لازالت ظاهرة الهرج والتراشق الكلامي في جلسات برلمانية مثيرة لاهتمام وتتبع الرأي العام متواصلة، بالموازاة مع استمرارية الجدل القانوني البرلماني والحكومي حول إشكالية تناول الكلمة في إطار نقط نظام. ومن الملفت للنظر في هذا الشأن تسجيل اقتران اللجوء المتكرر لهذه الآلية القانونية التقنية بنزعة غلو سياسي يجعل منهجية التوظيف الظرفي لها مهيمنا على جوهر الجلسات وبعدها الدستوري بسبب تباين المواقف وتغيرها وتعارضها. فمن وجهة موقف وسلوك المعارضة البرلمانية، تعد آلية نقط نظام وسيلة ناجعة ومعتمدة لإثارة جوانب الخلل التي تصادفها، قبل أو خلال الجلسات العمومية، في القضايا التي تهم اعتماد وتدبير جداول أعمالها، باعتبار هذه الأخيرة في حد ذاتها غير محصنة من إثارة ماله علاقة بالحكومة. كما أنه تبعا لما جرى به العرف البرلماني في مجلس النواب ووفقا لوجهة نظر قانونية برلمانية سائدة سبق تسجيل توافق الأغلبية والمعارضة بشأنها، لاسيما خلال الولاية الحكومية السابقة (2016-2021)، فإنه لاحق للحكومة إلا في السكوت والتزام الصمت وعدم أخذ نقط نظام للكلام كلما تعلق الأمر بضوابط سير الجلسات وتطبيق النظام الداخلي، مع الدفع في انتفاء حقها في تناول الكلام التعقيبي ولو من باب التوضيح والرد على ما يثار ويمسها ووزرائها بشكل عمومي مباشر. أما من وجهة موقف ونظر الحكومة فيبرز امتعاضها الشديد والمتكرر من حرمانها من إمكانية تناول الكلمة في إطار نقطة نظام، لاسيما فيما يمسها بشكل صريح، حيث برز الاحتجاج الحكومي بشكل كبير في نازلة موقف سابق بصمه وزير الدولة السابق المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان على إثر توافق كلام الأغلبية والمعارضة في إثارة نقد لاذع لغياب الوزراء، كما تجسد بمواصلة الدفاع عن الحق الحكومي في تناول الكلام من لدن الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان الذي عزز الاحتجاج على موقف رفض نقط نظام للحكومة في إطار علاقتها مع البرلمان داخل فضائها الدستوري الاعتيادي بزاوية العلاقة بين الحكومة والصحافة في منصة الندوة الصحفية الحكومية الأسبوعية بصفة الناطق الرسمي باسم الحكومة. ويقتضي تتبع مسار التأويل والتوظيف البرلماني لموضوع تناول الكلام بالبرلمان الإحالة على أهمية الاسترشاد بإطاره القانوني المرجعي، قبل بسط بعض جوانب الانتقاد لمواقف التفاعل معه، لاسيما مع ضرورة المبادرة لسد الثغرات القانونية والعملية التي ساهمت في تحويل آلية قانونية تقنية إلى عنصر من عناصر التأثير السلبي على طبيعة النقاش بالبرلمان وعلى صورة جلساته، حيث اعتبر الأمر في كثير من الأحيان مجرد "مسرحية" أو "حلبة للمصارعة السياسوية". فبالرجوع إلى النظام الداخلي للبرلمان نجد أن مفهوم تناول الكلمة في إطار نقطة نظام لا يحتمل سعة التأويل والتفسير والتوظيف، إذ يتعلق المقصود القانوني به على وجه التحديد بإثارة الانتباه لضوابط سير الجلسة أو لمقتضيات النظام الداخلي، بما يفيد استحالة شموله لانتقادات لها علاقة باعتبارات خارجة عن نطاق الجلسة التي تنعقد بجدول أعمال محدد سلفا لغاية رقابية أو تشريعية أو تقييمية لسياسة عمومية. وحيث إن البين من ذلك كون تناول الكلام الاستثنائي بالبرلمان لتحقيق سير عادي للجلسات مجرد آلية تقنية لمساعدة رئيس الجلسة على ضبط نظامها وسيرها وفقا لماورد في النظام الداخلي، فإنه لا يمكن من الناحية المبدئية تحويلها إلى آلية رقابية أو استثمارها لتمرير مضامين أو رسائل رقابية بأي حال من الأحوال، وعليه يتعذر بها دعم أو فهم أي إمكانية لإثارة أية مساءلة ضمنية أو صريحة للحكومة أو للدفاع عنها أو لكسب تصريف عمومي لوجهة موقف سياسي معين أو التعبير عنه. كما أن الوسائل الدستورية والقانونية لمراقبة عمل الحكومة وانتقادها أو دعمها محددة على سبيل الحصر ولا يجوز التعسف في توظيف ما يمكن توظيفه لتحقيق غاية رقابية محرجة أو مدعمة للحكومة. وحيث إن النظام الداخلي للبرلمان واضح وضوح الشمس في الإحالة على مسؤولية رئيس الجلسة في حماية آلية تناول الكلام في إطار نقط نظام من أي زيغ يمكن أن ينحرف بها عن مبتغاها ومقصدها القانوني، إذ هو المعني بالأساس بتخويل الإذن بالكلام في إطارها. وإذا تبين أن الموضوع لا علاقة له بالنظام الداخلي أو سير الجلسة فيتوجب عليه وقف المتدخل على الفور مع الأمر بسحب كلامه من محضر الجلسة. لنصل إلى تأكيد خلو النظام الداخلي من مقتضى صريح يسعف في تعليل تناول الكلام في إطار نقط نظام لخدمة غرض لا يمس بصلة مباشرة بمجال تنظيم الجلسة وسيرها أو تنبيه يخص التذكير بماورد في النظام الداخلي الذي قد يغفل عنه أو يجهله رئيس الجلسة لا أقل ولا أكثر. وبذلك فمن زاوية الملاءمة الموضوعية الإحالة على ضرورة استبعاد توظيف هذه التقنية المجردة لتوجيه النقد الرقابي للحكومة أو إثارة ماله علاقة بأداء الوزراء أو بموقف أعضاء البرلمان والتعليق عليهم أو بما يستوجب عدم الإخلال بمبدإ التعاون والتوازن في العلاقة بين البرلمان والحكومة التي تخضع في أساسها لأحكام دستورية. وانسجاما مع هذا التعليل، يتعين التأكيد على أن إثارة ضرورة معالجة حالات الشرود والخروج عن غاية تناول الكلام بالبرلمان وتوظيفه خارج السياق المحدد له لا يمكن أن تتحقق بشرعنة حق التعقيب أو الرد لا من لدن الحكومة ولا من لدن أغلبيتها أو من لدن معارضتها، إذ من المتعين على رئيس الجلسة أن يتحمل مسؤوليته بالتصدي الآني والحاسم لذلك قبل تمامه. بيد أن استبعاد الإقرار بشرعنة حق التعقيب على مضامين كلامية خارجة في حد ذاتها عن نطاق محدد لنقاط نظام مع اعتبار انتفاء قانونيتها ودستوريتها، لا يحجب إمكانية تكريس حق الحكومة في تناول الكلمة فيما يهم مساهمتها عند الاقتضاء في تحقق السير العادي للجلسات وعدم خرق النظام الداخلي، فالحكومة بحضورها أشغال البرلمان تكون في عدة حالات معنية بشكل مباشر بسيرها ومجبرة على تناول الكلام للتنبيه الضروري على ما يفيد عدم الإفادة به إحداث خلل أكيد في سير الجلسات، ومن بين تلك الحالات على سبيل المثال تزامن توقيت برمجة نفس الوزير في أشغال رقابية بمجلس النواب مع أشغال تشريعية بمجلس المستشارين، أو حدوث قوة قاهرة أو ظرف موضوعي طارئ بالتزامن مع أشغال الجلسة التي تشمل برمجتها قطاع أو أكثر معين، مما قد يقتضي بالضرورة التماس شفهي حكومي للتقديم أو التأخير أو التأجيل تجنبا لإرباك سير الجلسة. ويتبين منطق الاستدلال القانوني على ذلك بالإحالة على مقتضيات المادة 151 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي اكتفت بالتنصيص على أن الأسبقية في تناول الكلام في إطار نقط نظام المطلوبة تعطى لرؤساء الفرق البرلمانية دون تحديد قانوني صريح للمعنيين بإمكانيات التقدم بها وعلى مقتضيات المادة 167 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين التي وردت بصيغة أكثر عمومية تنص فقط على أسبقية تناول الكلام الذي ينصب على سير الجلسة والحرص على تطبيق النظام الداخلي ، مما يسعف على تقدير حق الحكومة في المبادرة الكلام بنقط نظام بمجلس النواب حرصا على نفس القصد البرلماني ، لاسيما أن الممارسة المسجلة بمجلس المستشارين تثبت تفاعلا سلسا مع هذه الألية المفتوحة للحكومة في عمل المجلس، خلافا لعرف وواقع مجلس النواب الذي كرس في أكثر من مناسبة التصدي والممانعة بأغلبيته ومعارضته للحق الحكومي في الكلام، رغم أنه من المفترض أن يكون أكثر تيسيرا لتجسيد التعاون والتوازن مع حكومة منبثقة منه. علما أنه يتعين الاسترشاد برصيد من أوجه نجاعة وقصور نظام تناول الكلام بالبرلمان بصفة عامة في إطار ورش مراجعة وتجويد النظام الداخلي. كما أن مقاربة التأويل الدستوري الديموقراطي لنظام تناول الكلمة تثير استبعاد حصره في جهة البرلمان فقط، وذلك تطبيقا لأحكام الدستور التي تستوجب التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وانسجاما مع اجتهاد القضاء الدستوري الذي حسم بموجب قراراته المرجعية ترجيح التوازن والمناصفة الزمنية في التعبير عن الرأي بين البرلمان والحكومة وفي كل الأحوال، وتقديرا لكون تناول الكلمة في نقط نظام يظل في الأصل آلية قانونية ضرورية واستثنائية للمساعدة على تحقق سير عادي للجلسات والتقيد بالنظام الداخلي، فإنه من الأولى توجيه نطاق الزمن والنظر البرلماني والحكومي حول أولوية الغاية الدستورية بتشريع منتج ومتابعة ناجعة للعمل الحكومي في إطار جداول أعمال تحدد سلفا، مع تجويد جاذبية النقاش والحوار في فضاء دستور ي لا ينسجم السعي لتحقيق انسجامه مع أحكام الدستور والتوجيهات الملكية السامية وانتظارات المواطنات والمواطنين مع إعادة إنتاج "حلبة الصراع السياسوي السلبي" و"عالم المسرح والفرجة".