي بين الكتابين، وما يحبلان به من خلاصات واستنتاجات ذات الصلة برهان السياسات اللغوية بالمغرب وتدبيرات تلويناتها اللغوية والثقافية؛ قد خلط عندي الأوراق،وشوّش على الرؤية، وشكك في النتائج، ونسّب الأحكام، وفتح بابا جديدا لتأمل الخلاصات الحاصلة، وتقليب عديد من الأسئلة المستحدثة، فإعادة التفكير والبناء من جديد في الموضوع، بناء على اجتهاد سعيد بنيس ومشروعه في هذا الإطار. ويُعد، في نظري،كتاب من التعدد إلى التعددية، امتدادا مباشرا لكتاب تَمَغْرِبِيتْ، يتعذر فهمه واستيعاب إشكالاته دون الانطلاق من الأول والاستناد عليه، من منطلق علاقة الجزء بالكل، والأصل بالفرع، كما سيتضح في الفقرات القادمة. مشروع فكري ضخم يُحس القارئ،لكتاب تَمَغْرِبِيتْ، لسعيد بنيس، مع أنه كُتب بقواعد البحث العلمي ومقتضياته، بأنفاس الباحث، وهو يكتب ويحلل ويُرافع ويلخص ويستخلص، تعلو وتخبو، حارة ومندفعة، وكأنه في عُجالة من أمره. فنحن" نحس وننفعل أولا، ونفكر ونتأمل بعد ذلك"( بنكرادص55 التأويل). ولعل ذلك ما قد يفسر نزوعه للحديث عن "كل شيء" له صلة بتَمَغْرِبِيتْ من ناحية، ورغبته في محاولة لفهم يقينياتها المحلية من ناحية أخرى، مع أن الفهم "ليس شرحا للكلام، إنه تأويل"(بنكراد، التأوي وتجربة المعنى، ص20). وبين النزوع والرغبة، على رحابتهما، إكراه استيعاب تَمَغْرِبِيتْ بكل عناصرها، واستيفاء كل "اليقينيات" المحلية وفهمها، على نسبيتها، كان من الطبيعي أن يحتمي بآليات التركيز والإيجاز والتلميح والإشارة، مع أنه بصدد بناء مشروع فكري ضخم،يقتضي جُهدا كبيرا، وزمنا كافيا أمرهما في باب الغيب. وربما لذلك، تردد في خوض المغامرة، وقطع المسافات لولا تحفيز "الأصدقاء والأساتذة والإعلاميين" على إخراج الكتاب الأول، وتشجيع "الأصدقاء والأساتذة والباحثين الأكاديميين" كذلك على إصدار الكتاب الثاني، لعله يبلغ خط الوصول قبل أن يُدركه مُدرك، أو تنقطع أنفاسه حيث لا يجب في مغامرة خاضها رغما عنه، من أجل الذات والوطن، ومن أجل التاريخ والمستقبل، وفي البدء والمنتهى "لروح والدته، الحاجة الزوهرة مصباح، رمز اللغة الأم" ومنهاها..(انتهت الحدوس). كتب الباحث سعيد بنيس كتابه تَمَغْرِبِيتْ، على ما يبدو لي، وكأنه في حُجة الوداع، فيها وحدها يمكن أن يترك وصيته الأخيرة كإنسان وباحث في علم الاجتماع، عن سردية وطنية تجمع كل المغاربة، باختلاف أعراقهم، وتعدد ألسنتهم، وتنوع إثنياتهم، وغنى ثقافتهم، فيما عبّر عنه ب"تَمَغْرِبِيتْ"، على حدود التراب الوطني، وسيرورته التاريخية. وهو رهانُ وجود ووطني ضخم يصعب اختزاله في كتاب من 167 صفحة فقط من الحجم الكبير. الوصية مطلوبة، وطبيعتها مختصرة ومكثفة، وتحتاج بعدها، إذا تبقى من الجهد والنّفس ما يكفي لمزيد من البسط والتوضيح والتفصيل والشرح والاستدراك بقصد التثبيت والتمكين…وإذا تجددت الرغبة، وزاده الله بسطةً في العلم والجسم، تأتي الباقيات الصالحات. ذلك ما حصل بالفعل، بإرادة لا تقهر، وحماسة لا تَني، وقبل أن يرتدّ له طرفُه، وطرف من شجعوه على الكتابة وحفزوه على النشر، وطرفُ قرائه المحتملين.فمن رحِم كتاب تَمَغْرِبِيتْ خرج كتاب، من التعدد إلى التعددية، وستخرج كتب أخرى تِباعا في هذا الاتجاه، والزمن مِخلاف، يُغير فينا كل شيء"، كما قال عبد الله العروي ( السنة والإصلاح، ص 88). في انتظار ذلك وتَرقُباً له، أقترح في هذه الدراسة التركيز على سؤالين، أُقدرهما مركزين في الكتابين معا، وأعتبرهما متظافرين، أولهما، معنى أن تكون مغربيا، والثاني عن سؤال رهانات السياسة اللغوية بالمغرب وتحدياتها المرتقبة، ومن منظور تحليل الخطاب القائم على رصد الظاهر في الخطاب كما الباطن فيه، والمعلن فيه كما المسكوت عنه، وعلى أساس آلية التأويل باعتبارها أداة للفهم، وذلك لمحاصرة ما يتسرب إلى الخطاب الذي أنتجه سعيد بنيس عن تَمَغْرِبِيتْ، وتؤطره سياقات بنائها، بلغة حَمالةً لأوجه، و"نافذة نستحضر من خلالها ما خزنته الأمة في تراثها المكتوب أو الشفهي"(ص39، مدارات اللغة، بنكراد). على هذا الأساس، ففهم رهانات السياسية اللغوية بالمغرب، وما يرتبط بها مما سنفصل فيه لاحقا، يتوجب من الناحية الإجرائية، بسط المقصود ب"تَمَغْرِبِيتْ" عند سعيد بنيس، باعتبارها مصفوفة من آليات التحليل والقراءة، عموديا وأفقيا، وفي الوقت ذاته، بما هي منظومة من الإشكالات المركبة حول العقلية المغربية، بل وجُهدا نظريا عن الشخصية المغربية وسيرورتها التاريخية ومآلاتها المستقبلية، من مداخل مختلفة، أرادها الباحث أن تكون وعاء مستوعبا لمختلف العناصر المشكلة للإنْسِية المغربية، ومؤشرا على الانتماء إلى المحيط المغربي الثقافي والحضاري، ومحاولة لاستعادة خيرات السابقين المعرفية والتخييلية وموروث الأسلاف في الطقوس والعادات الغذائية والسلوك مع الذات والآخر، والعالم، عادة ما تتم عبر الحكايات والمرويات والسرديات التي تعلمنا كيف نحيا ونموت، ونحكم ونقيس،وكيف نحب ونكره، ونتزوج ونطلق ونأكل ونلبس، ونفرح ونحتج، وكيف نتديّن ونحتفل، وكيف نتباعد ونتقارب، أي بكلمات موجزة كيف نحيا ونموت ونُبعث… كمغاربة دون غيرهم من العالمين. محاولة تأملية ترصد معالم الشخصية المغربية كتب سعيد بنيس عن نسق تَمَغْرِبِيتْ بكثير من التواضع العلمي، والنسبيّة المرْعية فيه، وأطّرها بإلمام موسوعي، وبزخم من المفاهيم والاصطلاحات المختلفة، وبزائد من الكثافة الشديدة في التعبير واقتصاد في اللغة، وقليل من الاستيفاء المطلوب والإلمام الكافي، وهو يحاول أن يفهم اليقينيات المحلية في تكوين الشخصية المغربية،ورصد مرتكزاتها، واستثمارها في فهم تشكيل عناصرها "الحضارية واللغوية والثقافية والتاريخية والإنسانية التي تميز المملكة المغربية…"( بنيس، تَمَغْرِبِيتْ، ص148)، واستشراف مستقبلها لتعميق الانتماء إليها والاعتزاز بها من أجل العيش المشترك والأفق الواعد وتَحسّب تحديات الآتي(الثورة الرقمية مثلا). بدل سعيد بنيس جهدا مُقدرا في نحت مصطلح تَمَغْرِبِيتْ وتأصيله لغويا واصطلاحيا(ص6.5)، وبوعي وطني عميق ورهيف، تآخت فيه عبقريتا اللغة الأمازيغية واللغة العربية وانتظمتا في بوتقة نَحتٍ لغوي وطني واحد وموحد، يؤشر على هوية مزيجة، وشخصية حضارية بطابع محفوظ (Made in Morocco)؛ بل أكثر من ذلك، فقد نحت الباحث في ذاته، واستنزَف من طاقاته الفكرية والمعرفية والمنهجية للتنظير لهذه السردية، وتجميع عناصرها المُؤسسة، ورصد مَحكياتها، ورسم معالمها المميزة الضامنة للوحدة والتعدد، والحريصة على جدلية الثابت والمتحول، والمراعية للمحلي والوطني، والإقليمي والدولي… من هذا المنطلق، يمكن اعتبار كتاب تَمَغْرِبِيتْ، لسعيد بنيس محاولةٌ رائدةٌ وأصيلةٌ، وبالتالي غير مسبوقة في بابها وموضوعها ومنهجها والرؤية الناظمة لها، وآفاقها المرتقبة، وهو يُعيد بناء ملامح تَمَغْرِبِيتْ ويقينياتها المؤسسة في ظل منطوق دستور 2011 من جهة، ومن جهة ثانية،محاولة تأملية ترصد معالم الشخصية المغربية وسيرورتها الهوياتية، ومن جهة ثالثة، بناء نظري لمسار تاريخي لمغرب ضاربة جذوره في التاريخ، وراسخة قدماه في تُربة ممتدة من طنجة إلى الكويرة، بأفق مستقبلي مفتوح ومنفتح ومتحرك، تتكامل فيه القوى الصلبة والقوى الناعمة، وتتعزز داخله عناصر الترابط والتمازج والتفاعل في أفق مكانة مشرفة ومميزة للمملكة المغربية على الصعيد الإقليمي والعالمي. ربما ذلك ما يفسر الزّخم الكبير من المفاهيم والاصطلاحات التي تخترق الكتاب، وتعدد القضايا والإشكالات التي تطرق إليها، وتنوع الموضوعات التي تناولها، والهاجس البيداغوجي الظاهر على امتداد الكتاب خاصة في حشد الأمثلة والشواهد المتنوعة في أثناء وصف الوضعيات، ومعالجة القضايا، وتصنيف الظواهر.وهو في المُحصلة يسعى لجمع مكونات منظومة تَمَغْرِبِيتْ، كما تشكلت في الماضي وامتدت في الحاضر، وتُسائل الراهن والمستقبل، على صعوبة الرهان وضخامته. ذلك ما جمعه الباحث في مقولتين إجرائيتين ومركزيتين في الكتاب، ميزا بينهما لضرورات منهجية، الأولى، هيالقُوى الصلبة المتعلقة ب"التنمية البشرية والاجتماعية"(ص154) بالمطالب المادية في الاقتصاد والشغل و والرياضة والبطالة، والمواطنة والصحة والتعليم والقضاء والعدالة المجالية والحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية والعيش المشترك، والمواطنة الصالحة، والفوارق الترابية والعولمة والميز اللغوي…والثانية، هي ما صنفه ضمن القُوى الناعمة المرتبط بالمنتوج الفوقي شديد الصلة ب"الجوانب الرمزية اللصيقة بالمواطنة الإيجابية من قبيل جودة التعليم وانسجام التنشئة المجتمعية المتوازنة"(ص154)، والحق في اللغات والثقافات والموسيقى والرسم والمسرح، والقيم والتمثلات والتاريخ والطقوس والتقاليد والأديان وغيرها، وسياسات تدبيرها وتصريفها. وقد كان لمستجد الثورة الرقمية وتحدياتها في ظل عولمة جارفة، دور كبير في إصابة القيم بالأزمة والانحباس والتّيه مسّت سلوك المواطن والمواطنة وعطَبتهَا، مما قد يُنذر بانقراضها ويُعجل باندثارها ( بنيس، ص 124. 125 .130)،وإن كان عبد الله العروي، يدعو إلى ضرورة الانتصار للمصالح واستبعاد القيم (العروي من الديوان، ص 152)، خاصة بعدما بدأت تتشكل بوادر جديدة لما نعتُه الباحث بنيو تَمَغْرِبِيتْ في الفضاء الافتراضي، وصارت تطبع الشخصية المغربية. ومما سرع ذلك ووسع نطاقه: تراجع مختلف الحواضن، أو ما عبر عنه الباحث بالمحاضن (ص130) التقليدية من أسرة ومدرسة وجامعة وحزب ونقابة، وغيرها من معترك تأطير الشباب وتحصينهم وإعدادهم لزمن غير زماننا. وهو ما يستدعي تنشئة قيمية جديدة، وبالتالي التفكير في ميثاق وطني لضبط الاحتباس القيمي من تطرف، وتحرش، واغتصاب، وتعنيف، وسرقة… والحيلولة دون انتشار وتغول أسباب العزوف عن القيم في المجتمع المغربي"(ص131 . 132)، لكن دون إغفال استحضار المصلحة العامة، بلغة العروي. كل هذه التحولات المتسارعة كانت وراء ظهور "مُؤثرين" جُدد، أغلبهم مستقر في العوالم الافتراضية، يصنعون محكيات جديدة لتَمَغْرِبِيتْ جديدة، كانت سببا في قلب المفاهيم، وتغيير الأدوار والوظائف والرؤى، مما تناوله سعيد بنيس وأشبعه درسا. هكذا، "تغيرت الكثير من الإبدالات التي كانت تتحكم إلى الأمس القريب، في تدبير الكثير من مظاهر الحياة، وتغيرت تبعا لذلك مواقع الفاعلين في السياسة والثقافة والاجتماع، لقد حلّ الخبير محل المثقف، وانسحب المناضل أمام اندفاع المحتج واختفى المواطن لصالح مستهلك هو من يتحكم الآن في كل مساحات الفضاء العمومي"( بنكراد، مدارات اللغة، ص229). بعبارات أخرى،أُعطيت الكلمة للخبير، وهو يقترح تقديرات "محايدة" لوضعيات معينة قريبة المدى، عبر أرقام وجداول وأسهم وإحصاءات ومؤشرات، مشروطة بمتطلبات السوق (بنكراد، التأويل، ص192)، بديلا عن المناضل، بانتمائه إلى تنظيم سياسي أو مدني، وعلى أساس التاريخ والذاكرة والموقف السياسي، وقاعدة المصلحة العامة، كما أصبح التأثير اليوم للمحتج ببرغماتيته الآنية والطارئة، وإشباعه حاجاته الخاصة والفئوية، بعيدا عن أي غطاء قيمي أو سياسي، بديلا عن المثقف المنخرط في مشروع فكري أو سياسي أو حضاري،كما أصبح للمنسق، بتنسيقياته المتناسلة حسب الحاجات الطارئة، باعتبارها "إفرازا من إفرازات المجتمع السائل، وعَرضاً في ذاكرة التاريخ؛ إنها مَنذُورة للقُمامة (Jetable)…"(بنكراد، التأويل، ص210. 211)،مؤثراقوياعلى حساب الوسائط الشرعية بين الدولة والمجتمع، فضاع الطالب والمطلوب، وتاه المُبحر والمُبحرون…وحار المغربي والمغربية بين حسبُنا ما وجدنا عليه مغاربة الأمس، وما صارَهُ الأبناء والأحفاد، وينتظر الخَلف القادم…. معنى أن تكون مغربيا "شكون حنا ومن نكون" تردّدت كثيرا عبارة:ما معنى أن تكون مغربيا؟ في كتاب تَمَغْرِبِيتْ لسعيد بنيس، وفي مناسبات كثيرة وسياقات مختلفة ( تَمَغْرِبِيتْ، ص11. 23) وبصيغ متعددة، من قبيل: من نحن (شكون حْنا، ومن نكون، ص11)؟ بعبارات أخرى، ما معنى أن تكون مغربيا، وضمن سيرورة متحركة؟ سؤال وجودي مرتبط بسيرورة الإنسان المغربي في التاريخ والجغرافية ومآلاته، على مختلف المستويات والأبعاد، كما تم عرضه أعلاه. فليس شرط أكل "الطّاجين" بدل "الطاكوس"، وارتداء الجلباب عوض "الدجينز"، والقفطان عوض التّنورة، طويلة أو قصيرة، ولا شرط تفضيل الكسكس و"الشّباكية" و"الرفيسة" على غيرها من الأكلات العصرية الطارئة على المطبخ المغربي، ولا مسوغ تأخير تناول اللحم بعد الأكل ما يجعل المغربية أو المغربي كذلك… فقط مَن يجعل المغربية والمغربي ينتمي إلى نسق تَمَغْرِبِيتْ؟فسؤال تَمَغْرِبِيتْ مرتبط أيضا بالسلوك العام للمغربية والمغربي، وبثوابت سلوكية ونمطية تشكل العقلية المغربية، وتميز الشخصية المغربية بما هو مغربي ومغربية، وعلى امتداد الزمن والمكان والأفُق، مع ما يمكن أن يطرأ عليها من تحولات بطيئة أو سريعة، قوية أو ضعيفة، صلبة أو ناعمة… تصنعُ قَدَرها المُحتمل. وذلك مكمن خطورة الرهان الذي ركبه الأستاذ بنيس، و"ركب رأسه"، عن ترصد وإصرار، لما قرر أن يخوض في هذه الإشكالية، ويبني عليها مشروعا ضخما، يجمع كل العناصر والمكونات والمؤشرات والتمثلات التي تميز الإنسية المغربية، ليس فقط في فترة تاريخية محددة، أو من خلال عينات معلومة، ولكن في سيرورتها المتحركة، وآفاقها المجهولة أيضا. رهان بحجم ثلاثة وثلاثين قرنا( 33) ممّا يعُده الأستاذ محمد شفيق، أو أربعة وثلاثين قرنا (34) بحِساب ما سيأتي. سبق لعبد الله العروي في كتابه، من ديوان السياسة، أن تطرق إلى ما يسميه سعيد بنيس بسردية تَمَغْرِبِيتْ، وإن من موقع مخصوص، ومعنى معين، ستتضح معالمه لاحقا.فقد سبق للعروي في إحدى شذرات كتابه المذكور،وتحت عنوان: نحن المغاربة، أن يرصد سلوك المغربي بما هو مغربي ومغربية، ويحصرها على لسان مثقف من مثقفي الأعيان عصرئذ، أن يعُد مجموعة مما يمكن نعته بالثوابت المميزة للإنسان المغربي والدالة عليه، منها: "الطمع والخمول، على التملق وعلى الطاعة على التقليد وعلى التهرب من المسؤولية، إلخ"(ص22). ذلك ما يسميه العروي وبعبارة واحدة، التربية الأولى، تربية البيت أو الأم، أي السابقة عن التعليم النظامي، على التأهيل والتكوين المهني"(ص23). وكأنه يتحدث عن تشكل سردية تَمَغْرِبِيتْ، ولكن قبل التّمدرس وباقي وسائل التنشئة الاجتماعية والثقافية النّظامية، وإن من خلال عيون مثقف وموظف سام في الدولة المخزنية سابقا، فيما كان بنيس يتحدث من موقع باحث سوسيولوجي، وهو يَغْرز عيناه في ثنايا المجتمع وصغير طياته، وينير مناطق من ظل، ويرصد السلوكات ويصفها ويصنفها ويستخرج القواعد ويعممها… من نحن إذن؟ شْكُون حنا؟. فأن تكون مغربيا معناه، أن تنشأ على قيم وسلوكات ومواقف ترسخت في اللاشعور الجمعي المغربي، وعبر سيرورة زمنية عريقة. فالمغربية والمغربي، أو "أحنا المغاربة"، في التمثل السائر، لا يكون مغربيا إلا إذا كان "طماعا وخاملا ومتملقا وطيِّعا، وتقليديا…"أي مروضا على هذه القيم التي تصير سلوكا عاما له في الحياة وما بعدها، ونمط عيش قار مميِّز، على غرار باقي الشعوب في العالم. فعقلية السّاموري ملازمة لليابانيين(تَيبَنِيتْ)، كما هو سائر وراسخ، وقس على ذلك حال الفرنسين والأمريكيين والروس، وغيرهم، ( العروي، ص22). ومع ذلك، فهذا التعميم في حاجة إلى تنسيب، ومراعاة السيرورة التاريخية، بأبعادها المختلفة، لكل أمة أمة، بما فيها الأمة المغربية.ويبدو أن سعيد بنيس، قد تنبه إلى ذلك، وهو يرصد ثوابت ومتحركات تَمَغْرِبِيتْ، في جدلية بين ما كان وما هو كائن، وما ينبغي أن يكون. وقد تكون اللغات لوحدها عامل قياس درجة الانتماء إلى مجال ترابي وثقافي وحضاري معين، باعتبارها مستودعا لخبرة أمة وتجاربها وحقائقها ومعتقداتها وطقوسها ومعارفها وكينونتها. و"الحاصل من كل ذلك أن كل ما نعرفه عن أنفسنا وعن الآخرين وعن الدين والأسطورة والحكايات الخرافية لا يمكن أن تتحقق إلا في اللغة وبها. تماما كما هو قياسنا للمسافات والمدة الزمنية والروابط بين الأشياء والأبعاد والمظاهر، فهذه الكيانات لا يستقيم وجودها وتصبح قابلة للتداول إلا إذا سكنت اللغة وأصبحت قيمة تداولية داخلها"(ص29 من مدارات اللغة). الشيء الذي تنبه إليه بنيس وهو يحاول فهم رهانات السياسة اللغوية بالمغرب، كما سنبسط فيها فيما سيأتي في كتابه الثاني، من التعدد إلى التعددية(2023)، ومن خلال مراصدة نقدرها إجرائية في قراءة الكتاب والتفاعل مع أهم مفاصله الكبرى، رصدا ونقدا وحواراً وإغناء… مفارقات وتحديات يتعذر الحديث عن نسق تَمَغْرِبِيتْ، بيقينياته المحلية، في التراب والتاريخ والجغرافية والدين والقيم والانتماء الوطني والقومي والإنساني، وغيرها من يقينيات تَمَغْرِبِيتْ، كما تصورها بنيس وبناها، دون الحديث عن سؤال اللغات وتعددها بالمغرب في المدرسة والجامعة، ودون استحضار سؤال الثقافات وتنوعها في الفضاء العمومي وفي الإعلام وغيرهما، وآليات تدبيرها. ذلك ما تطرق إليه سعيد بنيس، بإشارات عابرة، وإيماءات خاطفة في كتابه تَمَغْرِبِيتْ، وكأنه أدرك أهمية هذه المكونات وخطورتها في تشكيل الشخصية المغربية، وتكوين هويته المخصوصة، وضرورة أن يخصص لها حيزا أوسع، ومساحة أوفى. وبالنظر إلى الحجم الصغير لكتاب تَمَغْرِبِيتْ، وضيق استيعابه لتفاصيل مشروع تَمَغْرِبِيتْ، وعجزه عن استيفاء مختلف الإشكالات العديدة التي أوردها، كان لابد أن يصرف"فائضا" يصعب أن يستوعبه الكتاب الأول، ولم يجد له مصرفا سوى تأليف كتاب جديد، خصه فقط بما عبر عنه بالسياسات اللغوية بالمغرب، ورهاناتها، على أن تليه كتب أخرى لمزيد من تصريف ما يساعد على استكمال بنيان المشروع وإتمامه. فكيف نظر إليها الباحث سعيد بنيس؟ وما موقعها ضمن نسق تَمَغْرِبِيتْ، ومخارجها المرتقبة؟ طبعا، الحديث عن اللغات وتأمل تدبيرها ورهاناتها، وفي إطار مشروع تَمَغْرِبِيتْ وتحدياتها، ليس محصورا على اللغويين واللسانين، ولا مقصورا على السياسيين والبيداغوجيين، ولا حكرا على النخب الثقافية والصحافيين والإعلاميين، ولا هو حبيس تأملات الفلاسفة والمفكرين، ولكن يمكن النظر إليها من مواقع مختلفة وزوايا متعددة، لعل منها منظور عالم الاجتماع، وعلم الاجتماع اللساني اللذان اختارهما سعيد بنيس وانتمى إليهما وانخرط فيهما، وكتب عنهما ونظّر لهما، منذ "نعومة أظافره الأكاديمية"، مذ أن شرع في تحضير أطروحته لنيل شهادة دكتوراه الدولة سنة 1994، في التقاء اللغات بالمغرب بين المثال اللساني والهوياتي،عند متكلمي سهل تادلا نموذجا، في موضوع: " Contact de langues et de populations au Maroc : entre idéal linguistique et idéal identitaire. Cas de la plaine du Tadla" . وعليه، فسعيد بنيس ليس غريبا عن اللسانيات وأدبياتها، ومجال اللغات ورهاناتها، ومنها اللغات الرسمية بأنواعها، واللغات الأجنبية بتعددها، وهو الناطق بكثير منها والكاتب ببعضها، وهو أيضا ليس بعيدا عن أسئلتها الحارقة في التاريخ والذاكرة والسياسة والمجتمع والتّراب، وهو الراصد لأنواعها عند أفراد المجتمع وإكراهاتها، وأشكال حضورها في المدرسة والجامعة ومفارقاتها، وتداعيات تدبير هذا التعدد والتنوع اللهجي والثقافي؛ بهذا وغيره، فهو حُجة معتبرة في هذا الباب.لذلك لا غرابة إن توقف كثيرا عن سؤال التعدد اللغوي بالمغرب، وتفاعل مع رهاناته السياسية، بل وغامر بمقترح تصور مركب لتصريف "التعدد اللغوي في الحالة المغربية، تجنبا لحالات الانفصال والانسلاخ الهوياتي"(ص5)، وذلك على قاعدة ما أقره دستور 2011، وعلى أساس آلية المقارنة(ص88 من التعدد) للاستفادة من التجارب الدولية في هذا الموضوع. ينطلق سعيد بنيس في كتابه، من التعدد إلى التعددية، من تعريف أهم المفاهيم التي سيقوم عليها كتابه،وتكون أدوات اشتغاله على السياسة اللغوية بالمغرب، في الرصد والاستشراف. هكذا، بدأ بتعريف مجموعة من المفاهيم الإجرائية لتأمل الرؤية الإستراتيجية لتدبير التعدد اللغوي بالمغرب، بمواطن قوتها ومظاهر أعطابها وتجليات مفارقاتها. من هذه المفاهيم، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، مفهوم الأحادية الرسمية اللغوية، كما هو حال فرنسا والهند والصين، والمغرب نفسه قبل دستور 2011، بصرف النظر عن واقع اللغات الوطنية وتنويعاتها في الدستور وعلى هامشه، والثنائية الرسمية اللغوية، كما هو الأمر في المغرب مع دستور 2011، ثم التعدد الدستوري اللغوي كما في حالة سويسرا وكندا (من التعدد، ص12 و13. 14)، فضلا عن مفاهيم مجاورة أخرى من قبيل الازدواجية اللغوية، والمزج اللغوي والتناوب اللغوي والتنوع الثقافي والسياسية اللغوية والأمن اللغوي والتخطيط اللغوي واللغة الوطنية والجهوية اللغوية وغيرها كثير. وقد ذكر هذه المفاهيم في تقديم الكتاب، وأجرأها على امتداده، مستحضرا في كل ذلك مختلف الخلفيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية، وسياقاتها الجهوية والوطنية والدولية. لكن ما كان يهم سعيد بنيس من كل ذلك، هو الحالة المغربية وآليات تدبير واقع التعدد اللغوي فيه،بعد الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية ثانية بعد اللغة العربية في دستور 2011، إلى جانب اللغات الأجنبية، وترسيم التنويعات اللغوية والثقافية على امتداد التراب الوطني، مما عقّد من آليات تصريفها والاستفادة منها، و زاد من تأزيم وضعيتها، وضاعف في صعوبة تدبيرها. لعل من مظاهر هذا التأزيم تلك المفارقات الفاقعة التي تخترق دستور 2011، وتمتد إلى القوانين المصاحبة له، من جهة، ثم مفارقات أخرى تتمثل في التفاوت الحاصل بين منطوق الدستور وواقع الحال المؤسساتي.فبعدما تمّ ترسيم اللغة الأمازيغية إلى جوار اللغة العربية ودسترتهما في سابقة تاريخية بالمغرب "أضاف إليهما "كيانات" أخرى بعضها يُصنف ضمن اللهجات التي لا أحد يعرف عددها، وضمن ما أطلق عليه "التعبيرات الشعبية"( بنكراد، مدارات اللغة، ص188) التي تندرج في إطار التنويعات الجهوية المتداولة منها:تريفيت وتشلحيت وتمزيغت، وهي مجالات اللغة الأمازيغية، وتلوينات اللغة العربية من جبلية وعروبية وبدوية وحسانية وغيرها، مع مراعاة درجات التأثير المتبادل فيما بينها. وإذا زدنا عليها اللغات الأجنبية التي وردت في تصدير الدستور، نشعر، كما يستخلص سعيد بنكراد الوضع اللغوي المأزوم في الدستور وتبعاته، في قوله : "إن كل اللغات أصبحت رسمية في المغرب، بما فيها التي ورثناها عن المستعمر"، مثلالإسبانية في مناطق الاستعمار الإسباني، فالفرنسية بشكل أقوى، وأشد حضورا، وباقي اللغات الأجنبية الأخرى كالإيطالية والإنجليزية، مع ما عاشته هذه اللغات الأجنبية مع اللغة العربية من مد وجزر، وتوسع وتقلص، وهيمنة وتراجع(ص37 . 38من التعدد). وتلك مفارقة قاسية على باحث وطني غيور على هوية تَمَغْرِبِيتْ، سجلها بكثير من المرارة، لما ذّكر برسمية اللغتين العربية والأمازيغية ودسترتهما، وفي الوقت نفسه، سجّل واقع انحسارهما في السوق اللغوية المغربية، وحضورهما "الباهت" أو "الخجول"، وإن بدرجات متفاوتة، في مؤسسات الدولة، خاصة الإدارية والثقافية والاقتصادية والمالية، مما كرس حيفا لغويا قويا عند متكلميها (ص21)، وأدى إلى "خلق حالة اللاأمن اللغوي، وانهزامية هوياتية" ( من التعدد، ص 21 . 91)، رغم إنشاء هيئات دستورية موازية. في مقابل ذلك، ظلت اللغة الفرنسية مهيمنة في أهم مؤسسات الدولة، ولمدى عقود، فيما ظلت الدوارج المتفرعة عن اللغتين العربية والأمازيغية"تكتسح" الفضاء العمومي،وتستأثر بوسائل الإعلام السمعية والبصرية، وتطغى في شبكة التواصل الاجتماعي،والإشهار وواجهات المتاجر والإذاعات الخاصة والقنوات الوطنية، ودبلجة الأفلام الأجنبية، وتحضر في الحملات الانتخابية، وغيرها، وشعارها في المحصلة، كما صاغه سعيد بنكراد، "استهلكوا بالدارجة المغربية، وسنفكر مكانكم بلغات أخرى"(ص101 من مدارات بنكراد). لقد ظلت اللغتين العربية والأمازيغية محليتين ورسميتين للمغرب، وبالتالي لغتين هُويتين، ولكن غير وظيفيتين. فهما تعانيان احتباسا "مقلقا"،خاصة اللغة الأمازيغية منها، رغم بعض المبادرات الملكية، وبعض القرارات الحكومية والتشريعية (ص66. 67. 69). وفي أفق تهيئة شروط انتقال اللغتين الرسميتين من لغتين هُويتين إلى لغتين وظيفيتين، اقترح سعيد بنيس إبداع نهضة في الترجمة تتم من خلال فعل التملك والترصيد والتمكين"(ص93). وهو ما يتعذر تحقيقه، في ظل عولمة كاسحة، وخصاص حضاري كبير، وتعذر تحقيق الحلم وتجسيده، ولو في الأفق البعيد. فاللغة الأمازيغية في بداية التأهيل والتهيئة(ص62 وما بعدها من التعدد)، وكثرة العراقيل ومحدودية الأفق، واللغة العربية، رغم درجة تأهلها، وتاريخ الاشتغال عليها، وثقل تراثها، ما يزال "التضامن السلبي"( من الديوان، ص151، ) بين البلدان العربية نفسها، يزيد في احتباسها، وتقلص وظيفتها القومية والدولية. الأمر الذي سيفسح الباب مشرعا للغات الأجنبية، خاصة الفرنسية منها، بأقدار مختلفة ومتدرجة حسب المستوى الدراسي، في الابتدائي فالإعدادي والثانوي فالجامعي، وخارج السياق الدستوري، في أفق اعتماد اللغة الإنجليزية،للانفتاح الكوني، والمواكبة المعرفية، وبالتالي لتحقيق التنمية.الأمر الذي يُسائل "النوايا" والمسكوت عنه في كثير من خطابات الدولة بمختلف مؤسساتها الدستورية وهيئاتها الموازية. ويكفي بهذا الصدد، العودة إلى دستور المملكة لسنة 2011، الذي يقر بلغتين رسميتين للبلاد، العربية فالأمازيغية، ويعترف بالثنائية اللغوية الرسمية للبلاد؛ لنتأمل طريقة التأكيد على ذلك و خلفيات إقراره، فلا يخلو من نصب الفخاخ في الخطاب، وزرع متفجرات تستدعي الحذر في الفهم والشجاعة في الموقف. فقد ورد في الدستور عن اللغة العربية، "تظل العربية لغة رسمية". وهي كذلك منطوقا، لكن في ذلك ما يُوحي بإمكانية تغيير هذا القرار والتراجع عنه لسبب أو لآخر. الشيء نفسه وارد في منطوق الدستور، ودال على "نيةٍ مدخولة" في العبارة والمآل.فاللغة الأمازيغية" لغة رسمية أيضا"، وكأنها مجرد "زوجة ثانية" للأولى، مع ما ينتج عن ذلك من تمثلات راسخة. وهذا ما يبين تفاوت اللغتين من حيث القيمة الرمزية، بل ومن حيث درجة الرسمية نفسها. ويبدو لي أن هذا ما جعل بنيس، وعلى امتداد كتابه من التعدد إلى التعددية، يسجل واقع الظلم الذي عاشته اللغة الرسمية الثانية/ الزوجة الثانية وتعيشه، كما تعكسه مساحة الفصل الثالث من الكتاب. وهكذا، فقد صيغت فقرات الدستور بلغة غامضة، وعبارة متهافتة، توحي، بلغة بنكراد، بأن العربية "رسمية حاليا، والثانية ممكن أن لا تكون رسمية، (الدستور المغربي الجديد، ص86، بنكراد). هذا ما شهد عليه سعيد بنيس نفسه لما خلص إلى أن التعددية اللغوية بالمغرب ما تزال " في مرحلة الاعتراف الدستوري، ولم تصل بعد إلى مرحلة التفعيل المؤسساتي.(ص166). فهما بذلك لغتان رسميتان للهوية فحسب، فيما تأتي اللغات الأجنبية للمعرفة والانفتاح ومواكبة حضارة العصر. على هذا الأساس، يمكن اعتبار الازدواجية الرسمية في اللغة حق أريد به باطل، فهو خلق للفوضى والتشظي وبالتالي إضفاء الشرعية على اللغات الأجنبية،( بنكراد، الدستور المغربي الجديد، ص93). لغتان للهوية لتاريخها ودينها، ولغات لشؤون العلم الحديث (الدليل العودة في القانون الإطار إلى الفرنسية وبعدها إلى الإنجليزية) وهذا بعض ما يفسر شروع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في تعميم تدريس اللغة الإنجليزية بجميع مستويات السلك الثانوي الإعدادي ابتداء من الموسم: 2023. 2024، في أفق تعميمها على جميع مستويات السلك الإعدادي سنة 2026…"(ص174. 175).فاللغة الإنجليزية ضرورة وظيفية ما دامت اللغة الفرنسية نفسها لغة هوياتية وغير وظيفية حتى في الدول التي تعتبرها لغة رسمية فيها، كما في فرنسا وكندا وبلجيكا، ولذلك لم يجد المغرب نفسه بداً، ليُعدد "الزوجات في اللغة"؛ الأولى لغة عربية "ستظل" رسمية ومدسترة لعقود طويلة غير مؤهلة على عراقتها وعدد الناطقين بها والمحسوبين عليها لولوج السوق اللغوية الدولية، وإنتاج المعرفة وممارسة البحث العلمي، والثانية التحقت "أيضا" بالأولى وصارت ثانية، على عراقتها التاريخية وعمقها الحضاري، ومحدودية متكلميها، فبدورها غير مؤهلة للبحث العلمي لمواكبة البحث العلمي حالها في ذلك حال اللغة العربية وأكثر. وهو ما فتح الطريق لإضافة "خليلة" ثالثة" من أصل أجنبي، بقيمة الدولار، لغة وظيفيةو"مُقرِّرة" و"ذات سيادة"، قد تسكن مسكن "الزوجتين الشرعيتين"وتحكم وتسود، ضمن "الدستور الضمني" بلغة الأستاذة رقية مصدق !!!. إنها الضرورة، و"الضرورات تبيح المحظورات"، بتعبير الأصوليين… التعدد اللغوي وإكراهات البحث العلمي في الجامعة تأكيدا على ما مضى، وربطا للسابق باللاحق، فصلة كتاب تَمَغْرِبِيتْ بكتاب من التعدد إلى التعددية، صلة أصلٍ بفرع، وكلٍّ بجزء، وتأسيس بتفصيل. والدليل الإضافي على ذلك، إشكالية لغات هوياتية وأخرى وظيفية التي تناولها سعيد بنيس عرضا في كتاب الأول، تَمَغْرِبِيتْ، وفصل فيها قدرا من التفصيل في الكتاب الثاني، من التعدد إلى التعددية، وهو الباحث الجامعي الذي خَبِر التدريس في الداخل والخارج، وبلغات هوياتية ووظيفية، وفي الوقت ذاته الممارس للبحث العلمي والخائض في إشكالاته، الغيور على حصيلته في الجامعة المغربية، والعارف لإكراهاته وتحدياته الأخلاقية واللغوية. فالأستاذ سعيد بنيس مغربي حتى النخاع("ديما مغرب")، بل وصاحب مشروع في تشكيل سردية تَمَغْرِبِيتْ والمرافع عنها، ولذلك كان من الطبيعي أن ينسجم ومنطوق دستور 2011، فيدافع عن اللغتين العربية والأمازيغية، باعتبارهما لغتين رسميتين ومدسترتين، وضرورة تفعيل ذلك في المدرسة والجامعة. وهي الخلاصة التي انتهى إليها قائلا:" لا يمكن في حالة المملكة المغربية الحياد عن المحددات الهوياتية التي سطرها الدستور، والذي تخول للغتين العربية والأمازيغية أن تكونا لغتي المدرسة إلى جانب لغات أو لغة أجنبية ذات خصائص وظيفية عالمية، تعتمدها المنظومة التعليمية والمشروع المجتمعي في ارتباط بالرهانات الجيوسياسية والتنمية الاقتصادية وازدهار الفرد والجماعة، بعيدا عن أي منطق إيديولوجي أو سياساوي"(ص65 من تَمَغْرِبِيتْ). غير أن المنطوق غير المنجز، والواقع غير الرغبة، والكائن غير الممكن. فاعتماد اللغتين الرسميتين في المدرسة والجامعة، ومؤسسات الدولة تِباعا، إقرار دستوري، وبالتالي تحصيل حاصل. وتفعيله يضمن نتائج إيجابية، كما قال بنيس، كما "التجربة الصينية واليابانية والكورية والفنلندية"، وقد يمكن اللغتين من صفة الوظيفية "في جميع أسلاك التعليم المغربي، من التعليم الأولي إلى التعليم العالي". وهذه مسلمة ما دامت اللغة، إلى جانب كونها مكون مركزي في الهوية، فهي أيضا التي تعلمنا كيف ننتمي إلى جماعة وثقافة وحضارة وننتظم في أفقها. "فلا أحد منا رأى العالم "عاريا"، لقد ورثناه كما هو جاهزا، ضمن تجربة تُعيد إنتاج نفسها ضمن عوالم الوجود الرمزي كله… وهو ما يعني، أننا لا نسكن عالما بل نقيم ضمن حدود ما تصفه اللغة وتصنفه وفق قوانينها، فهي الشاهد الوحيد على براءة ضاعت منّا إلى الأبد"(بنكراد، بين اللفظ والصورة، ص95). إلا أن ممارسة البحث العلمي، وضمان إشعاع الجامعة المغربية، يصعب أن يتم باللغة العربية وبالأحرى بالأمازيغية، حتى وإن توفرت الإمكانات المادية، كما في بلدان الخليج، وغيرهم، أو توفر ميثاق الأخلاقيات". وعليه، لا مفر من اللجوء، حُبا أو كَرها، إلى اللغة الإنجليزية، حيث تنحصر "قائمة شنغهاي، في دوريات معترف بها دوليا، والتي تُنشر بها الأبحاث حصريا باللغة الإنجليزية، كمجلتي "نايتشر" و"ساينس""(ص67 من تَمَغْرِبِيتْ). لقد أدرك سعيد بنيس، ما يجري في مجال البحث العلمي بالجامعة المغربية، وخبِر أسرار معوقاته، وهو واحد من ممارسيه والغيورين عليه. فهو يدرك تمام الإدراك أن اللغة العربية ولا الأمازيغية ولا تنويعاتهما اللهجية، بل ولا حتى اللغة الفرنسية نفسها عجزها في المواكبة المعرفية والعلمية والتقنية، وتطوير البحث العلمي وبالتالي ضمان إشعاع الجامعة المغربية وتحسين ترتيبها العالمي. وهو ما أكد عليه سعيد بنيس بوضوح وبخط عريض وتكرار مفيد، وأثبته في مناسبات عديدة وسياقات متنوعة،منها ما ورد في كتابه، تَمَغْرِبِيتْ، وهو يعالج لغات المدرسة، إذ خلص إلى أن "الانتقال من الفرنسية إلى الإنجليزية كأول لغة أجنبية في المدرسة والجامعة المغربية أصبح ضرورة ملحة ومستعجلة"(ص66).فضمان إشعاع الجامعة المغربية على المستوى العالمي، وإعادة توهج "السردية العلمية والحضارية لتَمَغْرِبِيتْ من خلال الإنتاجات العلمية"(ص67)، غير ممكن باللغة العربية واللغة الأمازيغية، ولا بباقي التنويعات المحلية الترابية الأخرى في سوق اللغات المغربية أو ما عبر عنه بلغات "التداول المجتمعي". ذلك، ما فصل فيه سعيد بنيس في الفصل الخامس من كتابه، من التعدد إلى التعددية،وبسط القول فيه، في إطار ما عبر عنه ب"سؤال الرهانات المستقبلية للسياسة اللغوية بالمغرب"(ص155 من التعدد). إن الخروج"من وضعية الاحتباس اللغوي والابتعاد عن الفرونكفونية، واعتماد الإنجليزية لغة أجنبية أولى كضرورة وظيفية"يستدعي تأمل مثل هذه الاختيارات الكبرى، وتقليب النظر فيها، على أساس، استحضار مسوغات ذلك، وبحس تاريخي وأفق مستقبلي. وعليه، فإن "تدارك غياب الجامعة المغربية عن التصنيفات العالمية يوجب إعادة تصويب السياسة اللغوية في ما يخص لغة البحث العلمي بالجامعة المغربية. فالخروج من هذه الوضعية وإيجاد حل للاحتباس الجامعي بالمغرب بالخصوص، بما هي قاطرة لأي تنمية مبتغاة، يستدعي إضافة إلى سن ميثاق لأخلاقيات البحث العلمي والتحفيز المالي على الابتكار، التقرير في قناة لغوية ملائمة تستجيب للمعايير الدولية، وتمكن من التعريف واكتشاف وتصريف المنتوج البحثي المغربي"( التعدد ص176). وتصريف هذا المنتوج العلمي فالاستجابة للمعايير الدولية، لا يمكن أن يتم، في المنظور البعيد، سوى عبر قناة لغوية ملائمة ومواكبة هي اللغة الإنجليزية ، مع ما يمكن أن ينتج عن ذلك من كلفة مالية وبشرية ضخمة. فالانتماء إلى الفضاء الأنجلوساكسوني ولغته وثقافته وحضارته، وما ينتج عن ذلك من استهلاك تمثلاته للحياة وما بعد الحياة، مع أن في ذلك خرقا صارخا للدستور، وتأكيدا للمفارقة بين منطوقه وممارسة مقتضياته، وقد تكون نتائجه وخيمة على تَمَغْرِبِيتْ نفسها، بل وعامل من عوامل تدميرها من الداخل، بإفقار الذات والعالم، وتفكيك النسيج المجتمعي.وهو ما يستخلصه سعيد بنكراد بكثير من الحسرة، وعينُه على البلاد المغاربية عموما، والمغرب خصوصا، ومصيرها في تدبير السياسات اللغوية في إفريقيا قائلا:"لقد ظل الأفارقة يتحركون طوال تاريخهم الحديث داخل لغات أجنبية لم تستطع، إلا في النادر من الحالات، استيعاب كامل طاقات الإبداع في أرواحهم. لقد بقوا "خارجها "وخارج ممكناتها في القول الشعري والنثري. لقد وحدتهم سياسيا وربطت تاريخهم بتاريخ المستعمر القديم، ولكنها لم تخلصهم من "هوية قارية" تنتهي في لغتهم عند حدود القبيلة. ووحدها لغة الجسد جمعت بين ما فرقته اللغات واستطاعت أن تسافر بوجدانهم خارج حدودهم وخارج انتماءاتهم القبلية. …فلا يمكن فصل اللسان الأم عن الجسد الحامل له. هناك تراكب مذهل بين لغة رسمية هي الضابط لحدود العقل والتفكير، وهناك لغة إيمائية توحد بينهم وتشدهم إلى محيط ثقافي وطبيعي لم ينفصل عن وجدانهم أبدا، فهم يتكلمون الفرنسية والإنجليزية أو غيرهما، ولكنهم يرقصون جميعا بلغة إفريقية يستطيع الجسد وحده تحديد دلالاتها وتركيبها". وهذا ما يجعل اللغات الأجنبية لغة المستعمر في الغالب،هي البديل الممكن من أجل تنظيم قطاعات المدنية الحديثة بكل واجهاتها السياسية والاقتصادية والعلمية. وهذا الوضع الغريب هو ما يحاول البعض استنساخه في ما تبقى من بلدان إفريقيا، في الدول المغاربية تحديدا، فما لم يتحقق بمنطق التاريخ وقوانينه يمكن أن يفرض بالإرادة السياسية وحدها. فاستنادا إلى ما ورد في الدستور المغربي الأخير(2011) الذي يدعو إلى ضرورة الاحتفاء باللغات الأجنبية(وهي دعوة غريبة حقا، فهذا أمر لا يدستر بل يدبر في الفضاء التعليمي والثقافي، والعناية بالتعابير الشفهية التي لا أحد يعرف حقيقتها وعددها، يسعى البعض جاهدا إلى تعميم هذه التجربة من خلال إيهام الناس بوجود تعددية لسانية في المغرب تقتضي الاستعانة بلغة عالمية.(ص55 . 56 ، 57من مدارات). قد تكون اللغات الأجنبية، وفي مقدمتها اللغة الفرنسية والإنجليزية، معبراً للعالمية والتصنيف العالمي، والانتماء إلى المعرفة والمواكبة العلمية، وقد تكون الدوارج، أو رديفات اللغتين العربية والأمازيغية الرسميتين، مما ينعت باللغة المغربية، بما هي أداة للتواصل والاستهلاك اليومي، بها يتسوقون وينكتون وبها ينامون ويستيقظون، سواء كانت من تنويعات الأمازيغية (تشلحيت وتمزيغت وتريفيت)، أو عربية، (الجبلية والمدينية والعروبية والحسانية وغيرها)، لا يمنع من الإقرار بالثنائية اللسانية بالمغرب، هما اللغة العربية واللغة الأمازيغية المعياريتين، دون سواهما. وعليه، فالاستعانة باللغات الأجنبية، فرنسية كانت أو إنجليزية، مطلوب للمواكبة والانفتاح على المتاح البشري، بل وهي وسيلة لتلقيح لغتينا الرسميتين وتأهيلهما، وبالتالي فدعوى التعدد بالمغرب دعوى باطلة ومدخولة لا توجد سوى في أذهان من يجهل حياة اللغات وطريقة تدبيرها. بناء على كل ما سبق، يبدو أن التعدد اللغوي بالمغرب المُشكل في جزء كبير منه لنسق تَمَغْرِبِيتْ، سواء بلغتيه الرسميتين، العربية والأمازيغية، أو بتلويناتهما اللهجية، قد يكون تعددا مخلا وبالتالي غير منتج، بل ومعرقلا لتشجيعها، والاحتفاء بتلويناتها المختلفة، بل ومحفزا للاحتماء باللغات الأجنبية والارتماء في "أحضان" فضائها القيمي، في مقدمتها اللغة الفرنسية، أو حتى اللغة الإنجليزية لاحقا.ولذلك فدعوى التعدد اللغوي بالمعنى الوارد في الدستور المغربي الأخير(2011) دعوى مدخولة، بشعبوية "قاتلة"تقوم على ترسيم ودسترة أكثر من لغة، إلى جوار التنويعات اللغوية، بدعوى حماية التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، على قاعدة إرضاء الجميع، مما قد يرسخ النزوع القبلي والإثني، ويذكي النزاعات والتطاحنات، ويقلص مطلب الديمقراطية وحقوق الإنسان. وإذا أضفنا إلى ذلك تعدد الحرف ورسمه وصعوبة إتقان أنواع ثلاثة من الحروف"(ص48 العروي)، تبدو المطالب صعبة التحقق حتى في ظل جهوية متقدمة مما سيفتح الباب مشرعا للغات أجنبية، كما هو شأن كثير من الدول في العالم. فعلى سبيل المثال، تعج فرنسا بلهجات وأعراق كثيرة ولكن الفرنسية وحدها رسمية (ص79 بنكراد الدستور المغربي الجديد)، وهي "اللغة الوحيدة المستعملة في المجال العمومي والمؤسساتي"(ص17 من التعدد لسعيد بنيس). وأخوف ما نخاف عليه، أن تكون مقتضيات دستور2011، ومخرجات الرؤية الاستراتيجية (2015.2030)، ومقتضيات القانون الإطار، وصلابة الواقع الوطني والدولي وإرغاماتهما، وتقاطبات الوزراء الأوصياء على القطاع ومرجعياتهم المختلفة والمتضاربة، وبرغماتيات الأحزاب السياسية ومرجعياتهم، مسوغا لتسهيل هيمنة اللغات الأجنبية في مقدمتها اللغة الفرنسية في المنظور المتوسط، واللغة الإنجليزية في الآفق المنتظر، فتنحبس اللغتين الرسميتين للبلاد وتنويعاتهما، وتنتصر الوظيفية والنفعية، على حساب الهوية وتَمَغْرِبِيتْ، فتضيع الهوية وتتبخر… ويعُم المسخ ويسُود.. وتتلاشى بعض عناصر "تَمَغْرِبِيتْ" وتنقرض، كماهو حال"هيضورة" عيد الأضحى،بالدارجة المغربية،أو "تاهيدورت" باللغة الأمازيغية،" التي كانت تحلُو فوقها "الهدرة" وتُزين الغرف "، بلغة سعيد بنيس، وقد أصبحت، بتغير الزمن وتقلباته،"تَتْلاحْ فالزْبل" بحسب سعيد بنيس، ويستغنى عنها المغربي شرّ استغناء…وفي ذلك فيتأمل المتأملون في تَمَغْرِبِيتْ ومصيرها !!!…/.