لا يجادل أحد في أن إقرار الديمقراطية بكل أبعادها يعد أساس بناء دولة الحق و القانون و أن تعزيز ركائز دولة الحق و القانون يتطلب ممارسة سياسية سليمة قوامها الحوار الجاد و الصريح بين مكونات المجتمع – حوار ممتلئ بالنقد الذاتي و البناء و الذي غايته رصد عيوب المجتمع و طرح الحلول الناجعة لإصلاحها و لتحقيق إرادة الشعب المغربي في الخروج مما جرته إليه ظروف الحياة نتيجة أخطاء الماضي نحو مغرب قادر على تصحيح أوضاعه المتردية و التطلع إلى تحقيق تنمية شاملة و مستدامة بالاجتهاد المتواصل و المراقبة الفاعلة والتتبع الجدي لكل الأوراش المفتوحة و الالتزام بتنفيذها و إعمال مبدأ المسائلة و المحاسبة و تفعيل كل الآليات الكفيلة بضمان قيام مجتمع الديمقراطية . و مجتمع الديموقراطية هو المجتمع الذي تكون فيه الديمقراطية قيمة اجتماعية للمشاركة في الحكم من خلال ضمان التعددية الحقيقية و التلقائية النابعة من رحم المجتمع و باعتبارها النموذج الذي يستوعب المبادئ الأساسية التي تتيح فرصة فرز الأغلبية و المعارضة اعتمادا على انتخابات نزيهة و شفافة تفضي إلى تشكيل مؤسسات معبرة عن إرادة الشعب . و الأحزاب مسؤولة عن قيام مجتمع الديمقراطية عبر الاضطلاع بدورها التأطيري للمواطنين إعمالا لواجبها الأساسي بموجب الدستور بالمساهمة في بناء وعي المواطنة و تعميق وعي المجتمع بثقافة الديمقراطية و التصدي لممارسات خصومها و التي تستغل مظاهر التخلف الاجتماعي و الثقافي لدى المواطنين جراء استمرار تفشي الأمية و الفقر و تراجع دور الأحزاب في التوعية و التأطير وعجزها الواضح عن كسب ثقة شرائح واسعة من المواطنين و المواطنات و إقناعهم بجدوى الانخراط في العمل السياسي .. بغاية تمييع العمل السياسي و الإساءة للعملية الديمقراطية . على الأحزاب اليوم أن تظل وفية للأهداف التي أنشأت من أجلها و للمقاصد و المبادئ التي قامت عليها و أن تحرص على توفير مناخ حزبي يشكل نموذجا للممارسة الديمقراطية داخل تنظيماتها وعلى نحو يخدم القيم التي ناضلت و ضحت من أجلها مختلف شرائحها الوطنية الملتزمة . إن العالم اليوم يمتح بالمتغيرات و التي تفرض على الأحزاب التعامل معها و بذل قصارى الجهود من أجل النهوض بالأوضاع الحزبية في اتجاه ما يدعم الممارسة الحزبية السليمة القائمة على دراسة الواقع الحزبي و تشخيص أوضاعه و استيعاب حقيقته و العمل من أجل تجاوز أخطائه و تنقية أجوائه و إعادة تأهيله لمجابهة الاكراهات و الصعوبات و تجاوزها و التنظير الجيد للمستقبل و تحدياته و التوجه نحو الحداثة والانفتاح دون المساس بالمرجعيات و بالهوية الوطنية و ثوابتها و من منطلق أن المعركة اليوم هي من أجل إحراز تقدم إيجابي للأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و البيئية للمواطن المغربي. إن من شأن كل ذلك أن يجعل من الأمور داخلها تسير وفق ما ينبغي أن تكون عليه لا حسبما هو كائن. و أحزاب الأغلبية اليوم مطالبة بتحقيق وعودها التي ضمنتها برامجها الانتخابية و أكدت استعدادها لتنفيذها و شرحت للمواطنين آليات هذا التنفيذ ، فلا يسعفها اليوم الارتكان إلى مبررات من قبيل إرث الماضي و السياسات المتراكمة و قد كانت بشكل أو بآخر جزءا من هذا الإرث و هذا الماضي و مفروض فيها أنها استحضرت هذا الإرث ضمن برامجها المعلنة و طرحت وسائل تجاوزه . إن على الأغلبية الحالية و التي رفعت شعارات " تستاهل أحسن" و" باش نزيدو القدام " و " الإنصاف الآن "، ترجمة وعودها على مستوى الواقع العملي و تمتيع المواطن بكل الحسنات التي التزمت بها و تعاقدت معه بصددها لاسيما و أنها أغلبية مريحة تمتد عبر المؤسسة البرلمانية و الجهات و العمالات و الأقاليم وتمتلك كل الأدوات و الآليات لتنفيذ برنامجها و طرح مبادرات تجيب على ما ترفعه أغلبية واسعة من المواطنين من تظلمات و تساعدهم على تجاوز آلامهم و معاناتهم و إخماد كل مظاهر الاحتقان الاجتماعي داخل المجتمع . وحده إقرار الديمقراطية يدعم الجبهة الداخلية و يعزز بناء الدولة القوية التي تحتكم للقانون و تتمتع بالاستقرار و الأمن و تتوجه نحو تحقيق التنمية بكل أبعادها و من ثم ضرورة الحرص في القادم من المحطات على تعزيز الآليات و الضمانات القانونية و الإدارية لنزاهة العمليات الانتخابية و ترسيخ ثقافة الديمقراطية داخل المجتمع على نحو يجعل من سواد الشعب داخل العملية السياسية لا خارجها ومن الانتخابات في بلادنا موضوع إجماع على نزاهتها و شفافيتها و حتى نجعل من الآتي أفضل مما مضى.